النص الحرفي لوثيقة 14 آذار: "انتفاضة الاستقلال 2005" الى "انتفاضة السلام 2012

14 آذار/2012

أطلقت قوى 14 آذار وثيقتها السياسية، فأكدت أن سلام لبنان الداخلي يكون لجميع اللبنانيين أو لا يكون، داعية اللبنانيين الى التشارك في التحضير لـ"انتفاضة سلام" تخرجنا من مآسي الماضي وتؤسس لمستقبل أفضل لنا جميعاً. وتلا النائب بطرس حرب الوثيقة، خلال احتفال أقيم تحت شعار: "2005 شعب واحد.. 2012 دولة واحدة"، في مجع البيال وسط بيروت بمناسبة الذكرى السابعة لانطلاق انتفاضة الإستقلال. وجاء فيها:

أيها اللبنانيون ،

أيها الحضور الكرام ،

 أخطار جسيمة تداهمنا وتحدق بنا اليوم!

 خطر وضع لبنان في مواجهة النهوض العربي التاريخي الذي بدأ يرتسم مع التحولات الكبرى التي يطلقها الربيع العربي.

 وخطر تلاشي الدولة جراء الهيمنة على قرارها من قبل أطراف سياسية لم تستمد قوتها من صناديق الاقتراع وارادة اكثرية اللبنانيين، بل من سطوة السلاح الخارج عن الشرعية الوطنية والموجه الى صدور اللبنانيين، وتستند ايضا الى منظومة وصاية استبدادية هي في طور التداعي وعلى طريق الزوال.

 وخطر التراجع الاقتصادي والمالي وسوء الاداء وتراكم المشكلات وتداعيات ذلك على الاستقرار ومستويات عيش اللبنانيين.

وخطر تحويل الانقسام السياسي بين اللبنانيين الى انقسام من طبيعة أخلاقية بين من يدعم الجلاد ضد الضحية وبين من يتضامن مع المظلوم ضد الظالم.

في مواجهة هذه الأخطار الداهمة، يجب ان يتركز الجهد على اعادة بناء وتدعيم ركائز الدولة الواحدة الجامعة والحامية والضامنة لكل اللبنانيين عبر التسليم بضرورة وضع كل الامكانيات بتصرفها.

 فنحن اليوم أمام قرار مصيري:

إمّا انتظار ما يحدث حولنا وتلقي نتائجه ومحاولة التكيف معها واما المبادرة من اجل تحصين الارضية الصلبة التي تسمح للبنان بالاستفادة من النهوض العربي لتدعيم تجربة عيشه الواحد ونظامه الديمقراطي واخراجه من دوامة الحروب الساخنة والباردة وبناء سلامه الداخلي.

 هذا السلام الوطني ممكن!

فللمرة الأولى منذ عقود طوال، ها إنَّ لبنان أمام فرصة حقيقية لكسر القيد الذي كبّل حياته الوطنية، وحرمه حقّه في الاستقرار ومواكبة التطوّر. فالمحيط العربي يخرج من أسر الاستبداد إلى فضاء الحرية والديمقراطية واحترام حقوق الانسان ليصنع نهضته الجديدة. فيما النظامُ السوريُّ الذي عمل كلّ ما في وسعه منذ سبعينيات القرن الماضي لوضع يده على لبنان، يواجه اليوم حركةَ احتجاجٍ شعبيةً عارمة، غيرَ مسبوقة في تاريخ سوريا الحديث، حركة نابعة من آلام الناس ومن آمالهم في الحرية والكرامة، حركة تشكّل معلَماً بارزاً من معالم "ربيع العرب".

 فالسلام الداخلي هو شرط لبقائنا أحراراً متساوين ومتنوعين، وشرط لإعادة وصل ما قطعته سنوات الحرب وسنوات الوصاية فيما بيننا، وشرط لحماية بلدنا من تداعيات سقوط النظام في سوريا.

 والسلام هو شرط لبناء دولة تليق بنا ونعتز بها، تنتمي الى العصر لا يحكمها الخوف والعجز، تستطيع أن ترتكز على قدرات اللبنانيين وتنطلق بهم نحو المستقبل ، دولة متسلحة بالحق والسيادة وبقرارات الشرعية الدولية في مواجهة العدو الاسرائيلي (لا سيما القرار 1701) بما يؤمن دوراً فاعلاً للبنان في الجهود المبذولة لبناء عالم عربي جديد، ديموقراطي وتعددي على أساس المواطنة واحترام حقوق الانسان في إطار دول مدنية محررة من سيطرة التعصب والطائفية والمذهبية والعائلية ومن سطوة المحسوبيات والقيود العقائدية والأمنية، عالم عربي يشبهنا ونشبهه، تحكمه قيم الاعتدال والتواصل والتداول السلمي للسلطة.

 والسلام هو شرط لإقامة وئام حقيقي وثابت بين لبنان اليوم وسوريا الغد، بعد نصف قرن من التوترات المتواصلة، وشرط لتجديد الدور الذي لعبه لبنان في نهضة المشرق العربي، خاصة لجهة تحديد "طريق عربية" نحو الحداثة والديموقراطية.

 لهذا السلام الذي ندعو إليه ركيزتان:

 ركيزة أولى من طبيعة أخلاقية وهي أن لا نكرر أخطاء الماضي بالاستقواء بقوى اقليمية او دولية وأن لا نقع في فخ المطابقة بين طائفة وحزب يدّعي تمثيلها والنُطقَ باسمها، فلا نحمّل الطائفة باسرها وزرَ الأخطاء الجسيمة التي يقع فيها هذا الحزب أو ذاك. ولهذه الغاية علينا العمل على "تنقية الذاكرة" من خلال مراجعة شجاعة ونزيهة لتجربة الحرب، والتمسك بالعدالة.

ولهذا السلام ركيزة ثانية من طبيعة سياسية وهو أن نعيد بناء حياتنا المشتركة بشروط الدولة الجامعة، لا بشروط طائفة أو حزب سياسي أو ميليشيا مسلحة أو وصاية خارجية.

ولهذه الغاية علينا:

 أولاً أن نعيد الاعتبار إلى الدولة، بوصفها صاحبة الحقّ الحصري في امتلاك القوة المسلحة واستخدامها، وأن نضع حداً لهذا التمييز المهين بين اللبنانيين، بين من هم خاضعون للقانون وبين من هم فوق القانون والمحاسبة.

 ثانياً أن نحرّر الدولة من الارتهان لشروط القوى التي تتحصن داخل بيئاتها الطائفية بهدف الاستقواء على الدولة وابقائها دولةً محاصرةً وعاجزةً عن القيام بواجباتها الأساسية، وأن نعمل على إعادة بناء دولة تحترم حقوق الانسان الفرد كمواطن بغض النظر عن جنسه أو انتمائه أومولده أومعتقده في مواجهة اكراهات طائفية ومذهبية، دولة مدنية ديموقراطية حديثة تضمن مساواة المواطنين في الحقوق والواجبات كما تضمن احترام التنوع الطائفي، على قاعدة التوفيق بين المواطنية والتعددية.

 وعلينا ثالثاً أن نعيد الاعتبار الى القيم السياسة الاصيلة ، وأن نشجع على نشوء بيئات وتجمعات عابرة للطوائف توفر شروط التلاقي على ثوابت وطنية مشتركة، وتعيد الأولوية للمشترك السياسي-الوطني على أي عامل آخر، وتُثَبِّتَ المساواةَ التامةَ والفعليةَ بين المسيحيين والمسلمين، لكي نستطيعَ وضع ما التزمنا به في اتفاق الطائف موضع التطبيق ، ولا سيما لجهة المناصفة بين المسيحيين والمسلمين، وصياغة قانون حديث للأحزاب يساهم في تعزيز الحياة الديمقراطية، وقانون عصري للانتخابات يفسح في المجال أمام تجديد النخب السياسية لا اقفال الابواب بوجهها، إضافة إلى الشروع في تطبيق ما لم يطبق من اتفاق الطائف بدءا من اقرار اللامركزية الادارية، وتأمين استقلالية السلطة القضائية، واصلاح الادارة واعادة الاعتبار الى الكفاءة في الإدارة وفي الحياة العامة بعيداً عن منطق الولاءات والانتماءات، وتفعيل المجلس الاقتصادي- الاجتماعي، والعمل على إعداد وتنفيذ رؤية تنموية جدية متوازنة وحقيقية لكل المناطق اللبنانية.

 عام 2005 اطلقنا، مع "انتفاضة الاستقلال"، شرارة معركة الحرية والكرامة في العالم العربي، تلك الشرارة التي قادتنا إلى ما نشهده في هذه الأيام من ربيع أعاد العالم العربي الى خارطة العالم. واليوم نرى أن علينا أن نكمل ما بدأناه وأن نخوض معركة إقامة دولتنا المدنية وجمهوريتنا التي تحترم المواطن الفرد المحرر من وصاية القوة وعقيدة الاستقواء بالسلاح،المواطن الذي يحتكم الى القانون والمؤسسات. وعلينا بالتالي خوض معركة السلام الداخلي كي لا يصبح لبنان على هامش التاريخ الذي يُكتبُ اليوم.

 خيار السلام الوطني ليس خياراً حزبياً أو فئوياً يُعْنى به فريقٌ دون آخر. فسلام لبنان الداخلي يكون لجميع اللبنانيين... أو لا يكون، وبجميع اللبنانيين... أو لا يكون!

 من هذا المنطلق، ندعو جميع اللبنانيين، من دون تمييز، الى التشارك في التحضير لـ"انتفاضة سلام" تخرجنا من مآسي الماضي وتؤسس لمستقبل أفضل لنا جميعاً.

 أيُها اللبنانيون،

ايُها الحضور الكريم،

رغم المصاعب والأخطاء الكثيرة التي اكتنفت مسيرتَنا في المرحلة الماضية، ورغم التحديات الماثلة أمامنا في مقبل الأيام، فإن ما أنجزه الشعب اللبناني بانتفاضة الاستقلال وربيع بيروت 2005 يبقى المنطلق والدليل في مسيرتنا. وعليه ، فإن قوى 14 آذار مجتمعةً ترى في المبادىء والمنطلقات الواردة في هذه الوثيقة مرجعيةً أساسيةً لعملها ومبادراتها في المرحلة المقبلة، على طريق سلام لبنان.

 عاشت ثورة الارز ،

عاشت ثورات الربيع العربي ،

عاش لبنان .