تيار العقم وشح الكفاءات

بقلم/الياس بجاني*

 

لقد انكشف وبان المستور العوني وسقطت كل أقنعته ومعها وجوه البربارة، ولم يبقَ ولو ورقة توت واحدة تستر ظاهرة مدعي تمثيل المسيحيين كذباً وتسلبطاً التي تلفظ آخر أنفاسها. 

 

لم يعد هناك أدنى شك بأن ظاهرة ميشال عون قد بدأت رحلة الأفول الإنحداري وبسرعة كبيرة جداً. في حين أنه لا يكاد يمر يوم واحدً دون أن يعاكس وينقض الرجل بنفسه وبلسانه بصوت عال وجهور دون خجل أو وجل كل مواقفه وشعاراته ووعوده التي كان حملها وسوق لها ما بين 1998 و2006 ، وتحديداً حتى يوم توقيعه ورقة التفاهم ، "الإستسلام" مع حزب الله بتاريخ  6/2/2006 في كنيسة مار مخايل، حيث تنازل يومها طوعاً عن كل شيء ولم يُبقِِ على أي شيء.

                               

أما جديد الزعيم الأوحد وديغول لبنان كما يلقبه دغدغة وتملقاً ونفخاً النائب عباس الهاشم العضو في كتلته، فهو إعلانه بالفم الملآن حالة القحط والعقم الفكري وشح الكفاءات داخل تياره. فطوال ما يقارب الخمسة أشهر تصدر واجهة تعطيل تشكيل الحكومة نيابة عن محور الشر السوري- الإيراني تحت حجة واهية وكاذبة هي دفاعه عن حقوق المسيحيين وحقه في أن يتمثل طبقاً لعدد نوابه. أقام الدنيا وعلا صراخه ولم يترك أحداً من شره، اتهامات وتحديات وعنتريات مدعياً أن لا أحد يمون عليه وأن قراره حر، فماذا كانت النتيجة بعد انقشاع الضباب الدنكيشوتي وشروق الشمس ومعها الحقيقة؟ جيء له بمن يمثله "بالمونة" الشامية في الحكومة ومن خارج تياره، ونقطة على السطر.

 

لم يتمثل تياره العوني إلا بوزير واحد هو الصهر وسندة الظهر جبران باسيل وفي وزارة عينه فيها الإخوان الشوام، وطبعاً بالمونة كما أفادنا الأستاذ وئام وهاب حيث كشف في حديث إلى محطة "OTV"، أنه "جرى تدخل سوري في تقريب وجهات النظر بين الأفرقاء، وبالتحديد في مسألة وزارة الإتصالات والأستاذ جبران باسيل"، مؤكدًا أن "سوريا تدخلت لتليين مواقف النائب ميشال عون ولتوزير باسيل في الطاقة بدلاً من الاتصالات، ولجهة قبول الجنرال عون بحقائب التكتل الأخرى"، وأضاف وهاب: "ليست صحيحة مقولة أن التيار الوطني الحر ربح معركة تشكيل الحكومة وأن الرئيس الحريري خسرها، وإنما جميع الأطراف ليّنت مواقفها ولم يكن هناك رابح أو خاسر". وعن زيارة الوزير جبران باسيل إلى دمشق عشية موافقة المعارضة على السير في تشكيل الحكومة، أجاب وهّاب: "يقولون أنه ذهب في واجب اجتماعي، لكن ما استطيع أن أؤكده أن الجميع يعرف أن أي مناسبة في سوريا يتم فيها الكلام في السياسة"، مستطردًا "إذا أردتم معرفة ما الذي حصل مع باسيل خلال زيارته دمشق يجب أن تسألوا من كان معه وهو دولة الرئيس إيلي الفرزلي".

 

مسكين عون الزعيم الأوحد، أعانه الله فقد صام خمسة أشهر عجاف وفطر على جبران من أصل الوزراء الخمسة الذين هم حصة تكتله، وفقط جبران. أما الوزيران الآخران اللذان فرضا عليه شامياً، وبالمونة الأخوية فهما القومي السوري بامتياز فادي عبود وزيراً للسياحة وهو الخبير في الصناعة، وشربل نحاس وزيراً للإتصالات وهو الإقتصادي المقرب جداً جداً من الإخوان ومن أجهزتهم الأمنية منذ سنين وكان مكلفاً من قبلهم مع زميله جورج قرم مهمة خردقة وتعطيل كل سياسات الشهيد رفيق الحريري المالية، علماً أن نحاس عمل مستشارا للرئيس لحود لنفس الأهداف، والرجل خلفيته شيوعية ولم يكن في يوم من الأيام لا في تيار عون ولا في أي تيار سيادي آخر. وطبعاً الوزير الأرمني ابراهام دديان هو لحزب الطشناق والوزير الخامس يوسف سعادة هو لتيار المردة.  فماذا بقى لعون غير الصهر؟؟

 

ما هو مثير للعجب والأسى وناحر لمصداقية عون وكاشف لعوراته ومكذب لكل أضاليله هو أن جبران باسيل ليس متخصصاً بالطاقة، ونحاس ليس متخصصاً بالإتصالات وعبود ليس متخصصاً بالسياحة، فأين هي ادعاءاته التي جاءت في رده على أحد الأسئلة يوم الأربعاء خلال المؤتمر الصحفي الذي عقده في الرابية عقب انتهاء اجتماع تكتله الأسبوعي. في أسفل السؤال المحرج والجواب الهروب من الحقيقة:

السؤال: "ألم تجد في "التيار الوطني الحر" متخصصين لتسلم الوزارات التي سلمت إلى أناس من خارج التيار؟"

جواب عون: "لم يرسل أحد سيرته الذاتية والملفات التي تتعلق بالخصخصة والطاقة والاتصالات ومختلف وزارات الدولة. ربما هناك أناس لديهم الكفاءة ليتسلموا وزارات أخرى لكن هذه الوزارات التي أخذناها، وليس هناك من يناسبها. ومن عنده ملف درسه، فليرسل لي سيرته، وأهلا به سواء أكان من التيار أو من أصدقائه. الشعب ينتخب نوابه، ونحن نعين الوزراء على مسؤوليتنا، وهذه مسؤولية شاملة لكل لبنان. لا يمكننا أن نقدم أناسا عندهم كل الإرادة الطيبة وكل الكفاءة من دون الكفاءة التقنية. نريد الوزير أكثر من معبر سياسي عن وزارته، فنحن نعبر من الخارج عن السياسة. في بلد فيه فساد كثير يجب أن يضبط الوزير الإدارة وإلا أداره الموظفون أو سلطة أخرى إذا كان يجهل التقنيات. إن كوادرنا إلى الآن غير مؤهلة للميدان الصناعي، لدينا مجموعة كبيرة من الاختصاصيين في الدولة، وهؤلاء لم نعينهم نحن، ولو تبين أنهم يؤيدوننا فليرسلوا لي سيرهم الذاتية لكني لن أفتش عنهم لأن حولي أناسا عندهم الكفاءات".

 

وفي نفس السياق التضليلي للذات وللآخرين رفض عون التعليق على خسارته منصب نائب رئيس مجلس الوزراء وتولي الوزير الياس المر المنصب، وقال انه "لا يعرف" شعور اللواء عصام ابو جمرا لأنه لم يوزر". وردا على الاعتراضات داخل تياره على آلية اختيار الوزراء، اعتبر أن الوعود التي قطعها للبعض بالتوزير كانت مرتبطة بحقائب معينة، داعياً من يعترض من التيار على الوزراء الحاليين "أن يكشف عن قناعه". غريب، فهل التيار العوني قد أصبح أيضاً تيار الأقنعة إضافة إلى الودائع!!

 

لقد انكشف وبان المستور العوني وسقطت كل أقنعته ومعها وجوه البربارة، ولم يبق ولو ورقة توت واحدة تستر ظاهرة مدعي تمثيل المسيحيين كذباً وتسلبطاً التي تلفظ آخر أنفاسها. 

كلام عون الجلف هذا عن القحط والعقم والشح والأقنعة داخل تياره فيه اهانات كبيرة جداً لكل أصحاب الكفاءات في هذا التيار وهي بالفعل كثيرة، كما أنها تظهر أحاديته الدكتاتورية والعائلية والمزاجية في طريقة تعاطيه مع مؤيديه ومحازبيه.

 

نسأل أهل التيار افراداً وقيادات، هل فعلاً تياركم الذي يفاخر به مؤسسه ورئيسه العماد عون ويدعي أن عديده زاد عن الأربعين ألفاً هو تيار مصاب بالقحط والعقم والشح وليس بين أعضائه شخصين بكفاءة عبود ونحاس اللذين وزرا في وزارتين بعيدتين عن تخصصهما وبالمونة الشامية؟

 

*الكاتب معلق سياسي وناشط لبناني اغترابي

*عنوان الكاتب الألكتروني phoenicia@hotmail.com

*تورنتو/كندا في 15 تشرين الثاني/2009