النائب سامي الجميل وقع في التجربة

بقلم/الياس بجاني*

"لا يوجد إنسان صدِّيق في الأرض يعمل صلاحاً ولا يخطئ". (الجامعة7-5)

 

النائب سامي الجميل شاب في مقتبل العمر، قريب من القلب وواعد. إنه ابن بيت لبناني ماروني عريق متجذر في تربة الوطن وفي الوطنية والشهادة والعطاء ويتمتع بالكثير من نِعم وصفات القيادة. إننا وكما عرفناه من خلال نضاله الشبابي المبكر، وعبر مواقفه الوطنية اللافتة، وإطلالاته الإعلامية الموفقة، هو صريح وشفاف وصادق. كما أنه صاحب رؤية واضحة لمستقبل لبنان ومؤمن برسالته الحضارية والثقافية والتعايشية وبقضيته المحقة التي هي قضية وجود وهوية وتاريخ وحريات وحقوق وكرامات.

 

من هنا نطلب منه بمحبة أن يتقبل ملاحظاتنا الصريحة وربما القاسية على بعض ما قاله في مجلس النواب خلال جلسات مناقشة البيان الوزاري بعقل منفتح وروح رياضية عملاً بمبدأ: "صديقك من صدقك وليس من صدّقك"، وبداية نعترف بأننا أُعجبنا بكلمته وأحسسنا بأنها فعلاً تعبر عن تطلعاتنا وتتحسس أوجاعنا، إلا أن الكلام الذي وجهه إلى نواب حزب الله لم يكن موفقاً ولا محقاً ولا صحيحاً، وفيه إلتباس كبير وتناقض فاقع وتنكر لشهداء جنوبنا الغالي ولقضية أهلنا الموجودين في إسرائيل.

 

فقد جاء في الكلمة التي ألقاها النائب الجميل في المجلس النيابي عندما خاطب نواب حزب الله: "إننا نحترم نضالكم ومقاومتكم، ونحن أكثر من يفهمكم لأننا ناضلنا وقاومنا وسقط لنا شهداء، ونعرف قيمة الشهادة والمقاومة ونعرف معنى القضية. ونحن نعترف بنضالكم من أجل تحرير جنوب لبنان من إسرائيل ونحترم شهداءكم ونحترمكم ونحترمهم، إنما انتم لبنانيون مثلنا، وكما نعترف بكل ما قمتم به من اجل هذا البلد نطالب بأن تعاملونا بالمثل وتعترفوا بنضال لبنانيين آخرين دفاعاً عن لبنان في وجه الاحتلال السوري وتوطين الفلسطينيين".

 

نعتقد أن النائب الكريم وقع في التجربة، ومن منا لم يُجرب؟ وقد أوصانا السيد المسيح في الصلاة الربانية أن نقول: "ربي لا تدخلنا في التجارب، لكن نجنا من الشرير". وبما أنه "لا يوجد إنسان صدِّيق في الأرض يعمل صلاحاً ولا يخطئ". (الجامعة7-5) نود أن نلفته إلى الحقائق التالية:

 

أولاً: لو أنك قلت هذا الكلام وحزب الله قد عاد إلى حضن الدولة اللبنانية وتخلى عن ولائه المطلق لإيران ولملاليها وعن مشروع ولاية الفقيه وسلم سلاحه ودويلته إلى السلطة الشرعية في وطن الأرز واعترف بالكيان اللبناني وبدستوره وبمكونات مجتمعه المتعدد الحضارات والإثنيات وبحقوقه كافة ورفع ظلمه وقهره واحتلاله عن أهلنا في الجنوب لكان عندها كلامك مقبولاً وله ما يبرره. أما قول ما قلته في الظرف الراهن فهو الخطأ والخطيئة في آن.

 

ثانياً: أنت عندما تحفظت على البند السادس من البيان الذي شرَّع دويلة وسلاح حزب الله فعلت ذلك كونك لا تعترف بمقاومة هذا الحزب الأصولي الذي يصادر بالقوة والإرهاب والغزوات ومن خلال تبعيته المطلقة لسوريا وإيران قرار وسلطة وهيبة الدولة اللبنانية، كما أنك لا تقر بمشروعية نضاله لإزالة إسرائيل ومحاربة الاستكبار العالمي وأميركا ومعاداته لكل الدول العربية ورفضه لمبادرة بيروت العربية للسلام ولكل القرارات الدولية ومعارضته لكل أشكال المفاوضات السلمية مع الدولة العبرية. كما أنك تعرف جيدا كما يعرف العالم بأسره أنه لم يحرر الجنوب سنة 2000  من الاحتلال الإسرائيلي ولكن حرره فقط من أهله ومنع الدولة من بسط سلطتها عليه ومارس على أهلنا فيه ولا يزال أبشع أنواع الاحتلال والقهر والإذلال وهو يحرمهم من حقوقهم المدنية كافة. كما أنه يحول بالارهاب والقمع دون عودة أهلنا الموجودين في إسرائيل ويتهمهم بالعمالة والخيانة. وهنا نلفتك إلى موقف حليف حزب الله الأول اليوم العماد ميشال عون الذي كان أعلن سنة ألفين بالفم الملآن "أن حزب الله لم يحرر الجنوب، بل آخر تحريره 14 سنة" ومؤكداً أن "مزارع شبعا هي كذبة وليست لبنانية".

 

ثالثاً: إن حزب الله نفسه تخلى عن المقاومة ضد إسرائيل سنة 1996 يوم قبل بتفاهم نيسان الذي جاء فيه: تفهم الولايات المتحدة أن بعد محادثات مع حكومتي إسرائيل ولبنان وبالتشاور مع سوريا يضمن لبنان وإسرائيل الآتي:  ألا تنفذ الجماعات المسلحة في لبنان هجمات بصواريخ كاتيوشا أو باي نوع من الأسلحة على إسرائيل.  وألا تطلق إسرائيل والمتعاونون معها النار بأي نوع من الأسلحة على مدنيين أو أهداف مدنية في لبنان.  إضافة إلى ذلك يلتزم الطرفان ضمان ألا يكون المدنيون في أي حال من الأحوال هدفا لهجوم وإلا تستخدم المناطق المأهولة بالمدنيين والمنشآت الصناعية والكهربائية كمناطق لشن هجمات منها ".اضغط هنا لقراءة نص اتفاقية نيسان

http://www.clhrf.com/unresagreements/april%20undestandin96.htm

 

 يومها العماد عون "المقاوم والمغوار" اليوم الذي يريد أن يشتري السلاح للفلسطينيين ولحزب الله هاجم بعنف هذا الاتفاق واعتبر أن مقاومة حزب الله أصبحت مقاومة بالتراضي أي انتهت وهذا بعض ما كتبه في مقالة له نشرت في 15/08/1997 تحت عنوان: "تفاهم نيسان، اتفاق أمني ومقاومة بالتراضي". "ما همّنا من اشترك في وضع التفاهم – الاتفاق فالأطراف أصحاب العلاقة هم اللبنانيون والإسرائيليون. والتساؤل الذي يفرض نفسه علينا وعلى كل لبناني هو: كيف تفاوض المقاومة عدوّها وتقبل بشروطه فتصبح مقاومة بالتراضي، كما أنها تعطيه أمناً كاملاً على أراضيه وتجعل من أراضيها جهنماً كاملة؟ شمال إسرائيل يعمر ويزدهر، وجنوب لبنان يُقفر ويفتقر، فعلى من تدور المؤامرة ومن هم أبطالها؟ ولمصلحة من أن يبقى الفتيل مشتعلاً؟" (اضغط هنا لقراءة مقال عون).http://www.10452lccc.com/aoun.arabic.editorials/aoun15.8.97.htm

 

رابعاً: ما نعرفه جيداً أنك متعاطف مع قضية أهلنا الموجودين في إسرائيل وتعتبرهم مقاومين شرفاء ودافعوا ببطولة وعنفوان عن أرضهم وممتلكاتهم وأعراضهم، وكنت قد أثرت قضيتهم في مقابلة لك مع الإعلامي مرسال غانم مؤخراً. ولا داعي لأن نذكرك ونذكر من خانتهم الذاكرة أن العديد من أفراد جيش لبنان الجنوبي كانوا من الكائبيين والقواتيين والأحرار وحراس الأرز ومن فصائل الجبهة اللبنانية كافة. وهنا مكمن التناقض والوقوع في التجربة والخطأ والخطيئة. فإن كنت تعترف بدور حزب الله في تحرير الجنوب وتعترف بشهدائه فأنت إذا لا تعترف لا بمقاومة أهلنا الجنوبيين ولا بقضيتهم ولا بشهدائهم لأنه كما يقول القديس بولس الرسول: في رسالته الأولى لأهل كورنتوس 10/21: "لا تقدرون أن تشربوا كأس الرب وكأس الشيطان ولا تقدرون أن تشتركوا في مائدة الرب وفي مائدة الشيطان".

 

خامساً: "هم أي حزب الله، كما قلت فعلا لبنانيون ولكن بالهوية فقط لأن قضيتهم ليست لبنانية، ومشروعهم ليس لبنانيا، ومرجعية قرارهم ليست في لبنان، وسلاحهم ليس لبنانياً وكذلك لا ثقافتهم ولا أهدافهم ولا مفهومهم للحرية والتنوع وقبول الآخر.

 

سادساً: ألا تدري يا حضرة النائب أنك باعترافك بمقاومتهم تكون قد شرعت لهم كل غزواتهم وارتكاباتهم ماضياً وحاضراً ومستقبلاً؟

 لم نتمكن من فهم موقفك المستغرب إلا من مبدأ العطاء المجاني ونسأل أكان فعلاً من الضرورة بمكان أن تعطيهم هذا الاعتراف بالمجان؟

أما إن كان موقفك لا سمح الله تملقاً وأنت القائد الواعد؟ فإليك ما يقوله القديس بولس الرسول (غلاطية 1/9 و10)  في هذا الصدد: " أتراني استعطِفُ الناس أم استعطِفُ الله؟ ألَعلِّي أتوخىَّ رضا الناس؟ فلو كُنتُ إلى اليوم أتوخىَّ رضا الناس لما كنتُ عبداً للمسيح".

 

سابعاً: لم نسمعك ولا سمعنا أي نائب من نواب مسيحيي 14 آذار و8 آذار يتحفظ على البند 17 من البيان الوزاري الخاص بأهلنا الموجودين في إسرائيل والذي جاء فيه: "ستولي الحكومة اهتمامها بتسهيل عودة اللبنانيين الموجودين في إسرائيل بما يتوافق مع القوانين المرعية الإجراء".

بالله عليك ماذا قدم البيان هذا لأهلنا؟ وأي جميل أو منة لكم انتم كل النواب ال 128 في هذه الفقرة وانتم تعلمون أن القوانين المرعية الشأن هي عضومية الهوى والنوى وتعتبر أهلنا هؤلاء خونة وعملاء؟ عيب والله عيب هذا التخلي عن شريحة من أهلنا كل ذنبها أنها آمنت بلبنان وبقضيته وقاومت وناضلت لتبقَ في أرضها ولتبقي علم بلادها مرفرفاً وعالياً.

 

لك منا كل محبة راجين أن تُوضح موقفك وتعطي أصحاب الحق حقهم لأن من "يصارع الحق يصرعه" (الإمام علي).

ونختم بما جاء في سفر الجامعة 5/8:" إن رأيت ظُلمَ الفقيرِ ونزعَ الحقِ والعدلِ في البلاد فلا تَرتَعْ من الأمر لأنَ فوقَ العالي عالياً يلاحظُ والأعلى فوقهما".

 

*الكاتب معلق سياسي وناشط لبناني اغترابي

*عنوان الكاتب الألكتروني phoenicia@hotmail.com

*تورنتو/كندا في 14 كانون الأول/2009