نصر الله
يختار
المواجهة
ويدعو إلى
الحوار
الكولونيل شربل
بركات
جديد
هذا الأسبوع
كان خطاب نصر
الله الذي يرى
البعض فيه آخر
خطابات
"المراجل"،
بينما يرى
البعض الآخر
بأن نصر الله
قد يكون يهرب
إلى الأمام
للحفاظ على
مكتسباته،
وبالتالي على
الامتيازات
التي حققها بشعارات
محاربة
إسرائيل،
والتي يلجأ
دوما إليها
كلما تجرأ أحد
على المطالبة
بالمساواة.
صحيح
أن لبنان بلد
الطوائف
وتمايزها
وامتيازاتها
حتى، ولكنه
أيضا بلد
الحرية
والتوازن
الذي لا بد أن
يحصل بعد كل
مواجهة، أو قل
"خضة".
وبينما حارب
الدروز
السلطنة
العثمانية
ليفرضوا
تمايزهم
ويفخروا بوطن جاهدوا
في سبيله
واستحقوا هذا
الفخر، يشعر الموارنة
بأنهم ناضلوا
لقرون عديدة
ليحافظوا على
استقلاليتهم
وحريتهم
وكرامتهم في
هذا الجبل،
وفي النهاية
أصبحوا مع
الدروز وبقية
مسيحيي الجبل
ركائز أساسية
لاستقلال لبنان
لا غنى عنها
ولا عن تكاملها.
أما الشيعة
فقد حاولوا هم
أيضا أن يكون
لهم الحق
بالفخر
والانتماء
لوطن مستقل
يحققون فيه
حريتهم
وتميزهم عن
المحيط الذي
كبتهم منذ المماليك،
فكانت محاولة ناصيف النصار
تحديد منطقته
والدفاع عنها
ضد عرب الجنوب
مع ضاهر
العمر وضد
دروز الجبل مع
المير
يوسف، ولكن الجزار
بعد مقتل ناصيف
أذاقهم الذل ولم
يترك لهم
مجالا للفخر
بانتزاع
الاستقلال أو
مواجهة
المحتل، ما
جعلهم
يسايرون القوى
الإقليمية
والمحلية
ليحافظوا على استمراريتهم،
وهكذا هللوا
للعروبة مع
عبد الناصر و"هوبروا"
لعرفات
وثورته دون أن
يشعروا
بالانتماء أو الفخر.
وحاول
الإمام الصدر
أن يجمعهم حول
قضية "المحرومين"،
ولكن الحرب،
وغياب الإمام،
وتدخل سوريا،
أفقدوهم عنصر
الفخر هذا.
وتشاء الظروف
أن تنجح ثورة
شيعية في
إيران وتتلاقى
أهدافها مع
أهداف سوريا،
فيدفع بحزب
الله لمواجهة
إسرائيل،
وتخرج هذه
ليشعر الشيعة
بالانتصار. ويعتبر
البعض أن
لبنان صار
أقوى وأثبت
لأن ثلاثا من
الفئات التي
تؤلف
مجموعاته
الحضارية،
على الأقل،
صار لها اليوم
إحساس
بالانتماء،
وشعور بالنصر
والافتخار،
وهذه عناصر
مهمة للولاء
للوطن. ويبقى
السنة الذين
كانوا حققوا،
مع الأمراء
الشهابيين،
استقلال
لبنان كما فعل
الدروز قبلهم،
ولكن مدن
الساحل
كبيروت وصيدا
وطرابلس،
التي بقيت تحت
سلطة
العثمانيين،
حيث فرض
الدعاء
للخليفة الذي
هو السلطان
نفسه، أبقتهم
خارج الشعور
بالانتماء
والفخر بلبنان،
ما دفع
بأمرائهم
للتحول إلى
المارونية لتنقلب
المقولة ويصبح
"الأمراء على
دين شعوبهم".
وبالرغم من أن
بشير الثاني
كان قد عقد
تحالفا مع المصريين
أدى إلى زعزعة
أركان
السلطنة
العثمانية،
وجعل كل القوى
العالمية،
يومها،
تتضافر لوقف
الزحف المصري
الذي كان وصل
إلى جبال طوروس
بينما دخل
الجيش
اللبناني
لأول مرة إلى
دمشق، ولكن كل
هذه الجهود لم
تعط سنة لبنان
عنصر الفخر
بصنع التاريخ،
وأبقتهم بدون
ولاء حقيقي
للبنان إلى أن
جاء رياض الصلح
والتزم به
دولة مستقلة،
استطاع أن
يحفظ للسنة
فيها مكاسب
وامتيازات
منها رئاستهم
الحكومة. ولكنهم
لم يكونوا
اعتادوا بعد
على
الاستقلال
والخصوصية
اللبنانية، وظلت
أحلامهم
شمولية في حكم
إسلامي أوسع،
فتبنوا هم
أيضا العروبة،
وتناغموا مع
عبد الناصر في
1958، ثم مع عرفات
وثورته في
السبعينات. ولكن
اليوم، وبعد
ثلاثين سنة من
النضال في
سبيل لبنان، ومع
استشهاد
زعمائهم،
وخاصة الرئيس
الحريري،
مؤخرا، وثورة
الأرز التي
كانوا رأس
الحربة فيها،
هل يشعر السنة
بأنهم من أخرج
سوريا؟ وهل
يكون العقد
اللبناني قد
اكتمل في
موضوع الولاء
والشعور
بالانتماء
والفخر؟
إذا
كان الجواب
إيجابيا
فالمستقبل لا
بد زاهر، لأن
من يشعر
بالولاء
للوطن لا بد
له أن يدافع عنه
ويتجاوز كل
أزمة يمكن أن تطاله
بسوء ليحافظ
عليه ويمنع
عنه الضرر. من
هنا يعتقد
البعض أن نصر
الله إنما
"يكبر الحجر"،
بأن يتطاول
على كل من
يفكر بجمع
سلاح، ما
يسميه،
المقاومة،
ومن ضمنهم دول
عظمى ومجلس
الأمن، ويهدد
بأنه "سيقطع
اليد التي
تمتد على ذلك
السلاح"،
كمناورة يريد
منها تثبيت
بعض المكاسب.
فهل يعتقد نصر
الله صحيح
أنه جزء من
هذا الوطن،
ويخاف عليه،
ويفتخر به؟ أم
أنه يضع نفسه
خارج حدود هذا
الوطن،
ويعتبر نفسه
جزءا من نظام
أشمل، وهو
الذي يعتز
بلقب "الممثل
الشرعي
للإمام الخامنئي
في لبنان"
وبالتالي فهو
يسعى لدور
أكبر من لبنان
ولا يهمه هذا
البلد إلا من
حيث أنه يخدم
الأهداف
الكبرى
للثورة
الإيرانية أو
الإسلامية؟
جواب
المتفائلين
هو بأن نصر
الله، بالرغم
من الكلام
الكبير، أبقى
على باب "الحوار"
مفتوحا وهو
يريد به أن
يترك بابا "للحشرة"
يستطيع أن
يخرج منه
بكرامة في حال
زيادة الضغوط،
بينما يقول
البعض الآخر
أن خطابه
الأخير حديث
انتخابات لا
تأييد عليه.
ولكن مع كل
التفاؤل
الممكن، يجب
أن نكون
واقعيين، ومن
ثم، فصحيح بأن
الطائفة
الشيعية قد
شعرت بالافتخار
عندما هلل
الوطن لبعض
أبنائها
بأنهم أخرجوا
إسرائيل، (مع
أن الحقيقة هي
أنهم أخروا
خروجها 15 سنة)،
وصحيح بأن لهم
اليوم مكاسب
وامتيازات
ليست لغيرهم،
وصحيح بأن
زعماءهم
يديرون
البلد، ولكن
هل أن الإدعاء
بامتلاك 12 ألف
صاروخ موجه
على أهداف مدنية
وعسكرية وعلى
مطارات
إسرائيلية
ومفاعل ديمونة
النووي، هي
نوع من
التوازن
الاستراتيجي
الذي ستقبل به
إسرائيل
وسيرضخ له
العالم؟ أم
أنها ستكون
بابا لصراع
جديد ومبررا
لحروب، خال
البعض أن
لبنان على وشك
أن ينساها؟ وإذ
يعتبر حزب
الله منظمة
إرهابية لها
تاريخ من
الجرائم ضد
الإنسانية،
ولا تعترف بحق
الآخر، فإنه
من الصعب أن
يقبل أحد بأن
تبقي على ترسانة
كهذه، سيما
وأن قائدها
يدعي توجيهها
على أهداف
مدنية، وكأنه
يريد أن يعطي
مبررا
للمطالبة
بنزعها، أو
حتى بضربها
إذا لم يمكن
التفاهم على
نزعها. وإذا
كانت
إسرائيل، كما
يقول زعيم حزب
الله، عدوة
قادرة، فإنها
لا بد ستصر
على نزع هذا
السلاح، كونه
يشكل خطرا
فعليا على
مواطنيها
وعلى اقتصادها
وحريتها
بالتحرك،
خاصة عندما
يكون بأيدي
غير مسؤولة،
إلا إذا كانت
إسرائيل
تعتبر حزب
الله أكثر
مسؤولية من
دول كإيران
وعراق صدام
مثلا، وهنا
يحضرنا ما قاله
النائب
الإسرائيلي يوسي سريد
رئيس حركة ميريتس
اليسارية
مؤخرا في وصفه
للأمن على
الحدود مع
لبنان الذي
يقوم به حزب
الله "على
أكمل وجه"
معتذرا عن
موقفه الرافض
للانسحاب سنة
2000 يوم كان يشغل
منصب نائب
وزير الدفاع،
وكأنه يفهمنا
بأنه يمكن
الاتكال على
"حكمة" زعيم
حزب الله. وإذا
كان هذا هو
الواقع فعلا،
وإذا كانت
قضية مزارع
شبعا تغطية
لعملية
الإسكان في
الجولان التي
تحدث عنها
تقرير "السياسة"
الكويتية،
يصبح سلاح حزب
الله قضية داخلية
فقط، وهنا
يصبح التفاؤل
ممكنا، ولكن
ماذا عن
الحوار؟
دعوة حزب الله
للحوار حول أي
موضوع هي دعوة
مشروطة بقبول الطرف
الآخر بما يطرح
الحزب كمسلمات
قبل البدء بأي
حوار، وكأن
الحوار عندهم
هو الرضوخ
للمطالب، وما
الاجتماعات
إلا للإعلان
عن القبول بها
ودراسة تفاصيل
التنفيذ. والدعوة
هنا للحوار في
موضوع السلاح
لا تخرج عن
المبدأ نفسه،
فنصر الله
يهدد ويتوعد،
لا بل يصنف كل
من يحاول
الكلام على
نزع السلاح
بأنه عميل
لإسرائيل ثم
يدعو إلى
الحوار، فعلى
ماذا سيكون
الحوار وبين
من ومن؟ فإذا
كان الحوار
المطلوب هو
بين الموافقين
على إبقاء
سلاح حزب الله،
وخاصة بعد "عرض
الصواريخ"
هذا، فهو لم
يعد إذا دعوة
للحوار بل
دعوة للتأييد،
وما يريده
الحزب فعلا هو
جمع أكبر عدد
من اللبنانيين،
وخاصة من
سيصبحون
نوابا بعد
الانتخابات
القادمة،
لتأييد
الإبقاء على
سلاح نصر الله
مسلطا على
رقاب كل
اللبنانيين
وخاصة على أهل
الجنوب،
والإبقاء على
دويلة حزب
الله ودويلات
أخرى في
المخيمات
(لعدم إخافة
السنة)، بينما
حتى
الفلسطينيين
لا يريدون
ذلك. فهل
سيقدر لبنان
على "بلع" هذا
المخطط
الجديد الذي
يسعى إلى
استمرار عدم
الاستقرار
فيه، مرة
أخرى، ومن من
الممولين سوف
يدفع، وقتها،
فلسا في بلد
يوجه 12 ألف
صاروخ إلى مدن
إسرائيل وقوتها
الاقتصادية؟
وهل باريس
واحد واثنين
وثلاثة... لا
يهمها أين
سيذهب المال "المهدور"
وكيف ستقصف
مثلا من جديد "البنى
التحتية" أو "الفوقية"
هذه المرة لأن
نصر الله أراد
مساندة أحد
المهووسين في
بلد ما من
العالم؟
الكلام
هنا ليس لحزب
الله فهو قد
أتخذ قراره
على ما يبدو بعدم
نزع السلاح،
وجل ما يريده
من
اللبنانيين الموافقة
على مشروعه،
لا بل التطوع
للدفاع عنه
وعدم القبول
بالتخلص منه،
ومن هنا فهو
يدعو إلى ما
يسميه الحوار،
إي كما ذكرنا
سابقا، التجمع
حوله وتأييده
ومساندته في
التصدي للعالم
وعدم تنفيذ
القرار
الدولي 1559
والذي صدر من
أجل التخلص من
سلاحه
وسيطرته أكثر
ما كان من أجل
سوريا،
فسوريا مهما
يكن هي
بالنسبة للعالم
دولة قد يمكن
في أي حال ضبط
تصرفاتها
والضغط عليها،
ولكن جماعة
مسلحة كحزب
الله ليس من
السهل التحكم
بقراراتها
ولا التنبؤ
بتصرفاتها،
وهي بالتالي
تشكل خطرا
فعليا على
السلم في لبنان
والمنطقة. فهل
يعرف
اللبنانيون
وخاصة الذين
يتراكضون إلى
المقاعد
النيابية
اليوم أهمية
المرحلة
الحالية؟ أم
أنهم يخالون
أن كل شيء
انتهى وقد حل
"السلم
الأميركي"
بدل "السلم
السوري" وها
نحن نبدل
البندقية من
كتف الولاء
لسوريا لكتف
الولاء
للعالم الحر
وينتهي الأمر.
الخطر
في العقلية المركانتيلية
التي تسود
أغلبية
الراكضين صوب
الكراسي في لبنان
اليوم،
والذين لا
يزال الوطن
بالنسبة لهم
قرص من الجبن
يجب أن
يتقاسموه
حصصا فيما
بينهم، ولا
فرق بأي سكين
أو منشار أو
فأس يقطع، ولا
على أي طبق
يقدم، ولا حتى
على أية مائدة،
المهم أن تبقى
الحصص ولو ضاع
الوطن.
والنقطة الثانية
في نفوس هؤلاء
هي أنهم لا
يمكنهم العيش
بدون وصي، وهم
يريدون وصيا
بالقوة لكي
يحملوه
مسؤولية أي فشل
وأي قصر نظر
يقدمون عليه
فيبرروا ذلك
بمشيئة "القوة
الوصية"، ولا
يمكنهم تصور
البلد بدون
وصاية أو بدون
مخططات جاهزة
من قوة أكبر
منهم، ومهما
كانت صغيرة
وغير قادرة،
أولم يعملوا
من سوريا
العقل المدبر
لكل شؤون الشرق
وبعض شؤون
الغرب؟ أو لم
يجعلوا من
غازي كنعان ومن
خليفته رستم
غزالة الذين
لم يكن
السوريون
يعرفون
اسميهما أكبر وأقدر
من سلاطين بني
عثمان؟
مرحلة ما بعد
الانتخابات
هي بالفعل
معركة حزب
الله، فهل
تتغلب الحكمة
وينتهي
التسيب ويغلق
الملف وننتقل
إلى البناء
الجدي؟ أم
أننا سنواجه
معركة التعنت
وعدم
المسؤولية، معركة
الانقسامات
الجديدة
ومحاولات
الفلسفة
والتبرير
والتنصل من
المسؤوليات؟
كندا - تورونتو
في 29 أيار 2005