العماد
عون: موازين
الربح
والخسارة
بقلم/الكولونيل
شربل بركات
رب
قائل أن
السياسة هي فن
المعقول أو
بالأحرى فن
الممكن، ولكن
أين تصبح
المبادئ إذا
ما أخذنا بهذا
القول وهل على
السياسيين
إذاً ألا يرتبطوا
بالمبادئ
أبدا؟.
العماد
عون كان، يوم
تسلّم
الوزارة
الانتقالية
في 1988 عند
انتهاء ولاية
الرئيس
الجميل، يعتبر
صاحب مبادئ من
الدرجة
الأولى، أو
هكذا تصوّره
الشارع
المسيحي
المنهك من
تقاتل قياديي القوات
اللبنانية
الذين أرهقوا
سكان المنطقة
بين انتفاضة
وأخرى، كانت
الأولى لمنع
تذويب
القوات،
عمليا، قبل
غيرها من
المليشيات، والأخيرة
لمنع تسليم
المنطقة إلى
الاحتلال السوري
في ما سمي
بالاتفاق
الثلاثي. ومن
هنا، وعندما
تدخل الجيش
بين الفريقين
بقيادة العماد
عون، نال
بسرعة ثقة
المسيحيين
كعنصر توازن
يمنع التشرذم
ويحافظ على
الاستقرار.
ولكن
العماد عون،
وفور تسلّمه
رئاسة الوزارة
الانتقالية،
عمد إلى
التصرّف
بتفرّد وكأنه
الآمر الناهي
والحاكم
المطلق، وكأن
الدنيا بألف
خير ولا تنتظر
سوى القرار
الصائب
والأمر بالتنفيذ.
وهكذا حرّك
الأرض
بقرارات
سريعة فكسب الولاء
من جهة،
ولكنه، وبنفس
السرعة، نال
العداوة من
الجهة
الأخرى، وبدل
الانفتاح
والتعاون المرتجى
مع الجانب
الآخر من
اللبنانيين،
واجه الانغلاق
والتعنت،
فكان رده، إذ
علم أن السوريين
وراء هذا
الانغلاق، أن
أعلن حرب
التحرير،
فأسقط مفعول
القرار
الدولي 436 الذي
كان صدر بعد
حرب المئة يوم
في 1978 وساهم
بحماية
المنطقة الشرقية
من الوقوع تحت
الاحتلال
السوري، ما
أدى إلى اتفاق
"الطائف"
الذي كرّس
الوصاية
السورية
"المؤقتة-
الدائمة"
(وهنا كان لانتهاء
الحرب
العراقية
الإيرانية
وما سيليها من
تطورات في
المنطقة دور
مهم) ثم،
وتبريرا لهذا
الفشل على
الصعيد
الديبلوماسي
الذي دعمته
الولايات
المتحدة
والعربية
السعودية، صب العماد
جام غضبه على
القوات،
فكانت حرب
الإلغاء التي
قسّمت
المنطقة
الشرقية
نفسها ومن ثم
وضعتها
بكاملها تحت
الاحتلال
السوري في
نهاية 1989. ولكن
العماد عون لم
يتنازل،
بالرغم من
الخسارة، ولم
يقبل بعروض
السوريين،
رغم اضطراره لقبول
المنفى، وهنا
ثبّت القول
بأنه رجل مبادئ؛
فهو لم يفاوض
المحتل
بالرغم من
الخسارة، ولم
يتنازل عن
السيادة حتى
مع قصف
الطيران والإجماع
الإقليمي
والدولي عليه.
صحيح
أن العماد عون
شكّل طيلة خمس
عشرة سنة مثالا
في النضال من
أجل حرية
واستقلال
لبنان، خاصة
بعدما تبيّنت
نية الاحتلال
بسجن الدكتور
سمير جعجع وحل
حزب القوات
اللبنانية،
ثم البدء بتقليص
حرية الحركة
بين
السياسيين
الآخرين وتسلسل
فرض الرأي في
كل مجال،
واستعمال
التعددية في
السلطات لجعل
الدولة تسير
بدون رأس
وبالتالي
بدون قرار إلا
قرار "الباب
العالي"، ومنع
لبنان من
إنشاء علاقات
دولية، ثم
بخرق الدستور
وفرض التعديل
تلو الآخر
للتمديد لهذا
الرئيس أو
ذاك. وصحيح
بأنه عرف كيف
يقرأ
المتغيّرات
الدولية
والداخلية،
وكيف يساهم
إلى حد ما برصّ
الصفوف
وتغذية شعلة
المقاومة
للاحتلال السوري
الرابض بكل
ثقله على
لبنان،
ولكنه، وبالرغم
من قمة
التحركات
التي ساهم بها
أتباعه والتي
أوصلت إلى
انسحاب
السوريين
ووحدت أغلب اللبنانيين،
سارع العماد
إلى التفلت من
"ثورة الأرز"
والانفراد
بإنشاء حزب
سياسي خاض به
الانتخابات
وربح ولاء
المسيحيين
على أساس برنامج
انتخابي حديث
دغدغ العقول
قبل المشاعر.
ولكن
العماد عون
الذي جعل
حلفاءه الجدد
يتحالفون مع
عدوهم ضده في
الانتخابات
النيابية، واصطدم
في أولى جلسات
المجلس
الجديد بهذا
"العدو"،
وامتنع عن
المشاركة
بالحكومة
الجديدة بأقل
من وزنه
السياسي،
ليصبح، كما في
الدول الديمقراطية
الحقيقية،
رئيسا
للمعارضة، رأيناه
ينقلب على
شعاراته
ويفاوض رمز
الاحتلال
للتفاهم على
المرحلة
السياسية
القادمة.
لا
ضرر في
الأنظمة
الديمقراطية
من تغيير التحالفات،
ولا ضرر من
تبدّل
المواقف
السياسية،
ولكن هل يمكن
قبول التغيير
في المبادئ؟
وهل غيّر
العماد عون،
بتفاهمه مع
حزب الله،
مبادئه؟
في
علاقاته
بالسوريين
أصرّ
العماد عون
دوما على أن
علاقة لبنان
بالسوريين
يجب أن تكون
علاقة الند
للند والدولة
الجارة التي
تعترف بالآخر
وتحترم
سيادته على
أراضيه ولا
تتدخل بشؤونه
الداخلية
وتتبادل معه
العلاقات
الديبلوماسية.
والعماد عون
صرّح بأن خروج
السوريين من
لبنان أسقط
حجة الصراع
معهم، وهو على
حق في هذه، ولكن
ماذا عن
الاعتراف
بسيادة
البلد؟ وماذا
عن التبادل
الديبلوماسي؟
وماذا عن
مشاكل الحدود
وترسيمها؟
وماذا عن
التدخل في
الشؤون الداخلية
بإرسال
السلاح
والرجال؟
وماذا عن الاغتيالات
المتلاحقة؟
وماذا عن حق
لبنان في ضبط
حدوده؟ كل هذه
لم يعد العماد
يناقشها، ولكنه
لم يقل بعد
بأنه يقبل بها
كما هي أم لا.
فهل يمكن أن
يلزم العماد
عون سوريا،
التي تسميه
حليفا اليوم،
بترسيم
الحدود بين
البلدين
والسماح للبنان
بضبط الجانب
المتعلق به،
وباعترافها باستقلاله
وتبادل
العلاقات
الديبلوماسية
معه؟ أم أنه،
وللمحافظة
على علاقاته
الجديدة معها،
سوف يتناسى
المبدأ الذي
طالما تكلّم
عنه في أساس
قيام الدول
والعلاقات
المتوازنة بينها،
ويكتفي
بالتعاون في
التوازنات
السياسية
الداخلية؟
في
علاقاته بحزب
الله
العماد
عون الذي عرف
بأن حزب الله
فصيل سوري إيراني
منذ البدء،
وصرّح بذلك في
عدد من
المقابلات
والمقالات
التي نشرت له،
وهو انتقد
حروب هذا
الحزب التي
أساءت إلى
لبنان أكثر
مما أفادته،
وهو الذي يرفض
من حيث المبدأ
الطائفية في
الدولة،
وينادي بالعلمنة
الشاملة على
الطريقة
الأوروبية،
وبتساوي
المواطنين
أمام القانون
مهما علا منصبهم،
وبالمساءلة،
نراه يتحالف
اليوم مع حزب
الله الذي
يدّعي أن له
الفضل في
تحرير لبنان
(وقد قال
العماد بأن
هذا الحزب
أخّر التحرير
14 سنة)، وينادي
بالعمل
لإقامة دولة
دينية فيه
(ولاية الفقيه-
على غرار
الجمهورية
الإسلامية في
إيران) وهي
ليست دينية
فقط بل مذهبية
أصولية لا
تقبل
بالتساوي بين
المسلمين
فكيف ستقبل
بالدروز
والمسيحيين
أو بالعلويين
النصيريين؟
فهل يراهن
العماد عون
على تفاهمه مع
حزب الله
ليجعله يصبح
أكثر
لبنانية؟ وهل
يستطيع أن
يدجّنه في
القبول
بالديمقراطية
والتعددية
ويمنعه مثلا
من استعمال
السلاح في
معارضته للحكومة؟
أم أن حزب
الله سوف
يدرّب أتباع
العماد على
الأصولية
والفوقية
واستعمال
القوة فقط للتعامل
مع الآخرين؟
العماد
عون، وهو الذي
قال بعدم جواز
استعمال لبنان
ساحة لحروب
الآخرين على
أرضه واستخف بمقولة
مزارع شبعا
والمطالبة
بتحريرها،
رأيناه، بعد
تفاهمه مع حزب
الله، يغطّي
حرب هذا الحزب
على لبنان في 2006
ليثبت بأنه
يجب أن يبقى
محور
الأضواء، لا
بل يجاهر بالنصر
الإلهي الذي
يدّعيه نصر
الله فيلغي مقولاته
السابقة التي
اتسمت
بالشجاعة يوم
أظهر أن هذا
الحزب إنما
يقاتل نيابة
عن سوريا وإيران
لتحسين
مواقعهما في
الحوار مع
العالم لا من
أجل لبنان أو
مصلحة بنيه.
فماذا سيخطط
العماد عون
بعد ذلك؟ وهل
سيقدر أن
يستوعب تصرفات
هذا الحزب
الشاذة؟
العماد
عون لم ينل
بعد ثقة
حلفائه ولو
أنهم يحاربون
العالم
المجمع على
خلاص لبنان
به، ولو كان
نالها بحق
لكان استطاع
أن يقنعهم
بترشيحه منذ
البدء، ولكان
قدر أن يتوجه
معهم إلى
المجلس
النيابي والقبول
بنتائج
الانتخابات
وعدم الدخول
في حكومتهم بل
تشكيل حكومة
ظل للمعارضة
برئاسته تحاسب
حكومة هذه
الأكثرية على
كل شاردة
وواردة في
مجلس النواب
لتنال ثقة
اللبنانيين
وتفرض في
الانتخابات
المقبلة
أكثرية من
قبلهم تحقق كل
المطالب
وتثبت
للمواطنين
صحة قوله
وصواب طريقته،
فهو كان انتظر
15 سنة في
المنفى فهل
أنه لم يعد
يقدر على
الانتظار
سنتين في
المعارضة؟
العماد
عون مع كل
قدراته خسر مع
حزب الله في المبادئ
ولو ربح في
تعطيل
الدولة، لأن
هذا لم يكن
هدفه يوما ولا
كان هذا
مبتغاه. فهل
يقدر اليوم أن
يحوّل، مع
قبول سوريا
بالحل في
اجتماع وزراء
الخارجية
العرب،
المواقف المتصلبة
إلى ثوابت
وطنية؛ كأن
يأخذ من حزب
الله القبول
بالتعددية،
والاعتراف
بسلطة الدولة
على سلاحه
وعناصره
وجدولة
لتسليم هذا
السلاح ولو
بعد حين، ووعد
السوريين
الذين خدمهم خدمة
جلى بإعادتهم
إلى لعب دور
على الساحة
الإقليمية
بأن يعترفوا
باستقلال
لبنان وبحقه
في ضبط حدوده
وبضرورة
التبادل
الديبلوماسي
بين البلدين
ووقف العنف
والإرهاب على
بنيه وممثلي
الشعب فيه؟
في
علاقاته
بالأكثرية
الحاكمة
يرد
جماعة العماد
عون كلما
سئلوا عن
تحالفهم مع
حزب الله بأن
زعماء 14 آذار
ليسوا بأفضل
من حزب الله
على الصعيد
الوطني،
فجماعة
الحريري تساند
الوهابية
السعودية،
وجنبلاط سرق
صندوق
المهجرين
ومنع عودتهم
إلى الجبل.
ولكن الحريري
وجماعته
وعندما واجهت
"فتح
الإسلام" الدولة
وقتلت
العسكريين
كانوا بجانب
الحكومة والجيش
وهم من وقف
بقوة للقضاء
على هذه الآفة
ولم يضعوا
الخطوط الحمر
كما فعل حليف
العماد يومها
وبالتالي فهم
ظهروا مع
لبنان ضد
أدوات الشر
ولو أنها
حاولت التخفي
تحت رداء من
الأصولية
السنية.
أما
الحديث عن
صندوق
المهجرين في
الجبل وغيره
من السرقات
وعن عدم عودة
المهجرين من
الجبل وهي قد
تكون نقاط في
صالح العماد
عون لولا أن
الكلام على
مجلس الجنوب
ونهب الدولة
في الوظائف
والجبايات
التي عند
حلفائه الجدد
قد تفيض قبل
أن نغوص
بأموال إيران
والموارد
المستورة
التي قد تسيء
إلى سمعة
جماعة العماد،
وأما قضية
المهجرين من
الجنوب التي
كان العماد قد
التزم بها
أمام المجلس
النيابي فلم
نعد ندري أين
أصبحت وما
الجديد الذي
أضافه تفاهمه
مع حزب الله
في مصير
الجنوبيين المنفيين،
فهل تخلى
العماد هنا عن
المبدأ القائل
بأن أهل
الجنوب ليسوا
بخونة ومن هو
أفضل منهم
بالوطنية
فليحاكمهم؟
العماد
عون الذي
اندفع عميقا
في محاربة
الأكثرية
وعاند العالم
كله وظهر بأنه
تنكّر
لمبادئه التي
قامت عليها
سمعته
الوطنية،
وكاد أن يطيح
باستقرار
البلد بتشدده
وحليفه، هل
سيقدر، ولو
بمساندة طرف
أساسي من
اللبنانيين،
من الاستمرار
في تصدّر
زعامة
المسيحيين
السياسية؟ أم
أنه، وعندما
سيأخذ حلفاءه
مطالبهم، سوف
يترك ليواجه
وحيدا نقمة
الذين أعطوه
ثقتهم في
صناديق الاقتراع
لأنه لم يكن
أهلا لهذا
الثقة؟...
تورونتو
– كندا
6-1-2008