حساب مصرفي لتسليح الجيش: تلهي بالإعراض وإهمال لمسببات المرض

بقلم/الياس بجاني*

 

أعلن وزير الدفاع الياس المر في الرابع عشر من الشهر الحالي أنه، وترجمة لرغبة رئيس الجمهورية في تسليح الجيش، قرر إنشاء صندوق تبرعات وفتح حساب في مصرف لبنان لدعم تسليح الجيش، وكشف عن إنشاء هيئة من المجتمع المدني للتواصل مع المغتربين بهدف دعم الجيش مادياً، وأفاد أن مجلس الوزراء سيناقش مشروع قانون لتسليح الجيش وفق خطة تمتد على 3 سنوات، وكشف عن تبرع بقيمة مليار ليرة لصالح الجيش باسمه الشخصي وباسم والده النائب ميشال المر.

 

وما أن ذاع أمر هذا الخبر "الشعوبي" المُعِّلب بقنابل التعمية والمفخخ بهرطقات استغباء ذكاء اللبنانيين والهادف إلى اللعب على عواطف الناس وضرب سُلُّم أولوياتهم وتغييب الحقائق عنهم، حتى بدأت حناجر وألسنة جماعات القدح والمدح والردح والذم المأجورة بقصف اللبنانيين برزم من التصريحات والبيانات الببغائية المشيدة والمعظمة والمباركة بمبادرة الوزير المر.

 

هذه الحماسة الغبية والمرَّضية المُعدية دفعت أحد النواب "الأذاريين" المخضرمين ومن داخل مجلس النواب إلى نفخ صدره وفلش ريشه كالطاووس ودعوة زملائه إلى اقتطاع جزء من معاشاتهم لدعم الصندوق. هذا التصرف الأرعن هو قمة في الغباء وقصر النظر والسطحية والذمية لا أكثر ولا أقل، وإن دل على شيء فعلى مدى ذوبان وانصهار فكر ومناعة وثوابت الطاقم السياسي اللبناني بمعظمه في ثقافة حزب الله وفي تبني مفاهيمه الموروبة، إنه فعلاً أمر خطير وخطير جداً.

 

أما فيالق الانتهازيين والمزايدين والمخادعين وربع تجار المقاومة والمرتزقة ومعهم كوادر الأبواق والصنوج من جماعات التحرير والنحر وبقر البطون وحاملي رايات وحدة المصير والمسار، فهؤلاء جميعاً راحوا ينظّرون ويتفلسفون ويتباهون بانتصارات الشقيقة في الممانعة والتصدي ويتغنون بمعارك حزب الله الدونكوشتية. وحده المرتد ميشال عون غرد خارج سرب أقرانه هؤلاء وهاجم مبادرة المر لأن هذا الأخير هو من الوزراء المحسوبين على غريمه الرئيس سليمان الذي يسعى لتقصير ولايته والحلول مكانه حتى ولو دُمر لبنان وقٌتل جميع ناسه، وهو كان طلب من حزب الله أخيراًً احتلال المناطق المسيحية بعد أن فبرك عقله الشارد سيناريو حربياً هو من نسج أوهامه والتخيلات.

 

إن مشكلة السياسيين والمسؤولين المزمنة والقاتلة في لبنان تكمن في امتهانهم الرياء والنفاق والتلون والأنانية. نسأل الوزير المر، هل أن مشكلة لبنان الحالية محصورة فقط في عديد وعدة ونوعية وكمية أسلحة الجيش اللبناني؟ الجواب بالطبع لا، ومن هنا فمبادرته هي استعمائية واستغبائية بامتياز.

 

المشكلة الأساس في لبنان وكما يعرف القاصي والداني وأولهم الوزير المر تتمحور في علة وجود دويلة إرهابية وأصولية ومذهبية تابعة مباشرة لإيران وسوريا قراراً وقيادة وسلاحاً وتمويلاً وعقيدة وثقافة وأهدافاً. دويلة هدف رُعاتِها الإيرانيين تفكيك الدولة اللبنانية وإسقاطها ومن ثم إقامة جمهورية إسلامية على شاكلة جمهورية الملالي المفروضة بالقوة على الشعب الإيراني.

دويلة وجِّدت رغماً عن إرادة غالبية اللبنانيين وهي من مخلفات حقبة الاحتلال السوري.

دويلة تُهيمن على كل مفاصل الدولة وتتحكم بكل قراراتها وممارساتها.

دويلة هي أقوى من الدولة تسلحاً ونفوذاً وموازنة.

نسأل، هل كان وزير الدفاع ورئيس الجمهورية فكرا للحظة واحدة في تحويل الجيش اللبناني إلى مؤسسة عسكرية محاربة لولا وجود الدويلة الفعلي؟

 

وبالتالي المشكلة الأساس هذه التي هي الدويلة وإرهابها والمرتزقة، لا تُحل لا بزيادة عدد دبابات الجيش ومدفعيته ومدرعاته، ولا بامتلاكه شبكات صواريخ مضادة للطائرات، ولا حتى برفع مخزون ترسانته من السلاح لتتساوي مع جميع ترسانات الدول العربية، التي بالواقع لا توازي 10% من قوة إسرائيل العسكرية والتدميرية.

 

وهل يغيب عن بال الوزير المر وهو شهيد حي أن كل سلاح الشقيقة "الممانع" لم يدفع بقيادتها إلى إطلاق ولو رصاصة واحدة على جبهة الجولان المحتل منذ العام 1976 ، ولا هو حتى حرك نخوتهم وعروبتهم وممانعتهم اللفظية إلى مساندة لبنان ولو مرة واحدة خلال الحروب الكثيرة التي خاضها مع إسرائيل رغم كل اتفاقات الدفاع المشترك التي فرضوها علينا قوة الاحتلال والإرهاب.

 

ثم هل يجهل الوزير المر كم هو ثمن الطائرة الحربية الواحدة، وكم هي تكلفة أي شبكة متطورة مضادة للطائرات؟ وهل يتوقع حتى ولو لقيت مبادرته كل التجاوب من الداخل والخارج أن تزيد قيمة التبرعات بحدها الأقصى عن مبالغ تؤمن ثمن أربع أو خمس طائرات حربية ليس بقدرة لبنان صيانتها؟

 

وهل غاب عن باله أنه ورئيس الجمهورية طلبا من الدولة الروسية التي كانت عرضت ودون مقابل تزويد لبنان بسرب طائرات عسكرية متطورة، طلبا استبدالها بمروحيات لأنه ليس بمقدور لبنان تحمل كلفة صيانة سرب الطائرات هذا؟

 

لنفترض حتى أنه وفي حال تم تأمين المال وتمكن لبنان من شراء شبكات مضادة للطائرات، هل يعتقد الوزير المر إن إسرائيل ستسمح بتركيبها؟

وهل غاب عن باله مصير شبكة الصواريخ السورية التي أقامتها دمشق في البقاع في أوائل الثمانينات وكيف دمرتها إسرائيل فيما الجيش السوري "الممانع" لم يحرك ساكناً؟

 

نتمنى صادقين أن يكف أهل السياسة في لبنان ومعهم كل المسؤولين عن المتاجرة "بخمير الفريسيين" الذي هو الرياء والكذب والخداع.

نتمنى أن يتسلحوا بالإيمان والرجاء ويصارحوا الناس ويواجهوهم بشجاعة وشفافية بكل الحقائق وأن يشخّصوا الأمراض ويجهدوا في إيجاد علاجات ناجعة لمسبباتها وليس فقط التلهي بأعراضها.

 

في الخلاصة إن حزب الله هو المشكل، ودون حل هذا المشكل بالتعاون مع المجتمع الدولي والدول العربية وكل دول العالم الحر لن تجدي كل الحلول الترقيعية نفعاً، فهل من يتعظ ويترك "خمير الفريسيين" وشأنه.!! نتمنى ذلك.

 

*الكاتب معلق سياسي وناشط لبناني اغترابي

*عنوان الكاتب الألكتروني

phoenicia@hotmail.com

*تورنتو/كندا في 19 آب /2010