تعليقاً على ما سُمِّيَ المؤتمر المسيحي المشرقي

بقلم/سليم العازار 

الأربعاء 13 تشرين الثاني 2013/موقع مون ليبون

تلقّيتُ من نحو ثلاثة أسابيع دعوة شخصية متوّجة جُزافاً بعلامة السمكة، صادرة عن اللقاء المسيحي لحضور المؤتمر المسيحي الذي سينعقد يوم الأحد 3/11/2013 في سن الفيل والذي تشارك فيه شخصيات مسيحيّة لبنانية وعربية ويتخلَّله إعلان وثيقة مسيحيّة مشرقيّة شاملة، وفيما بعد ظهر لي أيضاً على شاشات التلفزة أن السفير السوري كان متصدِّراً الاجتماع.

وإذ استفسرتُ عمّن هم القيّمون على هذا المؤتمر وتبيّن لي أن منهم من تربطني به معرفة بل صداقة شخصية وأستطيع تبعاً أن أتحاور معه هاتفياً بصراحة كليّة ودون مواربة، اعتذرتُ له فوراً عن حضور مثل هذا المؤتمر، ما لم يكن مقتصراً على المسيحيين اللبنانيين وحسب، وبيّنتُ له بصراحة الأسباب التي تدفعني لأخذ قراري المشار إليه الذي اعتقدتُ أن بإمكاني أن أُقنع من أُحاوِرَهُ بوقوعه في محلّه، لأنه كان فيما مضى رئيساً لحزب سياسي مسيحي عريق، وإن لفترة وجيزة، وكان مناضلاً على مدى سنوات وسنوات قبل أن يتغيّر ويصبح على ما هو عليه الآن، إلاّ أن ظنّي قد خاب كلياً، فقلتُ له عندئذٍ ما يلي:

إن كل المسيحيين في الدول العربية – باستثناء لبنان وحده حتى الآن، وفي أماكن معيّنة منه فقط – هم ذميّون من زمان قديم وتربطني بالبعض منهم قرابة أو نسابة وأعرف جيداً ماذا يقولون لي، وقد بقوا ذمّيين حتى بعد نجاح الإنقلابات المسمَّاة" تحرّرية أو بعثية"، وسوف يبقون أيضاً ذميّين حتّى بعد زوال تلك الإنقلابات وحلول محلها إنقلابات معاكسة تدّعي بدورها أنها تحرّرية وديمقراطية، وذلك لأن الديمقراطية الصحيحة لا تتحقّق بمجرّد حصول إنقلاب ولا يمكن تطبيقها حقاً وفعلاً، إلاّ عند الشعوب الراقية والمتحضّرة في سوادها الأعظم التي تعي جيّداً معنى الحرية المسؤولة، والشرق عموماً ما زال يَلزمه عقود وعقود لبلوغ هذه المرحلة، وأمّا لبنان، وبسبب وجود بعض المسيحييّن الأحرار فيه، فانه يتمتّع بنوع من الديمقراطية فقط، وإن كان هذا لا يكفي طبعاً.

 وعليه، ليس بمقدور مسيحيّي لبنان المنقسمين على بعضهم البعض والذين ربّما أصبحوا اليوم بحاجة لمن يدعمهم، أن يدعموا المسيحيين العرب، وإن فعلوا ناءوا بحملهم، كما أنه ليس بمقدور المسيحيين المتواجدين في الدول العربية الأخرى، وكلّهم ذميّون كما سبق قوله، أن يدعموا المسيحيين اللبنانيين، وكل ما بوسع هؤلاء أن يفعلوه للمسيحيين العرب هو أن يقدّموا لهم النصح كي يصفّوا، إذا شاءوا، ما يملكونه في تلك الدول وأن يأتوا بصحبته إلى لبنان الذي سوف يرحّب بهم طبعاً ويمنحهم الجنسيّة اللبنانية – فرداً فرداً، وليس كجماعة تقدَّر بمئتي الف كما حصل سنة 1994 – وقد تضاعف الآن عددهم مع الزمن، وغالبيتهم من الفلسطينيين أو من العرب غير المقيمين في لبنان، وقد صار تجنيسهم بمرسوم جمهوري بشحطة قلم، وليس بموجب قانون صادر عن مجلس النواب، وتوزيعهم على المناطق اللبنانية وقيدهم فيها، فيأتي بهم إلى لبنان من كان له اليد البيضاء بتجنيسهم ليستفيد من أصواتهم في الانتخابات النيابية فقط.

 وأستسمح القارئ إذا ما أخبرته في هذه المناسبة واقعة لا يعرفها إلاّ قِلّة قليلة من اللبنانيين، وهي أن فارس بك الخوري اللبناني الأصل، وهو شقيق جَدّ الأستاذ راجح الخوري الصحافي المعروف والكاتب السياسي الجريء والدقيق في كتاباته، أن فارس بك قد عمل في سوريا واكتسب جنسيتها وخدمها بإخلاص كما لم يفعله أحد مثله، وكان من الوطنيين السوريين الذين ناؤوا الاستعمار  الفرنسي في زمن الانتداب، فنفاه الفرنسيون إلى أميون مع بعض أمثاله، وكان عالماً علاّمة ودرّس القانون في جامعة دمشق وانتُخِبَ نائباً ورئيساً لمجلس النواب مراراً في سوريا، وعُيِّن مرة رئيساً للحكومة، فاصطدم مع أحد النواب في المجلس، ويدعى الشيخ تاج الدين، فهاجمه هذا الأخير صارخاً بوجهه: اسكتْ ايها الكافر، لأول مرة يصل كافر إلى رئاسة الحكومة في سوريا، وانتهى فارس الخوري ممثلاً دائماً لسوريا في الأمم المتحدة وكان يردِّد: من أراد العيش في هذا الشرق التعيس عليه ان يُسلِم!

 أما المسيحي الآخر الشهير أيضاً، الذي آمن بالقومية العربية وله فضل كبير عليها، وأعني الأستاذ ميشال عفلق، خرّيج جامعة السوربون في فرنسا، ولكنه السوري المنشأ والولادة، الفيلسوف والعالم السوسيولوجي، مؤسس حزب البعث العربي الإشتراكي، المُعَدّ للانتشار في كل الأقطار العربية من الخليج الثائر حتى المحيط الهادر، تحت شعار وحدة حريّة إشتراكية، والذي كان يقول إنِّ أعظم ما أنتجتهُ العبقريّة العربية هو الاسلام، والذي انسجاماً مع نفسه، اعتنق الدين الاسلامي، إن ميشال عفلق اختلف فيما بعد مع زملائه البعثيين السوريين، وعلى رأسهم حافظ الأسد، إبن سليمان الأسد الذي سبق له سنة 1936، مع كثيرين آخرين من زعماء العشائر العلوية، أن وقّعوا عريضة موجّهة إلى السيّد ليون بلوم، رئيس حكومة فرنسا اليهودي آنذاك، يعلنون فيها عن رغبتهم بالانفصال عن سوريا.

 وإثر ذاك الخلاف اضطرّ ميشال عفلق إلى هجر سوريا واللجوء إلى رئيس حزب البعث العربي العراقي صدّام حسين الذي استضافه كرهاً بالبعث السوري وخصَّص له معاشاً ليقتات به دون ان يُشركه في السلطة إلى أن مات نسياً منسياً. صدّقوني يا سادة، إن لبنان كلَّه مهدّد بالزوال جدّياً، ولم يعد الترقيع فيه كافياً ولا شافياً، ولا تُبنى الأوطان على الغشّ والخداع، ولا على التملُّق وتبييض الوجه، بل على الحقائق التاريخية والواقع السوسيولوجي الحيّ والصحيح، ومن يُخفي علّته، تقتله، وإمّا أن ترضى صدقاً وفعلاً كل الفئات اللبنانية المتناحرة طائفياً في الواقع وفي العمق بالحكم الديمقراطي المدني والعلماني، وإما أن يُقسّم لبنان .

 * سليم العازار عضو المجلس الدستوري سابقاً