شهداء وطن الأرز والخلود

بقلم/الياس بجاني*

 

"ما من حب أعظم من هذا: أن يضحي الإنسان بنفسه في سبـيل أحبائه". (يوحنا 15-13)

 

نحتفل اليوم بذكرى الشهداء الأبرار الذين بفضل تضحياتهم وشهادتهم ما زلنا ورغم كل الصعاب والمشقات نتمتع بحريتنا كاملة وكراماتنا مصانة وجباهنا شامخة، فهم حبة الحنطة التي ماتت من أجل أن تأتي بثمر كثير، وهم الخميرة التي تُخمر باستمرار همة وعنفوان وضمائر ووجدان وعزائم أهلنا ليُكملوا بإيمان وشجاعة وتقوى وتفانٍ مسيرة الشهادة والجلجلة والصلب والقيامة.

 

لبنان، وطن الأرز، هو أرض القداسة والفداء والرسالة، وهو عرين الشهداء والأحرار وملاذ لكل مُتعب ومضطهد، هكذا كان، وهكذا سوف يبقى حتى اليوم الأخير، وواجب اللبناني الإيماني والوطني والإنساني أن يشهد للحق والحقيقة دون خوف أو رهبة، وأن يرفع عالياً رايات الأخوة والحرية والمحبة والإيمان والعطاء والتسامح.

 

يقول القديس بولس الرسول في رسالته لأهل رومية (08/31 و32): "وبعد هذا كله، فماذا نقول؟ إذا كان الله معنا، فمن يكون علينا؟ الله الذي ما بخل بابنه، بل أسلمه إلى الموت من أجلنا جميعا، كيف لا يهب لنا معه كل شيء؟". نعم إن الله معنا ومع لبنان، ولذلك لن يتمكن الأشرار وجماعات الأبالسة والإرهاب والأصولية والتقوقع بكل تلاوينهم وأسلحتهم من أن يكسروا عنفواننا أو يفرضوا علينا إرادتهم الشيطانية وكفرهم أو نمط حياتهم المتعصب والمتحجر.

 

مقاومتنا الحضارية والإيمانية مستمرة بقوة منذ 7000 سنة ولن تتوقف تحت أي ظرف أو بوجه أية شدة. مقاومتنا فعل إيمان وقداسة لأننا أبناء لبنان وأصحاب قضية وطنية وإنسانية محقة، وحاملي رسالة حضارة وتعايش وانفتاح، ولأننا عقدنا العزيمة على حمل رايات الحرية والسيادة والاستقلال والدفاع عنها حتى الرمق الأخير.

 

"أن نموت في الجهاد أليق بنا من أن نحيا في السقطة والذل. هذا العالم ميدان جهاد وقد أوجب علينا الرب ألا يقف جهادنا حتى النهاية" (إسحاق السرياني)

 

تمر ذكرى الشهداء والمئات من أهلنا لا يزالون معتقلين اعتباطاً في السجون السورية ومحرومين من كافة حقوقهم ومنسيين من قبل الذين بيدهم القرار لبنانيناً واقليمياً ودولياً. إن هؤلاء وأهاليهم الذين يعانون الحرمان القاتل من فلذات أكبادهم هم الشهداء الأحياء الأموات.

 

تمر الذكرى ومعاناة أهلنا اللاجئين في إسرائيل منذ العام 2000 مستمرة وممنوعة عليهم العودة، فيما القتلة وجماعات الإرهاب والمارقين والمرتزقة يسرحون ويمرحون في أرض الجنوب بعد أن حولوها إلى جبهات حرب ومخازن للأسلحة الإيرانية والسورية وبؤراً سرطانية للإرهاب والأصولية.

 

تمر الذكرى والحكم في لبنان محكوم ومهمش فيما دويلة حزب الله تتحكم بالقوة والبلطجة والإرهاب بكل مفاصل الدولة وتُهيمن على قرار وعمل المؤسسات.

 

من أجلي راحة أنفس الشهداء الأبرار نصلي ونعاهدهم على إكمال المسيرة الإيمانية والتحريرية بعزم وفروسية دون كلل أو تعب أو تردد.

 

يا رب، يا أيها القادر على كل شيء نسألك أن ترأف بوطننا الغالي، لبنان، وتنير لأهلنا طريق الخلاص وتنصرهم على الشر والأشرار وتدحرج حجر الإرهاب عن صدورهم.

 

يا رب، نتضرع إليك أن تُعجل في قيامة وطن الأرز من قبر الإرهاب والإرهابيين وتعيد لربوعه السلام والمحبة. هذا الوطن الذي أحببت وقدست يوم زاره وباركه وحيدك برفقة أمه البتول مريم، ويوم مشى على ترابه في تخوم صيدا وصور وأجرى هناك أولى عجائبه الإلهية.

 

يا رب، يكفينا صلباً ودموعاً وآلاماً، يكفينا نحيباً وأنيناً، ويكفي نسوتنا توشحاً بالسواد، فقد سئمنا عض الجرح على مضض، ونحر الذات بلا شكوى.

 

يا رب، طهر ترابنا المقدس من زندقة سياسيين وحكام لصوص كما طهر ابنك الحبيب الهيكل من رجس الكتبة والفريسيين والتجار.

 

يا رب أسكن أرواح الشهداء دنيا الخلود وانعم على ذويهم بالصبر والسلوان.

 

إن دماء الشهداء الأموات ومعاناة الشهداء الأحياء في السجون السورية والمغتربات سوف تتحول لعنة علينا جميعاً إن لم نشهد للحق ونجاهر بالحقيقة ونعمل بصدق وتفانٍ على تحرير وطننا والوقوف بشجاعة في وجه جماعات الإرهاب والمرتزقة والإسخريوتيين، وبإذن الله وطن الأرز بهمة بنيه الأحرار سينطلق من كبوته كطائر الفينيق طال الزمن أو قصر.

 

 

*الكاتب معلق سياسي وناشط لبناني اغترابي
*عنوان الكاتب الألكتروني
phoenicia@hotmail.com

*تورنتو/كندا في 25 أيلول /2010