الذمية
العائدة
بالتدريج
بقلم/
الكولونيل
شربل بركات
يوم فرض
المماليك
فتاوى ابن
تيمية سنّة
وشرعا، قاوم
اللبنانيون
على اختلاف
مذاهبهم تلك الفتاوى
وما نتج عنها،
ودفعوا في
سبيل البقاء
أحرارا، كل
على مذهبه وفي
محله، ضريبة
الدم. ودخلت
البلاد في
دوامة من
العنف أفرغت
قراها وشتت
أهلها فصار
الوطن حلما في
ذاكرة الأجيال
القادمة. وقد
شملت الفتاوى
تلك؛ الشيعة
والدروز والإسماعيلية
والعلويين
النصيريين
وشتى الفرق
والمذاهب المسلمة،
وهذه كلها حلل
ابن تيمية
قتلها، أما
أهل الذمة من
النصارى
واليهود فقد
منعوا من السكن
مسافة أربعين
كيلومترا عن
البحر على أن
تشدد عليهم
أحكام أهل
الذمة، وما
يدريك ما هي
تلك الأحكام
وما تتضمنه من
الجور.
وذهب
المماليك
وذهبت معهم
فتاوى ابن
تيمية وأحكامها
في لبنان.
وجاء
العثمانيون "محررين"،
ولكنهم سرعان
ما بدأوا بفرض
ضرائبهم
وقوانينهم
الاستنسابية،
ثم أعادوا
العمل بالشروط
العمرية،
وصارت الثياب
وألوانها
تعرّف عن هوية
لابسها وشروط
التعامل معه،
وصار الظلم هو
الشرع على أهل
الذمة و"الرافضة".
وحاول
اللبنانيون،
كل على
طريقته، أن
يبقي على شيء
من الكرامة في
بلاد يتحكم
فيها الذل. وشيئا
فشيئا تحرّك
العنفوان،
وصار الفلاحون
فرسانا
يحاربون مع "الأمير"
ويدافعون عن
البلاد، فتكونت
من أبناء هذا
الجبل هوية
مميزة قامت على
التعاون مع
حفظ الكرامة
والخصوصية،
وعلى
التعددية المذهبية
وحق الحياة،
وعلى عدم
التدخل في شؤون
الغير
الخاصة،
وأهمها
الإيمان
والعقيدة وحرية
ممارستها. وصارت
الأجراس تقرع
بدون وجل،
والمآذن تكرّم
آل البيت دون
تقية، والخلوات
تخرّج العقال
ومشايخهم بكل
فخر، فإذا
بهذا الجبل
موئل
الأحرار،
وإذا بأفواج
الهاربين من
الظلم في
الجوار تكثر،
وتصبح البلاد
مركز استقرار
وعمران،
وتعود
العافية إلى
الربوع.
ويذهب بني
عثمان
ومشاكلهم،
ويخرج لبنان
بحلّة جديدة
ودستور هو
الأرقى بين
الدساتير؛
يكرس الحرية
بكل أشكالها
ويمنع التدخل
في شؤون
المجموعات
البشرية التي
تشكل هذا
النسيج،
ويصبح المثل
القائل :"نيال
من لو مرقد
عنزة بلبنان" على
أفواه أهل
الشرق والغرب.
وتصبح رئاسة البلاد
لمن كان من "أهل
الذمة" كرمز
للوطن الذي
يعترف بكل
أبنائه وينسى
التمييز والقهر.
وينسى الناس
مشاكل الماضي
ويمضون في
التعاون على
بناء البلاد
على الطرق
الحديثة. وتعتقد
الأجيال
الجديدة التي
لم تتعلم من
المآسي، وقد
عاشت في
بحبوحة
وطمأنينة،
بأن الوطن
ينبت كأعشاب
الصيف ويمضي
معها لينبت
غيره، أو أنه
يستبدل ساعة
نشاء كرداء
إتسخ، ولا يدرون
بأن من ينزع
الوطن عنه
يصبح بغير وطن.
فتدخل
المعتقدات
والطروحات
المستوردة؛
من القوميات
المختلفة إلى
الأمميات
الواسعة والتي
لا تعرف
خصوصية الناس
وحساسية
التركيبة
التي بني
عليها هذا
الوطن،
ويعتقد كل من
أنجبت له أمه،
أو غير أمه،
أكثر من أخ
بأنه أصبح أكثرية
ويجب أن يتحكم
بالآخرين
ويفرض رأيه
ومعتقده
عليهم، ويرغب
كل من دخل
مدرسة أو قرأ
كتابا أن
يمزّق كتب
الآخرين
ويصلّح
معتقداتهم. ويأتي
السلاح من كل
حدب وصوب
وتدور
الدوائر على
الكل ولا
يستثنى منها
أحد.
وبعد ثلاثين
سنة من الصراع
المفروض على
الكل، جاءنا
من اعتقد بأنه
حرر البلاد من
"العدو" وهو
لم يدر أنه
يعمل لصالح
عدو أشرس
وأعتى، ولم
يحرر نفسه بعد
من الجهل الذي
يقبع فيه
والانغلاق
الذي يسجن
عقله، ولم يصل
إلى مستوى
الأحرار من
أهل البلاد
الذين بنوها
بالعرق والجهد
وبالدماء
ساعة لا يكون
منها مفر،
ولكنهم
يعرفون معنى الحياة
وقيمة الناس
ولا يستهينون
بعطية الله،
وقد عاشوا
المآسي
وعرفوا
مفاعيل الحقد
فلم يعلّموا
أولادهم على
العيش في ظله
ولا اتخاذه
مذهبا.
هذا جاء يفرض
قوانينه
بالقوة التي
يعتقد أنها
سلاحه، فأين
سيختفي من وجه
الله وقد
استعمل اسمه
الكريم في غير
محله وتاجر
بدماء العباد
وأجسادهم؟..
يصنفون
الناس بين
عميل ومقاوم
وهم لا يدرون
بعد من هو
الوطن الذي
يحاربون من
أجله وما هي القضية
التي يقتلون
في سبيلها. فهل
أن استرجاع
فلسطين أهم من
بقاء لبنان؟
وهل أن أسلحة
إيران ونظام
الشام أكثر
قدسية من
أبناء قانا أو
بيت ليف أو
يارون؟
يتعدون على
المقامات
والزعامات
ولا يحترمون
أحدا، فيوم
قتلوا أحد
أبطال الجنوب
وقادته منعوا
بكل وقاحة على
البطريرك
الماروني أن يرسل
رقيما
للتعزية وهم
لا يدرون أنهم
بهذا إنما
فاقوا سلاطين
بني عثمان غيا
وتجبرا.
ويوم يلّوح
زعيمهم
بأشلاء قتيل
من على شاشات التلفزة،
ولو كان عدوا،
فهو إنما يخرق
أصول التعامل
البشري،
يريدون لنا أن
نبجّله ونثني
على أعماله. ثم
يطلق صاحب
الخطب
الرنانة
حنجرته مهددا
أبناء الجنوب
متوعدا بأنه
سيدخل مخادع
نومهم ويبقر
بطونهم،
ويقولون لنا
كيف نتهمه
بالإرهاب.
وإذا ما تجرأ
أحد على
الانتقاد
تقوم القيامة
بوسيلة جديدة
قديمة هي
غزوات جاهلية
ولو على أحدث
الدراجات
النارية،
للتخريب والتعدي،
فما هو
الإرهاب إذا؟
يدربون
الشبان
والأطفال على
قتل أنفسهم
وقتل الآخرين
فكيف سيعيش
مجتمعا قائما
على القتل
والحقد خاصة
في وطن ليس
فيه من أكثرية
مطلقة، فهل
يريدون فرض
رؤيتهم على
الآخرين؟
وعندها فهل
نحن أمام ابن
تيمية جديد؟
ماذا بقي من
الوطن
التعددي الذي
ارتضت به كل الفئات
المقهورة،
وهل أن مقولة
المغفور له الرئيس
الأسد الأب في
خطابه الشهير
في 1976 بأنه دخل
إلى لبنان
لمنع قيام "دولة
المقهورين" تولجه
هؤلاء لمنع
قيام الوطن
الذي يشعر فيه
كل المقهورين
بأنهم أهل بيت،
وبأن أحدا لا
يستطيع فرض
تصوره عليهم،
وأحدا لا يقدر
أن يعاملهم
معاملة أهل
الذمة.
يعيش
اللبنانيون
اليوم مع
العالم كله
تطور عقلية
الإرهاب التي
تجتاح دول
كثيرة وهي
تؤثر بالفعل
على أجواء
الطمأنينة
والرخاء في
الدول المتقدمة،
ولكنها في دول
المنطقة التي
نعيش فيها
تجعل من القتل
والدماء، من
بقر البطون وقطع
الرقاب، من
التفظيع
بالجثث
وتنتيفها بالمتفجرات،
ولائم يومية
علينا
الإعتياد
عليها كما
علينا أن نجلّ
فاعليها
ونحترمهم،
فالاحترام في
كتب هؤلاء هو
الرهبة، ومن
لا يرهب الظالمين
فسيوفهم
تلحقه إلى
مخادعه،
ومتفجراتهم تدخل
بيوته ومراكز
العبادة
عنده، فهل من
نهاية لهذا
المسلسل
الفظيع؟
لقد سئم
اللبنانيون
والعالم هذا
النوع من العهر،
يقتلون
القتيل
ويطالبونه
بالاعتراف بحقهم
في قتله، وقد
صدق بهم القول:
يرضى القتيل
وليس يرضى
القاتل. فكانت
ثورة الأرز
تحركا شعبيا
شاملا كل
الفئات والمذاهب
مطالبة
بالتحرر من
الاحتلال
ورواسبه ومن
هؤلاء
الفارضين غيهم
على أهلهم قبل
الغير،
والفارضين
ظلمهم في الضاحية
والبقاع
لتكون قواعد
لنشره في أي
مكان آخر،
والمفسدين
عقول الناس
ومفاهيم "التعايش".
فكيف تتعايش
فئات تختلف في
النظرة
والمعتقد
والطموحات
إذا كانت
واحدة منها
تفرض نفسها
بالقوة على
الغير؟
ولماذا إذا
قام هذا الوطن،
وماذا فعلت كل
قوافل
الشهداء من كل
الفئات؟
فليعذرنا كل
المنظّرون
والباحثون عن
الحلول في
اجتماعات
الحوار
والطاولات
المستديرة،
فإذا كان وزير
الداخلية
بالوكالة
يريد أن يحمي
السنّة بأمير
جديد يضع الحد
لحزب الله في
التعبئة
والحقد، فلماذا
إذا الكلام
على التعايش؟
أوليس الأفضل الإعتراف
بأن التعايش
قد أسقطته
جحافل
الإرهاب، وأن
الوطن إما أن
يكون لهم وحدهم
يعيش فيه
الآخرون أهل
ذمة أو "رافضة
جدد" أو
فليهدم على
رؤوس بنيه؟ هل
المطلوب أن
تظهر "التركيبة
اللبنانية" و"التجربة
اللبنانية" و"ثقافة
الانفتاح
اللبنانية" أنها
فشلت ولم
يفشلها
الغرباء كما
ادعينا يوم
قلنا أن الفلسطينيين
وسوريا
وإسرائيل
وربما إيران هي
التي تمنع
تقارب
اللبنانيين،
بل أفشلها أهل
البيت من
الغوغائيين
المتسلحين
بالدين
والمتسترين
بشعار محاربة "العدو"
والمدعين
بأنهم "حرروا"
البلاد وهم
إنما حرروها
من أهلها أو
أخروا التحرير
خمسة عشر سنة
كما كان صرح
الجنرال عون
وغيره من
العارفين قبل
عودته إلى
لبنان؟
يقولون لنا
بأن الشارع
الغاضب على
كاريكاتور
ظهر في الدانمرك
قام بالهجوم
على "قواعد
الصليبيين" في
الأشرفية و"انتصر"
على كنيسة مار
مارون
وجوارها، وأن
حزب الله لم
يتدخل في هذه. واليوم
وبسبب غضب
الشارع نفسه (مع
بعض التغيير
في الاتجاه) يهاجم
"فرسان
المقاومة" الراكبون
منهم والمشاة
قواعد "الاستعمار
الغربي"(في
نفس المنطقة) والمستهترين
بزعماء
الأمة،
فيدمرون على
حين غرة أصرحة
الحضارة "الزائفة"
ويكسرون
رموزها، فإلى
أين نحن نسير؟
وأين يقودنا
نصر الله "بحكمته"
وبعد نظره؟
وقد سارع الكل
لإستنكار "جريمة
التعدي على
المقامات في
وسائل
الإعلام" وشكروا
العطف الزائد
في "حماية
الكنائس"،
هذه المرة،
لأن جموع
الحقد
المعبأة لا
تعرف بيوت
الله ولا
مصالح الناس،
وبالطبع فهي
لا تعرف معنى
لأرواحهم أو
الكرامات.
ماذا نقول
للذين
اعتقدوا أن
زمن تصنيف
الناس قد انتهى
منذ الثورة
الفرنسية،
وزمن الطبقية
قد زال مع
الثورة
البلشفية،
وزمن الحروب
الدينية قد
ولّى منذ عشرة
قرون؟ ماذا
نقول لمن لم
يسمع عن
الذمية، ولمن
يعتقد أننا
نعيش في زمن
القرية
العالمية
بواسطة
التكنولوجيا
الحديثة
ووسائل الإعلام
والاتصال
التي
يستعملها
الكل، ولكن
ليعود بنا
البعض إلى
عصور الجهل
حيث تنفث
الرجعية القاتلة
سموم حقدها
وتنشر
البربرية
حضارتها
المدمرة لكل
خير.
ماذا نقول
لمن قتلوا
دفاعا عن
الكرامات،
وإذا
بالكرامات
والأرزاق
تسقط بسبب أو
بدون سبب،
بالرغم من أن
الأمم
المتحدة التي
عرفت الداء
ووصفت الدواء
واضحا مفصلا
في القرار 1559
وهو أن على
الكل أن
يتساوى
بالقانون فلا
يكون سلاح سوى
سلاح الدولة
وهي تقيم
العدل وتحفظ الحقوق
وتساوي بين
الكل.
إذا كان نصر
الله مصرا على
تفجير لبنان
بواسطة
مجموعات
الانتحار
التي درب ولم
يعد يستطيع السيطرة
عليها، أو أنه
لا يجد لها
عملا، ولذا عليه
أن يحارب
إسرائيل أو
يحارب
اللبنانيين،
والأفضل
لهؤلاء أن
يطلقوا يده في
محاربة إسرائيل
وإلا انقلب شر
جماعته
عليهم، إذا
كان هذا هو
الوضع، لا سمح
الله، فإننا
سنترحم دون شك
على أيام
الدويلات
التي كانت
تحمي جماعتها
على الأقل،
وهل نعتب إذا
على اليهود
إذا ما أرادوا
بناء دولة
قادرة على
حماية
أبنائهم في
هذا المحيط
المخيف من
المتصلبين
والمتعصبين؟
الظاهر أن
ثقافة
الإرهاب تسعى
لإقناعنا
بأنه لا بديل
عن دولة من
لون واحد لا
مكان فيها لحق
الأخر، ومن
هنا يجب أن
يفهم الكل
وقبل فوات
الأوان بأن
تجربة قبرص قد
تكون أنجح بكثير
من تجربة
لبنان، وإلا
فعلى
اللبنانيين
من الألوان
الأخرى والتي
ألقت
بأسلحتها
لإنهاء الحرب،
أن تخضع لحكم
المسلح القوي
الوحيد،
وعليها أن
تستعد لتقبل
ثقافة الذمية
والتعايش
معها، فلا حق
إلا للقوي،
على ما يبدو،
ولا قوي إلا
سلاح الإرهاب
الذي أخضع
أكبر الدول،
وهو لا شك
قادر على
إخضاع قلة من
المدعين بالثقافة
والمنظرين
بحقوق
الإنسان التي
لا يحميها أحد،
لأن الأمم
المتحدة
والدول
العظمى لن
تحارب لتعطي
الحقوق لمن لا
يطالبون بها،
ولا يناضلون
من أجلها،
ويخجلون أن
يقولوا عاليا
ما يخافون
منه،
ويتسترون
بمقولة المؤامرات،
ويبررون
للعاهر عهره،
بينما يجاهر
هو بأنه قادر
على قهرهم
وعلى جعلهم
يهابونه،
ويقبلون بكل
ما يقول
فيسكتون كل من
يعترض خوفا من
ردات الفعل،
وردات الفعل
بالطبع
ستتكرر وبدون سبب
فهي قد نجحت
وأدت المطلوب.
كندا - تورونتو
5 حزيران 2006