أسطول الحرية وغوغائية المستنكرين

بقلم الياس بجاني*

 

مما لا شك فيه أن ما حصل يوم الاثنين 31 أيار/2010 على متن أحدى سفن "أسطول الحرية" الذي كان متوجاً إلى قطاع غزة الفلسطيني هو مستنكر ومحزن ومؤسف وعمل غير مقبول وما كان يجب أن يحصل. ولكن ما حصل قد حصل فلا البكاء ولا الندب والنواح ولا أي تصرف غوغائي وعنفي أخر سيعيد الأحداث إلى الوراء.

 

فالعقل والمنطق يقولان إن معالجة الحادثة هذه التي أسفرت عن سقوط العديد من القتلى والجرحى لا تتم بردات الفعل الغرائزية والتصرفات الفوضوية والإرهابية التي للأسف كان مسرحها عدداً من الدول في مقدمها إيران وتركيا والأردن ولبنان وبريطانيا.

 

فلا محاولات اقتحام السفارات الإسرائيلية الصبيانية يفيد بشيء، ولا حرق الأعلام الأميركية والإسرائيلية الاستعراضي سيزيل إسرائيل من الوجود كما يتمنى الرئيس الإيراني الواهم أحمدي نجاد، ولا نوبات الهيجان والصراخ الهستيرية كانت حلاً لأي مشكلة في السابق وبالتأكيد لن تكون حلاً لا اليوم ولا في أي يوم من الأيام. كما أن البيانات الإنشائية الرتيبة والببغائية التحريضية لن تعيد إلى الحياة الذين سقطوا في الحادثة المؤسفة.

 

وبما أن العالم اليوم هو عالم شرعة حقوق الإنسان والحضارات والأنظمة والدول والقانون والمجتمعات المدنية فإن القانون يجب أن يعاقب المذنب ولكن بعد إثبات جرمه. من هنا المطلوب من كل الدول والمنظمات والقادة والسياسيين ورجال الدين والأفراد الساعين فعلاً وبصدق لمعرفة حقيقة حادثة "أسطول الحرية" أن يطالبوا بإجراء تحقيق دولي فوري وشامل وموسع تشارك فيه الأمم المتحدة وإسرائيل وربما تركيا ودول أخرى وذلك للوقوف على تفاصيل ما جرى على السفينة خلال المواجهات الدامية وتحديد المسؤوليات وترك القانون الدولي يأخذ مجراه في الاقتصاص من كل من تثبت إدانته أكان فرداً أو دولة.

 

من المؤسف والمحزن في آن، أن الدول الغربية المسماة دول العالم الحر والحريات وبدلاً من أن تضغط على بعض الدول العربية والإسلامية لتتصرف بحكمة وهدوء وتحتكم للقانون دون أعمال إرهاب وغوغائية وتحريض واستغلال رخيص لمآسي الغير وانتهاكات للحقوق والأعراف من مثل البيانات التحريضية والمذهبية والخطب الرنانية وإحراق السفارات، والفتاوى التي تُحلل القتل، بتنا نرى أن بعض هذه الدول أصيب بعدوى الغوغائية وأصبحت تتصرف بطرق بدائية وهنا مكمن الخطر حيث أن ثقافة الإرهاب والتخوين ورفض الآخر والهمجية باتت تتقدم على حساب ثقافة السلام وعلى قيم الحضارة وسلطة القانون.

 

بالتأكيد لو كانت البيانات التحريضية والعكاظية وأبيات شعر القدح والمدح والردح، وقصائد الزجل الحماسية والعنتريات الكلامية الفارغة من أي محتوى والشتائم الرخيصة الاستفزازية هي سلاح يمكن استعماله لغزو الدول لكانت الدول العربية إجمالاً وبعض الدول الإسلامية قد نجحت في احتلال العالم بأسره.

 

إن الكم الهائل من البيانات الببغائية التحريضية الغاضبة التي صدرت عقب حادثة "أسطول الحرية" في كل من لبنان وسوريا والأردن ومصر وباقي الدول العربية إضافة إلى تركيا وإيران تؤكد بما لا يقبل الشك أن العقل والمنطق والقانون هم في أجازة وأن هذه الدول تتعامل مع الأحداث حتى المصيرية منها بردات فعل غرائزية وبسطحية واضحة وجهل مدقع وتقود شعوبها إلى الغرق أكثر وأكثر في أوحال ثقافة الموت والتعصب والكراهية والحقد.

 

أما الأمر المضحك والمبكي في سخافة "همروجة" الاستنكار الغوغائية فكان في محتوى تلك الخطب والبيانات الإنشائية التي صدرت عن طاقم الحكم السوري وقادة إيران وربع حزب الله حيث تحول هؤلاء الإرهابيون والقتلة بامتياز فجأة وبقدرة قادر إلى دعاة سلام وملائكة.                  

 

يبقى أن مواجهة أي حادثة أو مشكلة أو صراع في عالمنا المتحضر لا يحب أن تكون على خلفية ثقافة الموت والهمجية والانتقام، بل عن طريق العقل والقانون وثقافة الحياة والسلام، علماً أن الشر ومهما تمادى فهو يحمل بذور دماره في داخله، ومن عنده أذنان صاغيتان فليسمع.

 

 

*الكاتب معلق سياسي وناشط لبناني اغترابي
*عنوان الكاتب الألكتروني lccc.bejjani@gmail.com

*تورنتو/كندا في 02 حزيران/2010