ثقافة نكسة 67 المدمرة

بقلم/الياس بجاني*

 

كان الله بعون من لا يتعلم من تجاربه الفاشلة والمخيبة، خصوصاً إذا كان مسؤولاً أو قيادياً وقراراته لها علاقة وثيقة بمصير أوطان وشعوب. بالفعل هذا القول بليغ ومصيب لأنه يصف ممارسات وثقافة وبلادة فكر العديد من القياديين والسياسيين العرب ومن ورائهم شرائح كبيرة من شعوب الشرق الأوسط. فلو اعترف هؤلاء بفشلهم وقصورهم وتعاملوا مع الواقع طبقاً لإمكانياتهم وقدراتهم لما كانت نكسة العام 1967 أصابتهم ولا كانوا استمروا باستنساخ النكسات الواحدة تلو الأخرى وكلها مأساوية.

 

منذ نكسة الـ 67 التي تسببت بها ثقافة حقبة الرئيس جمال عبد الناصر والحال الانحدارية للدول والشعوب العربية من سيئ إلى أسوأ.  ثقافة ناصر الفاشلة تميزت بالأوهام والهلوسات والخطاب الشعبوي وهرطقات حروب طواحين الهواء وبلاوي عدم رؤية قدرات الآخرين وخصوصاً الأعداء منهم وتحديداً إسرائيل. هذه الثقافة البالية لم تتغير وما زالت هي المسيطرة بكل علاتها على عقول الحكام المريضة من جنون عظمة ونرجسية وانسلاخ كلي عن الواقع المعاش.

 

يتوهم هؤلاء الحكام أنهم قدر الشعوب الإلهي الذي لا مناص منه، وبالتالي إما أن يحكمونها كيفما يحلو لهم مع عائلاتهم إلى أبد الآبدين وإما يقتلونها والصورة البشعة والوحشية تلك نراها في سورية واليمن وليبيا حيث الانظمة الثلاثة تقتل شعوبها بدموية وبربرية منقطعة النظير رافضة التخلي عن الحكم على قاعدة، "يا قاتل يا مقتول".

 

وقد وصلت ثقافة النظام الإجرامية والوحشية في سورية إلى درك مخيف من الإبليسية والنرجسية لم يعرفه العالم المعاصر ولا حتى عرفته عصور الجاهلية حيث حلل لنفسه وللقتلة المتمرسين الذي يحملون اسم "الشبيحة" قتل الأطفال والتنكيل بأجسادهم واصطياد المواطنين العزل والمسالمين من دون رادع. فمنذ بداية الانتفاضة الشعبية السلمية قبل شهرين زاد عدد القتلى الأطفال عن المئة, في حين ارتفع عدد الضحايا الأبرياء من أبناء الشعب السوري إلى 1500 وتخطى مجمل المعتقلين اعتباطاً العشرة آلاف.

 

من اللافت أن كل الأسلحة التي اشتراها حكام العرب "الثوريين" و "الممانعين" والمقاومين" بمليارات الدولارات (ليبيا, سورية, اليمن) على حساب لقمة عيش شعوبهم المحرومة من أبسط مقومات الحياة الكريمة، هذه الأسلحة لم تستعمل في محاربة إسرائيل, "العدو" الذي يبرر هؤلاء الحكام ممارساتهم الظالمة والديكتاتورية بعلة وجودها. لا بل استعملوا كل أسلحتهم بوحشية ودموية وسادية في قمع شعوبهم وقتل كل من يطالب من أهلهم بالحرية والمساواة ولم يوفروا حتى الأطفال والنساء والمسنين وأماكن العبادة.

 

دنسوا كل شيء وتطاولوا على الأشراف وحللوا لأنفسهم كل شيء، ولم يعد يفرقهم عن الأبالسة شيء. لا بل تفوقوا عليهم وأمسوا هم الأبالسة الحقيقيون. ولأن لكل ظالم نهاية مهما توغل في ظلمه، ولأن الخير دائما ينتصر على الشر، ولأن من يدحرج حجراً يرتد عليه، ولأن الله يمهل ولا يهمل، ها هم هؤلاء الحكام الظلمة يتساقطون ويذوقون الذل والإهانات التي أذاقوها على مدار سنين طويلة لشعوبهم.

 

الثورات مشتعلة في معظم الدول العربية سعياً إلى التحرر من سطوة الحكام والعبودية وحتى تنجح من الضروري أن تتخلص شعوب الشرق الأوسط من ثقافة الأوهام وعلل أحلام اليقظة وتدفن إلى الأبد هوس حروب الطواحين وتتقبل الآخر المختلف من دون قهر ودونية وتتوقف عن فرض معتقداتها الدينية ونمط حياتها على غيرها. والأهم أن تتعامل مع دولة إسرائيل كأمر واقع بعقلانية وموضوعية وتجهد لإيجاد حل لنزاعها معها بغير ثقافة عبد الناصر الكارثية وبعيداً عن دجل ممانعة النظام السوري، ومن دون الوقوع في أفخاخ مقاومة "حزب الله" وهرطقات راعيته دولة الملالي في إيران.

 

بالخلاصة الحكام العرب زرعوا الريح وها هم يحصدون العاصفة، وينطبق على حالهم قول النبي (اشعيا 33-1): "ويل لك أيها المخرب وأنت لم تخرب، وأيها الناهب ولم ينهبوك. حين تنتهي من التخريب تخرب، وحين تفرغ من النهب ينهبونك".

 

في النهاية الثقافة هي التي تحرر الشعوب وتصون كرامتها وتحفظ أوطانها وليس فقط الأسلحة، فهل من يسمع ويتعظ؟

 

*الكاتب معلق سياسي وناشط لبناني اغترابي

*تورنتو/ كندا في 07 حزيران/2011

عنوان الكاتب البريدي

phoenicia@hotmail.com