الحريري سمى الأشياء بأسمائها، فهل يلتزم بما قال؟

بقلم الياس بجاني*

 

لقد سمى الرئيس سعد الحريري الأشياء بأسمائها وقال خلال مقابلته مع الإعلامي وليد عبود عبر تلفزيون المر من مقر إقامته المؤقت في فرنسا كل ما يجب أن يقال بنبرة الواثق من نفسه ومن قضايا العدل والمحكمة الدولية، ومن مبدأ عدم المساومة تحت أي ظرف على حساب العدالة. نعم لقد شخّص الحريري المرض السرطاني الأساس الذي هو سلاح حزب الله المسبب لكل مصائب وكوارث لبنان واللبنانيين وأفاض في توصيف الأعراض وأجاد في جردة وسائل العلاج.

 

لم يناور أو يتردد أو يخجل من وضع النقاط على الحروف بكل ما يتعلق بسلاح حزب الله الإرهابي والغزواتي وبمشروعه الإيراني المدمر لكل ما هو لبناني، إضافة إلى تطرقه إلى السيادة والاستقلال المصادرين جراء إرهاب السلاح والوقاحة والفجور والبلطجة، ووضعية الحكم السوري الدكتاتوري المستمر في قتل شعبه، وغدر الحلفاء من نواب طرابلس والجبل والبقاع، والعزيمة على ضرورة إسقاط حكومة ميقاتي التي هي بالحقيقة حكومة حزب الله وأداة راعييه النظامين السوري والإيراني، وذلك بالطرق السلمية والديموقراطية والحضارية.

 

 بوضوح وجرأة وصراحة وشفافية ودون مواربة أو مساومة أو تقية قارب الرئيس الحريري كل الملفات الشائكة التي يواجهها لبنان وأهله وتعيق استعادة سلطة الدولة وبسط سيطرتها الكاملة والمطلقة على كل تراب الوطن. مبدئياً هذا أمر جيد ومشجع ومحق وكان من المفترض أن يقول الحريري ما قاله ولا يحيد عنه عملياً قيد أنملة منذ اليوم الأول لدخوله المعترك السياسي اللبناني عقب اغتيال والده سنة 2005.

 

 وبما أن قول الشيء لا قيمة له إن لم يستلحق بالأفعال، ولأن الإيمان دون أفعال هو إيمان ميت كالجسد بلا روح، وعلى خلفية الخيبات المتكررة التي أصابتنا من جراء ممارسات ومواقف وهرطقات فريق 14 آذار منذ عام 2005، نسأل بمحبة وبصراحة متناهية، هل سيلتزم الحريري ومعه تجمع 14 آذار بكل المواقف التي أعلنها، وبأفعال الندامة والخطايا والأخطاء التي أقر بها، وجميعها محق، خصوصاً خطيئة تخلي تيار المستقبل عن تبني ترشيح الوطنيين والسياديين بامتياز مصباح الأحدب ومصطفى علوش في طرابلس وخوض الانتخابات الأخيرة بالتحالف مع نجيب ميقاتي ومحمد الصفدي واحمد كرامي الذين غيروا طرابيشهم وقلبوا جاكيتاتهم وانتقلوا على خلفية المصالح الشخصية والانتهازية وقلة الإيمان إلى القاطع السوري الإيراني؟ من القلب نتمنى ذلك!!

 

إلا أن ما خبرناه وعايشناه من مرارة وأسى وإحباط خلال السنوات الست الماضية جراء ممارسات 14 آذار الصبيانية والارتجالية المتقلبة، والتحالفات الهجينة، والمساومات الرخيصة غير المبررة، والارتدادات والتراجعات المستغربة، والزيارات المهينة والمستنكرة، خصوصاً مسلسل زيارات الحريري لدمشق، كل هذا لا يبشر مبدئياً بالخير ويجعلنا حذيرين ومترددين بأخذ مواقف الحريري على محمل من الجد حيث أن وعود ومواقف كثيرة أعلنت ومن ثم وضعت جانباً ولم يتم الالتزام بها حتى وصلنا إلى حكومة خالصة لحزب الله ولدولتي محور الشر سوريا الأسد وإيران الملالي.

 

برأينا المتواضع لتعود 14 آذار إلى وجدان وضمير اللبنانيين وحتى تتمكن من استعادة الاستقلال نرى ضرورة الالتزام العلني والثابت بما يلي:

 

*التوقف عن اجترار كذبة تحرير حزب الله للجنوب سنة ألفين لأنه بالواقع حرر الجنوب من أهله ومن سلطة الدولة اللبنانية ونقله من احتلال إسرائيلي إلى احتلال إيراني.

 

*التوقف عن نعت حزب الله بحزب "المقاومة" لأنه جيش إيراني أصولي ومذهبي وحزب إرهابي ومافياوي بامتياز.

 

*التوقف عن ببغائية وهرطقة انتصار حزب الله في حرب 2006 لأن لبنان الدولة والمواطن هما من خسر على كافة المستويات.

 

*التوقف عن التمييز الجبان بين القتلة الذين ارتكبوا جريمة اغتيال الرئيس الحريري وغيره من أحرار لبنان وصدرت بحقهم مذكرات توقيف دولية، وبين حزب الله وشخص أمينه العام وكل قادة الحزب لأن في القانون وميزان العدل لا فرق في تحمل المسؤولية بين من يتخذ القرار ويخطط ويصدر الفتاوى وبين من ينفذ. الحزب هو المسؤول ونقطة على السطر.

 

*الامتناع عن المشاركة في أي حوار وطني إلا على آلية تجريد حزب الله من سلاحه وتسليمه للجيش اللبناني وتفكيك الدويلة ومحاكمة قادتها وعسكرها على كل ما اقترفوه من أعمال مخالفة للقوانين من مثل غزوتي بيروت والجبل واغتيال سامر حنا وتطول قائمة الإرتكابات.

 

*الالتزام بالقرار الدولي 1559 الذي يطالب بتجريد كافة المليشيات وعلى رأسها حزب الله ولكن من ضمنها المخيمات الفلسطينية أيضا وليس فقط المعسكرات التابعة لسوريا خارج المخيمات.

 

*التوقف فوراً عن التلهي بخدعة الإستراتجية الدفاعية لأن واجب الدفاع عن الوطن مناط بالدولة اللبنانية وبمؤسساتها طبقاً لما ينص عليه الدستور، وبالتالي وجود ميليشيات ودويلات ومربعات أمنية هو أمر مخالف للدستور.

 

*إقفال لبنان الساحة، ساحة كذبتي التحرير والمقاومة، والسعي الجدي دون نفاق وعنتريات ومزايدات فارغة وحروب وانتصارات وهمية للتفاوض مع دولة إسرائيل عن طريق الأمم المتحدة بهدف إنهاء حالة الحرب بين البلدين كما هو حال الأردن ومصر وكل دول الخليج العربي التي قبلت الأردن والمغرب في اتحادها وبالتالي التزمت الأردن المتصالح مع إسرائيل وقبلت تلقائياً اتفاقية سلمه معها. ومن يريد أن يحرر فليحرر من أرضه وبشبابه وليس من لبنان وبشباب لبنان وكفى متاجرة وكذب تحت راية تحرير فلسطين.

 

*إخضاع نواب وقادة 14 آذار لدورة تأهيلية إلزامية يتعلمون من خلالها كيفية التوقف عن مواقف التقية والذمية وخطاب المزايدات الفارغة بكل ما يتعلق بعناوين التحرير والمقاومة والممانعة ودولة إسرائيل وعلتي العداء والكراهية، وثقافة قبول الآخر، والعروبة وانسحاب إسرائيل من الجنوب عام 2000 وحرب 2006 والوحدة العربية.

 

*التقدم بمشرع قرار واضح إلى مجلس النواب يمكن أهلنا الأبطال اللاجئين في إسرائيل رغماً عن أرادتهم من العودة إلى وطنهم دون محاكمات وافتراءات على نضالهم ووطنيتهم.

 

*العمل على إنهاء مأساة أهلنا المغيبين اعتباطاً في السجون السورية النازية.

 

*التعامل مع ملف الاغتراب اللبناني بجدية ومسؤولية وتمكين المغتربين من ممارسات حقوقهم بالكامل وخصوصاً حق الانتخاب والترشح.

 

في الخلاصة، كفى اللبنانيين تجارة مقاومة ودم، ودجل تحرير، وأوهام ممانعة، وكفاهم غنمية السير وراء سياسيين منافقين وقادة نرجسيين ومسؤولين لا يعرفون ألف باء المسؤولية، لقد حان الوقت لاستعادة الوطن من سارقيه وتخليصه من أوبئة وأدران تقوم معظم الشعوب العربية حالياً بتنقية أوطانها منها.

 

الكاتب معلق سياسي وناشط لبناني اغترابي

*تورنتو/ كندا في 15 تموز/2011

*عنوان الكاتب البريدي

phoenicia@hotmail.com