مقتل الشابة ميريام الأشقر والمسؤولية

بقلم/الياس بجاني

 

شقيق الضحية ميريام الأشقر، أنطوان، عقب الصلاة على نفسها في بكركي يوم الأحد 27 ت2/11: "ميريام قديستنا وشفيعتنا كانت ذاهبة لتتلاقى بالرب كما فعلنا الآن في هذا القداس، والرب اختار ان يبقيها عنده شهيدة وقديسة في السماء". "قبل أن نبدأ أحب أن أتشارك معكم صلاة من إنجيل ميريام الملطخ بالدم وهي من مزمور 18 كانت تصليه قبل أن يهاجمها المجرم: "حبائل الموت اكتنفتني وباغتتني سيول الهلاك وإشراك الموت نصبت قدامي، في ضيقي دعوت الرب والى الهي صرخت، فسمع من هيكله صوتي وبلغ صراخي أذنيه. أرسل من عليائه فأخذني، أخرجني إلى الأمان، فخلصني لأنه رضي عني".

 

طبياً إن الشفقة Sympathy)) إحساس عابر وآني لا يساعد ولا يجدي، في حين أنه لا يمكن لأحد أن يتحسس ويتفاعل مع عمق وتأثير الكارثة الكبيرة التي منيت بها عائلة الضحية الشابة ميريام الأشقر في ساحل علما الكسرواني إلا إذا وضع الإنسان نفسه عقلياً وعاطفياً مكان أفراد العائلة المفجوعة وعاش المأساة تقمصاً ووجداناً كما يعيشونها هم بكل آلامها وأوجاعها ومعاناتها وصدمتها والشعور بعدم وجود أمن حتى داخل الأديرة (التقمص العاطفي  ((Empathy، وهذا أمر علاجي معمول به في حقل الطب النفسي.

 

مقتل الشابة ميريام هو كارثة بكل ما للكلمة من معنى مما يستوجب على المسؤولين الروحيين والسياسيين الذين يتحملون كامل المسؤولية تماماً كالقاتل المجرم مواجهة المشكل بإيمان وضمير وتجرد وشفافية والعمل الجدي والفاعل على عدم تكرار حدوث هكذا جرائم بإزالة المسببات والظروف التي كانت وراء مقتل ميريام ، كما أن العدل يقضي بأن يعاقب بشدة كل من تسبب بوقع هذه الجريمة كائن من كان دون مسايرة لمقامات أو "لفلفة" لحقائق أو تلطي وراء مواقع.

 

بداية ومن منطلق إيماني مسيحي بحت ميريام لم تمت، بل انتقلت من الموت إلى الحياة وروحها الطاهرة هي في حالة رقاد بانتظار عودة المسيح يوم الحساب الأخير، ومن قتل جسدها لم يتمكن من قتل

روحها الطاهرة. "وأقول لكم، يا أحبائي: لا تخافوا الذين يقتلون الجسد، ثم لا يقدرون أن يفعلوا شيئا، ولكني أدلكم على من يجب أن تخافوه: خافوا الذي له القدرة بعد القتل على أن يلقي في جهنم. أقول لكم: نعم، هذا خافوه" (لوقا 12/04 و05).

 

حملت ميريام إنجيلها ومسبحتها وقصدت الدير المحاذي لمنزل ذويها لتصلي كما تعودت منذ سنين إلا أن يد الإجرام الغادرة والإبليسية والمخابراتية البعثية كانت بانتظارها فأردتها بوحشية وقلب متحجر ووجدان عفن. الجريمة لم تُرتكب على طريق أو في مقهى أو بار أو في أي مكان تقع فيه عادة الجرائم، بل وقعت في دير وهنا الكارثة الكبيرة لأن القاتل وهو ضابط مخابرات سوري كان يعمل حارساً في هذا الدير بأجر شهري مقداره 600 دولاراً أميركياً.

 

نعم القاتل ضابط مخابرات سوري كُلف حراسة دير ماروني في كسروان لا يبعد عن مقر البطريركية المارونية في بكركي سوى مئات الأمتار فقط. أمر لا يصدق ولا يمكن تصوره ويطرح مع الغضب والاستنكار والأسى والقرف عشرات الأسئلة المحقة التي لا بد وأن الأجوبة عليها تدين بشدة الراهب المسؤول عن الدير الذي وظف هذا المجرم ليكون عيناً مخابرتية سورية تراقب مقر البطريرك الماروني وطبعاً ليجعل من الدير نفسه وكراً مخابرتياً ومرتعاً للجريمة.

 

أيعقل أن الراهب المسؤول عن الدير لم يجد مواطناً مارونياً لبنانياً بإمكانه القيام بهذه الوظيفة ليعطيها لضابط مخابرات سوري؟

 لا، لا، هذا أمر مريب وفي منتهى السخف والإجرام والغباء والتخلي لأن الآلاف من شباب الموارنة تحديداً واللبنانيين عموماً هم عاطلون عن العمل ويقفون في "الطوابير" على أبواب السفارات الأجنبية بقصد الهجرة لتأمين عمل شريف ولقمة عيش كريمة.

 

أي إيمان هذا، وأي ضمير ذاك، الذي يسمح ويجيز لمن نذر العفة والطاعة والفقر وقبل الدعوة الكهنوتية أن يقترف هذا العمل المشين والمستنكر وغير المبرر تحت أي حجة وطبقاً لأي منطق؟

بصوت عال نقول للمسؤولين عن الدير وللرهبنة التابع لها انتم من يتحمل المسؤولية الأولى، ولولا إهمالكم وجحودكم والكفر لما كانت وقعت الجريمة، وبالتالي يجب أن يحاكم المسؤول عن توظيف المجرم وطرده من الرهبنة.

 

إن من وظف هذا المسؤول المخابراتي البعثي في الدير هو شريكه في ارتكاب الجريمة، كما أن كل المسؤولين الروحيين المعنيين الذين عرفوا بالأمر هذا ولم يصححوا الخطأ هم أيضاً شركاء ويجب محاكمتهم، ونقطة على السطر.

 

بإختصار المطلوب عدم توظيف أي غريب ليس فقط في أديرة لبنان، وإنما أيضاً في أي موقع لبناني والبدأ فوراً باستيعاب الشباب اللبناني في كل الوظائف ولدى لبنان ليس فقط الأعداد اللازمة والكافية، بل أيضاً الكفاءات، وذلك تماماً كما تتصرف كل دول العالم التي تحترم مواطنيها والقوانين وكرامة الإنسان.

 

قضائياً يفرض القانون اللبناني أن يُحاكم المجرم في لبنان، وفي حال تم ترحيله إلى سوريا تحت أي حجة ليحاكم هناك كما أشيع فإن الأمر هذا يعني ببساطة أن ميريام ستقتل مرة ثانية ولكن هذه المرة على يد الدولة اللبنانية.

 

نطلب لنفس ميريام الراحة الأبدية في جنة الخلد إلى جوار البررة والقديسين ولذويها ورفاقها ومحبيها نعمتي الصبر والسلون.

 

*الكاتب معلق سياسي وناشط لبناني اغترابي

*عنوان الكاتب الالكتروني

phoenicia@hotmail.com

*تورنتو/كندا في 30 تشرين الثاني/11