لا رأي ورأي معاكساً في ما يخص الكيان والشرائع والقانون

الياس بجاني*

 

وصلت إليّ اليوم على بريدي الألكتروني رسالة عنوانها: "الرد المزلزل قادم"، تقول: "أنا أحترم رأيك وأتمنى أن تحترم بدورك رأيي، أنا أعتقد أن تهجمك على حزب الله بهذا الشكل الشرس ليس إلا حقداً على هذا الحزب بسبب ما ألحقه بجيش لبنان الجنوبي من خزي وعار بعدما طرد العدو الإسرائيلي من الجنوب".

الرسالة هذه هي تعليق على مقالتي الأخيرة حول ممارسات حزب الله الإرهابية، والتي كان أخرها اغتيال الطيار في الجيش اللبناني سامر حنا.

 

أخي، عندما تتعلق الأمور بالقانون وشرعة حقوق الإنسان والدستور وكرامة الإنسان وحق الوجود والمصير والأمن والسلم الأهلي ولقمة العيش فإنه لا وجود لرأي ورأي معاكس، بل لحق وباطل، ولصح وغلط، ولواقع وخيال، ولمنطق ولا منطق، ولعدل وظلم، ولإستقرار وفوضى، ولإنفتاح على العالم الحر، ولإنغلاق عليه ومعادته.

 

أما حزب الله الذي تقول إنني أهاجمه على خلفية الحقد، فهو بالواقع اللبناني المعاش والمنظور جيش إيران الملالي في وطن الأرز طبقاً لكل المعايير، وقياساً على هذا الواقع المحزن والسرطاني فهو نقيض فاضح ونافر لكل ما هو لبناني وحقوقي، على كل المستويات، وفي كافة المجالات.

 

حزب الله المعسكر مذهبياً وجهادياً وكربلائياً على ركائز الحقد والانتقام وإلغاء الآخر وفرض الفكر والمعتقد الواحد تحت رايات "التحرير" وأهداف إقامة دولة ولاية الفقيه في لبنان، هو نقيض فاضح للكيان اللبناني بكل مكوناته وتلاوينه المجتمعية والقانونية والتعايشية والتاريخية والسلمية.

 

حزب الله هو وباء سرطاني يتمدد ويتوسع في الجسم اللبناني ناخراً عظامه، ولاغياً بقوة السلاح والإرهاب "والفتاوى" كل ما هو حريات وآمن وسيادة وثقافة وحضارة وتمدن.

 

حزب الله الذي أقامت له إيران دولة داخل الدولة اللبنانية خلال حقبة الاحتلال السورية الستالينية لوطننا الحبيب يخالف كل الشرائع الإنسانية والسلمية عن طريق ممارساته الإرهابية والشمولية وفي كل أساليب فرضه لأهدافه الإيرانية الممذهبة.

 

إن أخطر ما في مشروع حزب الله أنه يزرع بزور الشقاق والفرقة والنفور في مكونات المجتمع اللبناني المسالم والمتعدد الإثنيات والحضارات والأديان، وذلك عن طريق عسكرة أبناء ملته وعزلهم ثقافياً ومذهبياً وجعلهم وقوداً وأدوات للمخطط الإيراني التوسعي

 

من هنا فإن المسألة ليست رأياً، ورأياً مخالفاً، لا، بل حقائق واضحة ونافرة نتعاطى معها بكل شفافية وجرأة بعيداً عن التملق والإرتهان، ودون الوقوع في أفخاخ الذمية والتقية.

 

أما بما يخص جيش لبنان الجنوبي، فان كل أفراده، ودون استثناء أحد منهم هم وطنيون بامتياز. إنهم أبطال بكل ما في الكلمة من معنى. فهؤلاء حاربوا بشجاعة متناهية ودون "أموال حلال" كل أشكال الإرهاب، وكان أخرها إرهاب إيران المتمثل بحزب الله.

 

أفراد جيش لبنان الجنوبي كانوا من كل المذاهب اللبنانية وقد دافعوا عن أرض أبائهم وأجدادهم بإيمان وفروسية وهم رفضوا بإباء وكبرياء أن تتحول أرضهم لأوطان بديلة إيرانية وفلسطينية وأصولية، ولم يعتدوا على احد.   

 

لا يا صديقي، جيش لبنان الجنوبي لم ينكسر ولم يقهر عسكرياً، وحزب الله لم يتمكن من هزمه ولو في واقعة واحدة. أما خسائر حزب الله البشرية الكبيرة التي تكبدها في الهجوم الذي شنه على الشريط الحدودي في شهر أيار (على جسر الحمرا)  قبل انسحاب إسرائيل من الجنوب سنة 2000  بأيام قليلة في محاولة إعلامية لتصوير نفسه بالبطل المنتصر والمحرر، فهي خير إثبات لنقض "كذبة ووهم" الانتصار والتحرير الذي سوق لهما حزب الله باطلاً، ولا يزال.

الكل في الجنوب يعلم أن العشرات من جثث مقاتلي حزب الله بقيت على ذلك الجسر حتى يوم الثلاثاء 21 أيار، يوم خروج الجنوبيين.

 

أن القاصي والداني في لبنان وخارجه، "من غير السابحين في أوهام الإنتصارات الإلهية والغارقين في نعم وخيرات المال الحلال" يدرك تماماً أن إسرائيل تعاونت مع حزب الله سنة 2000 وتخلت عن تحالفها مع الجنوبي وانسحبت من الجنوب بشروط ثلاثة هي: تفكيك جيش لبنان الجنوبي، تجريده من سلاحه، وإغلاق كل بوابات العبور الحدودية التي كانت قائمة بينها وبين لبنان.

 

أما تعهدات حزب الله لإسرائيل فكانت كثيرة، منها عدم القيام بمجازر بحق أبناء الشريط، وحراسة الحدود، ومنع الفلسطينيين المتطرفين والإسلاميين الأصوليين والعروبيين من تجار ومتعهدي المقاومة والتحرير من القيام بأية عمليات ضد الدولة العبرية، ومنع الدولة اللبنانية من نشر جيشها في الجنوب: وتطول القائمة!!

 

يبقى أنه في النهاية لا يصح إلا الصحيح، والنصر بإذن الله لن يكون إلا للحق مهما طال الزمن.

ونختم بقول الإمام علي: "خيرُ المقال ما صدقَتْه الفِعال"

 

*الأمين العام للمنسقية العامة للمؤسسات اللبنانية الكندية

تورنتو/كندا في 5 أيلول 2008

عنوان الكاتب الألكتروني phoenicia@hotmail.com