ذكرى البشير والظلم الواقع على أهلنا في إسرائيل

بقلم/الياس بجاني*

 

لا مصداقية ولا احترام لأي سياسي أو مسؤول أو مواطن لبناني أو حزب يقول إنه سيادي وبشيري ومؤمن بالهوية والتاريخ وبلبنان الـ 10452 كلم مربع ويقدس دماء وتضحيات الشهداء إن لم يدافع جهاراً وبقوة وإيمان ودون حسابات الربح والخسارة الشخصية عن قضية أهلنا اللاجئين في إسرائيل، ونعني هنا تحديداً القيادات والأحزاب المسيحية التي كانت من مكونات الجبهة اللبنانية لأن الشهادة للحق لا تتجزأ فهي إما أن تكون كاملة أو لا تكون.

 

اليوم ونحن نتذكر استشهاد القائد بشير لا بد وأن نتذكر أيضاً وبفخر واعتزاز تضحيات ومعاناة أهلنا الجنوبيين الأبطال والمقاومين والشرفاء الذين تمسكوا بلبنانيتهم وتشبثوا في أرضهم وصانوا هويتهم ورفضوا المساومة أو الركوع لقوى الشر والإرهاب والهمجية على مختلف أنواعها.

 

اتكلوا على الله وقرروا الصمود والتحدي والمقاومة غير عابثين بميازين القوى العسكرية والعددية والمادية التي لم تكن لمصلحتهم لأن إيمانهم بقضيتهم ولبنانهم الغالي هو أقوى ولأن رجاءهم هو المحفز والدافع. رفعوا العلم اللبناني وتحت رايته صمدوا ببطولة وقدموا القرابين الذكية ومئات الشهداء دفاعاً عن الأرض والعرض والحريات.

 

سنة 2000 تخلى عنهم الجميع فأجبر أكثريتهم على اللجوء إلى إسرائيل أو الهجرة إلى العديد من البلدان. اتهموا باطلاً وزوراً بالعمالة والخيانة وصدرت بحقهم أحكام جائرة وظالمة ومن بقي منهم في أرض الوطن سجن وأهين وجرد من حقوقه المدنية وتم التعامل معه بتجن وافتراء من قِبل دولة فاقدة لقرارها تحكمها دويلة حزب الله.

 

وعد رئيس الجمهورية ميشال سليمان في خطاب قسمه بالعمل على عودتهم لأن حضن الوطن كما قال يتسع للجميع فتبين فيما بعد أن من وعد نقض وعده وأن رموش عينيه تتسع فقط لحزب الله وسلاحه الإيراني ولا مكان فيها لأهله اللاجئين في إسرائيل.

 

أما قيادات الأحزاب المسيحية السيادية فأصيبوا بعد العام 2005 بعاهتي التقية والذمية وراحوا يشربون من كأسين ويجلسون على مائدتين حفاظاً على مصالح خاصة ومراكز ونفوذ. لقد أرعبهم سلاح حزب الله وتهديداته وغزواته واستكباره والفجور فبلعوا ألسنتهم وغضوا الطرف عن قضية أهلهم اللاجئين في إسرائيل متوهمين أنهم بذلك سيكونون بمنأى عن شروره واتهاماته إلى أن اكتشفوا مؤخراً أن هذا الحزب الإيراني والأصولي المُعسكر لا يعترف بوجود وحقوق وحرية غيره مهما انحدر درك مطواعية هذا الغير، وهو لا يوفر لا رقاب ولا كرامات ولا خصوصية أحد عندما تسنح له الفرصة، فاستفاقوا مرعوبين ومذعورين عندما وصل السكين إلى رقابهم وبدأوا رحلة رفع الغبن الشاقة والطويلة التي ستبقى ناقصة إن لم يجعلوا من قضية أهلهم الجنوبيين اللاجئين في إسرائيل أولوية مطلقة.

 

في هذا السياق يمكن احتساب مواقف النائب سامي الجميل التي أدلى بها خلال مؤتمرة الصحفي يوم الأربعاء بتاريخ 08 أيلول/2010 رداً على تعديات وهرطقات وجحود النائب في كتلة نواب حزب الله نواف الموسوي ومواقف غيره من المرتزقة والصنوج والأوباش الذين اتهموه بالعمالة لإسرائيل.

 

إن مواقف النائب الجميل العالية النبرة والشجاعة والشفافة والصادقة مهمة جداً والمطلوب من الشرفاء والسياديين في كافة المواقع تبنيها وبدء مسيرة إحقاق الحق والشهادة له. إلا أن من يقوم بهذا الواجب الوطني المكلف والخطير لا يجب أن يتوقع الشكر أو التأليه وذلك عملاً بقول السيد المسيح (القدّيس لوقا 17/10): " فهل للأجير فضل إذا أطاع سيده؟ لا أظن. وهكذا أنتم، إذا فعلتم كل ما أمرتم به فقولوا: نحن خدم بسطاء، وما فعلنا إلا ما كان يجب علينا أن نفعل".

 

قال النائب سامي الجميل في مؤتمره الصحفي: " أنا ابن حزب الكتائب اللبنانية والكنيسة المارونية والمقاومة اللبنانية والجبهة اللبنانية وفخور بما قامت به هذه المؤسسات من اجل المحافظة على لبنان والمسيحيين طيلة 1600 سنة". هذا الكلام الجوهري وهو الحقيقة بعينها ويذكرنا بمواقف وشجاعة ونبل أخلاق الشيخ بشير الذي قاد وبارك واحتضن مقاومة أهلنا الجنوبيين في ما كان يُعرّف بالشريط الحدودي.

 

لمن يهمه الأمر، ولمن عنده أذنان صاغية، ولمن سلاحه هو الإيمان والرجاء نقول بصوت صارخ ومدو إن أهلنا الجنوبيين، أبناء الشريط الحدودي المقيمين قسراً في إسرائيل هم أيضاً أبناء الكنيسة وأبناء لبنان والأحزاب المسيحية السيادية والجبهة اللبنانية وقدموا الشهداء من أجل المحافظة على لبنان بأعداد تفوق ما قدم غيرهم، وبالتالي لا يجب التخلي عنهم مهما كانت الأكلاف ولا التنكر لقضيتهم مهما زادت حملات التخوين، ولا الخجل بعطاءاتهم تحت أي ظرف..

 

إن بشير القضية والجرأة والإيمان والعناد والرجاء والـ 10452 كيلو متر مربع متجذر في ضمير ووجدان وعنفوان كل لبناني شريف يؤمن بالسيادة والحرية والاستقلال وبكرامة وحقوق وخصوصية أخيه الإنسان اللبناني. في هذا اليوم نتذكر بخشوع وفخر وعزة وامتنان كل الشهداء الأبرار ومنهم البشير الذين سقوا أرضنا المقدسة بدمائهم الطاهرة ليبق وطن الأرز حراً، وكرامات اللبنانيين مصانة ورؤوسهم شامخة وجباههم عالية. هذا البشير وكل البشيريين الذين ساروا على نفس الدرب هم أحياء فينا ولن يموتوا أبدا.

 

*الكاتب معلق سياسي وناشط لبناني اغترابي

*عنوان الكاتب الألكتروني

phoenicia@hotmail.com

*تورنتو/كندا في 14 أيلول /2010