قراءة
في خطاب السيد
نصر الله في
يوم القدس
بقلم
الكولونيل/
شربل بركات
في
يوم القدس هذه
السنة، بدا
السيد نصر
الله أكثر
اتزانا مما
مضى، وكأنه
يقرأ الأحداث
بشكل أفضل مما
عوّدنا، ما
يدعو إلى
التفاؤل، لأن حزب
الله، بحسب
التخطيط
السوري،وما
أعطي من حقوق
وصلاحيات،
كانت مهمته أن
يقلب الأرض
فوق رؤوس كل
من تسوّله
نفسه أن يطالب
بتحجيم دور
سوريا في لبنان
أو استرجاع
سيادة
واستقلال هذا
البلد الذي
دفع من أمن
شعبه
واستقراره،
ومن دماء
مواطنيه، على
صغره، أكثر
مما دفعت كل
بلاد العرب مجتمعة،
وكأنه كتبت
عليه ضريبة
القتال المتواصل
لإرضاء كل
متجبّر في
الشرق.
خطاب
السيد نصر
الله، وعلى
غير عادته، لم
يهدد بأفواج
الانتحاريين،
ولا برمي
اليهود بالبحر،
مع أنه كان
أيّد الرئيس
الإيراني فور
إعلانه عن
نيته بالخلاص
من إسرائيل
وشعبها، واضعا
كل "طاقاته"
بتصرفه. وهو
لم يستعرض
أفواج الصبية
المتزنرين
بالعبوات،
وحاول أن يظهر
بمظهر "حضاري"،
وبأنه يمثل
فئة من
اللبنانيين
منظمة وجاهزة،
ولكنها
منضبطة وغير
عدائية ولا
"مسلحة"، وهو
الأهم.
لم
يستطع نصر
الله،
كعادته، إلا
أن يهاجم أمريكا
وإسرائيل،
فلولاهما لما
بقي له مبرر
وجود، ولكنه
أكثر ما
أقنعنا بأنه
يطالع الصحف
الإسرائيلية
بانتظام، ولا
يطالع غيرها
على ما يبدو،
لأن كل الصحف
في العالم
ومنها صحف
عربية كثيرة،
قد سربت
معلومات حول
تقرير ميليس،
وهو لم ير سوى
صحف إسرائيل،
لأنه يريد أن
يبقي العرب
موهومين
بقدرة
إسرائيل
وبإدارتها
للنظام
العالمي، لكي
يبقوا خارج
المجتمع
الدولي، ولا
يعد لهم من
تأثير في
مجريات الأمور،
ولما لا
فولاءه
إيراني والكل
يعلم.
نصر
الله حاول
التشديد على
تقرير لارسن
مدعيا بأن
الأخير يعمل
من أجل مصلحة
إسرائيل، وهو لم
يقل عنه كذلك
يوم عمل لارسن
منه بطل
التحرير،
وقبل بتسليم
الجنوب له
وليس للدولة،
وقبل بعدم
التفاوض مع
أهل الجنوب من
أجل أن يصار إلى
تسليم كافة
الأسلحة
للدولة، من
قبل جيش لبنان
الجنوبي وحزب
الله وكل
المسلحين
الآخرين على
السواء (وهذا
ما كان
الجنوبيون قد
طالبوا لارسن
به يومها)،
كشرط لخروج
إسرائيل من
الجنوب
وتنفيذ
القرار
الدولي 425 .
نصر
الله في خطابه
وضع إصبعه على
جرح لبنان
الحقيقي، نعم،
فكل من
يمالئه، وعلى
رأسهم جنبلاط
وغيره من
السياسيين،
بأن سلاح
"المقاومة"
مقدس، يريد
كسب الوقت،
ويريده أن
يتدجن،
ويعتاد أن يساهم
في الحكم
كغيره من
اللبنانيين،
أي بالتساوي
لا بالفرض ومن
فوق. وهو
عندما يصرّ
على التوضيح
بأن الحكومة
تقول شيئا له
وتقول للعالم
شيئا آخر، لا
يذيع سرا،
ولكنه قد يكون
يحاول شرح
الواقع
لجماعته كي لا
يتفاجأوا بما
سيكون عليه
المستقبل.
وعندما
يتكلم نصر
الله عن
الحوار فهو
يعترف لأول
مرة بأن
الحوار لا
يكون على
مسلمات بأن سلاحه
لا يمس، ولو
أنه يعطي
مبررا لذلك
"حماية
لبنان". ومع
أنه في يوم القدس
يعاود الكلام
على تحرير
فلسطين، ولكنه
يبدو مقتنعا
بأن هذه
اللازمة لم
تعد تمر على
أحد.
وفي
إشارته حول
المشكلة التي
افتعلها حزبه
في شبعا وأدت
إلى قتل
المراقب
الدولي،
الضابط الفرنسي،
ينسى نصرا لله
بأن تلخيص الموضوع
أتى أيضا
لصالحه، ولو
أن الإشارة
إليه كانت
مفصّلة لكان
يجدر أن يدان
عناصر حزبه الذين
يفتعلون
التعدي
ويطلقون
النار في
منطقة اعترفت
الدولة
اللبنانية
بأنها تقع ضمن
الخط الأزرق
يوم انسحبت
إسرائيل.وهنا
تجدر الإشارة
إلى ما يقوله
عن أن الدولة اللبنانية
هي التي تحدد
إذا كانت
مزارع شبعا
لبنانية أم
لا، وهو يريد
أن يزج اسم
الرئيس
الحريري بهذا
القرار،
ولكنه ينسى أن
الرئيس لحود،
صديقه العزيز،
والوحيد من
السياسيين
الذي شارك
بممثل عنه على
مستوى وزير في
احتفاله، قد
رفع مذكرة إلى
الأمم
المتحدة
يعترف فيها
بأن إسرائيل قد
أتمت
انسحابها حتى
الحدود
الدولية، ثم
تحت ضغط حزبه
والسوريين،
الذين طالما
أرادوا إبقاء
قميص عثمان أو
مسمار جحا،
عاد فأنكر
مقولته.
ويفرح
نصر الله من
إشارة تقرير
ميليس بأنه قد
جمع مليون في
ساحة رياض
الصلح
للمطالبة
ببقاء سوريا،
ومع أن
التقرير لم
يكن دقيقا بالنسبة
للعدد إنما
يعجبه هذا
التضخيم
ويكتفي به من
التقرير
ليصبح كل ما
عاداه غير
صحيح وفي غير
محله.
لا
يريد نصر الله
أن يعترف بأن
لسوريا ضلع في
جريمة الرئيس
الحريري، فمن
يكون الفاعل
إذا؟ ولماذا
لم تقم سوريا
بحماية
الحريري، أو
لم تستطع أن
تكشف الفاعل؟
فهل هناك أقدر
منها وهي
المسيطرة على
لبنان منذ
ثلاثين سنة؟
وهي "الصمود
والتصدي"،
وهي التي وقفت
بوجه أمريكا
وإسرائيل كل
هذه المدة؟ أو
أنها صحيح غير
قادرة،
وعندها فما
جدوى أن نتمسك
بها؟
ولكن
نصر الله يقرأ
ككل
اللبنانيين
مشاكلهم مع
سوريا ويعرف
بأن الحل هو
في التخلص من
سيطرتها على
العبور إلى
بلاد العرب
واستعمال
إسرائيل
كممر، ولكنه
لا يريد حل
مشاكل لبنان
طالما بقيت
سوريا ورقة
صالحة
لاستعماله وسيطرته
على طائفته
أولا وبقية
اللبنانيين
من جهة ثانية،
وطالما بقيت
ورقة
الفلسطينيين
صالحة
للمتاجرة
والكسب.
ونصر
الله يحاول أن
يحتمي بسلاح
الفلسطينيين
للإبقاء على
سلاحه ويتسأل
"من يحمي
الفلسطينيين
في مخيماتهم
ويحمي أعراضهم"
ولكنه يتناسى
أنه هو
وحلفاءه من حارب
الفلسطينيين
في حروب
المخيمات
ومنعوا عنهم
التحرك
وسجنوهم في
مخيماتهم. وهو
يتناسى بأنه
يمنعهم من
التجول في
الجنوب وفي كل
مناطقه خوفا
من أن يعبثوا
بالأمن، وقد
يكون على
صواب، ولكنه
ليس المخّول
بعد أن أصبح
هناك دولة
وقانون أن
يمنع من يشاء
أو يسمح لمن
يشاء.
ونصر
الله عندما
يتكلم عن
الفتنة بين
الشيعة والسنة
ويردها
لتقرير
ميليس، لم ير
نفسه كيف تصرّف
واحتكر كل شيء
ومنع على غيره
حتى الافتخار
بالانتماء
إلى الوطن،
وهو زجّ
بطائفته غطاء لكل
ما يفعل، ثم
يقول بأن
الغير يريد أن
يحوّل
الموضوع
موضوعا بين
السنة
والشيعة،
أفلا يجدر به
مراجعة الذات
ومحاسبة
النفس على
التصرفات
الفئوية حيث
يسمح للشيعة،
تحت غطاء "المقاومة"،
بكل
الامتيازات
وعلى حساب من؟
الإسرائيليين؟
وعندما
يتكلم السيد
نصر الله عن
حماية الوطن وعن
حق الشعوب
بالتسلح لردع
إسرائيل، ألا
يخجل من نفسه
بأنه إن سقط
سلاحه فكأن
لبنان لم يعد
عنده سلاح؟
وماذا عن سلاح
الجيش؟ وماذا
عن الدولة
برمتها؟ فهل
هو وجماعته قد
صدّقوا بالفعل
بأنهم وحدهم
من يردع؟
وعندها لماذا
لا يهب الدولة
بعضا من
أسلحته الفتاكة
لحماية كل
لبنان من أية
دولة تعتدي؟
أو أن سلاحه
سرّي ولا يجوز
أن يستعمله
غير الشيعة
الأصوليين؟
أو أنه غير
مسموح له بأن
يترك هذا السلاح؟
وهنا بيت
القصيد، فمن
الذي يسمح له
أو لا يسمح؟
هل هي سوريا؟
أم إيران؟ أم
من؟
السيد
نصر الله
أتحفنا هذه
المرة بخطاب
هو الأول في
الاتزان،
ولكنه فقد
المصداقية
والوهج، كونه
لم يعد يمثل
إلا فئة لا
تريد للبلد الاستقرار
ولا تزال
تناور ضد
الإجماع
اللبناني على
التخلص كليا
من الاحتلال،
والهيمنة، والمحرمات،
والجزر
الأمنية،
ومخابئ
الأسلحة، وعصابات
التهريب
والإرهاب،
والتفجيرات
المتنقلة في
الأحياء لمنع
قيام دولة،
وقانون، وهيبة،
ولمنع تقدم
لبنان على
طريق الحلول
الدائمة، بل
ليبقى مسرحا
لكل مشاكل
الشرق
والغرب، ومركزا
لتصدير
الإرهاب.
السيد
نصر الله، إذا
كان قد قرأ
المستقبل بفعل
مطالعاته
لصحف إسرائيل أو
غيرها من صحف
"الأعداء"،
عليه أن يتّعظ
ويسلك طريقا
يخلّص به
جماعته من نير
وكابوس الحرب
الدائمة،
ويحمّل
الدولة وزر
وعبئ الدفاع عن
الناس،
وحماية
الحدود،
وتنظيم
الأمن، ورعاية
الاستقرار.
وليترك لنفسه
أن يصبح مرجعا
دينيا يرعى
الأخلاق،
فيأمر
بالمعروف
وينهي عن المنكر.
ويترك ثقافة
الحقد والشر
التي لا يقبل
أن يتكلم
لارسن عنها،
ليقبل على
ثقافة الخير
والمحبة،
ثقافة العطاء
والبناء،
ثقافة التقدم
ومجاراة
الأمم، بدل
التقهقر
والرجعية.
إن
الأيام
القادمة
سترينا
بالفعل إن كان
حزب الله قد
فهم منطق
التاريخ،
واستوعب
المتغيرات،
واتعظ من
أخطاء الغير،
واختار أن
ينتقل إلى حالة
البناء،
ويرتفع إلى
مستوى القادة
الفعليين،
وهو قادر إن
أراد. أم أنه
تحجّر في
الحقد،
واستقرّ في
قاع الشر، ولم
يعد يعرف
مسالك الخروج،
وهو بحاجة
ماسة إلى
الأمم
المتحدة والمجتمع
الدولي لكي
يرشدوه إلى
طريق قويم قد يبقي
له بعضا من
العزة التي
سيفتقدها إن
لم يفعل، بدون
شك.
تورونتو
30 تشرين أول 2005