ماذا بعد هذا "النصر المبين"
بقلم/الكولونيل شربل بركات
لقد انتصر حزب
الله في معركته الحاسمة ضد "جبروت" إسرائيل...
نعم لقد انتصرت مقولة المقاومة وتحضيرات السنوات الست. وإلا فما معنى مسيرات السيارات
والأعلام والتهاليل والزمامير؟...
لقد انتصر حزب الله طالما بقي واحد يطلق الصواريخ قبل وقف إطلاق النار. وها هو لبنان
يصبح "مقبرة الأعداء" وملحمة البطولات، وكل ما هنالك من صفات ونعوت تثير الغرائز
وتحمس الجماهير...
سوف نسمع منذ اليوم مزيدا من الخطابات الرنانة والتصاريح النارية والمواقف البطولية.
كل هذا صحيح ولكن يتساءل البعض، هل إن هذا سيطعم خبزا أو يعمر دورا أو يعيد من قتل؟
والجواب هو في ثقافة حزب الله المختلفة عن ما تعودناه على مر العصور. فقد تكون أعداد
الشهداء أهم من أعداد الباقين على قيد الحياة، وقد يكون دمار الأبنية والمنشآت والجسور،
التي هي من حضارة الغرب وثقافة الانحلال والكفر، أهم من بقائها.
وفي منطق حزب الله أن "المال
الحلال" الآتي من إيران وحدها سوف يغدق على كل عائلة تضررت، وسيبنى كل بيت تهدم،
وهذا أقصى ما يمكن أن يطالب به شعب "محروم" أصبح بين ليلة وضحاها محور القتال
الأشرس، ووقود المعركة الفاصلة لزوال إسرائيل وطرد اليهود من فلسطين، أرض الأنبياء،
ورميهم بالبحر. وإن الله الذي سينعم على الشهداء بجناته وحورياته، لا بد راض على
ما جرى، وسوف يساند صاحب القرار بالحرب ويجزيه خيرا.
من هنا لا نرى مشكلة في هذه الحرب ولا في نتائجها، ولا نرى الدمار والخراب الذي يتكلم
عنه البعض، فقد برر السيد نصر الله لإسرائيل الدمار لأنه تعهد بتعميره، و"المال الحلال"
موجود بكثرة وسيوزع بكرم، فلا تخافوا. وليس للبنان أن يطلب من أحد مساعدات وأموال
"مشروطة"، وهو لن يكون بحاجة لأي دعم من الأمم المتحدة ولا من العالم الحر، لأن
أموالهم المشروطة بالسلام والاستقرار لا تجدي نفعا. فأمة حزب الله تنشد الحرب، ومن
قال أنها تريد السلام أو الاستقرار؟ وهي لن تلقي السلاح، فأفواج المقاتلين الجدد
قادمة، وتستعد لخوض معركة جديدة. وقد يكون من الأفضل ألا تبنى البيوت، بل الخنادق،
وألا تفتح المدارس، بل مراكز التدريب على الأسلحة والمتفجرات، فثقافة الحرب أثبتت
نجاحها، لا بل تفوقها وقدرتها على قهر إسرائيل، الشيطان الأصغر، وسوف تكون المعركة
القادمة، بإذن الله، لقهر الشيطان الأكبر. فأبشر يا لبنان ويا "شعب لبنان العظيم"،
لأن أبناءك سيكونون أكثر من يدخل الجنة، وأرضك، أرض الحرب الدائمة، ستعتز بأنها
أكثر من سيشرب الدماء...
السيد نصر الله قاهر الأساطيل ومدمر الدبابات ومسقط الطائرات، أين منه أبطال الحكايات
وفرسان الكتب، فهو من سيجعل لبنان، الذي تمادى الجبناء من أبنائه بوصفه بالضعف
وعدم القدرة، يتحدى أكبر القوى وأعتاها، ويرغمها على التسليم وطلب الصلح. وهو في
النهاية من سيملي الشروط. أوليس هو الرابح المنتصر؟
لا نفهم لماذا التباكي إذا؟ ولماذا قامت المظاهرات في أرجاء العالم تطالب بوقف
القتال؟ أما كان الأجدر بنا أن نعطي حزب الله الفرصة للتخلص من إسرائيل مرة واحدة؟
ولماذا يعترض البعض على هذه الإسرائيل التي تلفظ أنفاسها، فهي سوف تنتهي وتزول تحت
ضربات المقاومة ورجالها.
الأفضل للأمم المتحدة أن تفعل كما فعلت في سنة 2000 فتعيد جنودها إلى بلادهم قبل أن
تغضب المقاومة عليهم وتذيقهم، هم أيضا، طعم المرارة والذل. والأفضل للجيش اللبناني
أن يلزم ثكناته، فهو جيش طري العود لم يتمرس بالقتال كالمقاومة، وليساعد، إذا شاء
أن يكون ذو نفع، بأعمال الإغاثة والإسعاف، لأن لا مكان له في ساحات الوغى، ولا هو
مرغوب به في أرض البطولة.
أما الحكومة التي تحاول استرضاء الأسياد وتجنب مواجهة إسرائيل، فيجب أن تعلم بأنها
لا يحق لها الكلام ولا اتخاذ القرارات، لأن لسيد المقاومة وحده حق التقرير، ولأفواجها
حرية التنفيذ كيفما شاءت. أوليست من أخرج إسرائيل في 2000 ودحرها اليوم بالرغم من
كل الوسائل القتالية التي استعملت؟ بينما لا يقوم هؤلاء المستوزرون إلا باسترضاء
قوى الاستكبار العالمي وأصحاب المال الحرام؛ زبانية الشيطان الأكبر.
حزب الله الخارج منتصرا، سوف يكمل المسيرة، ويا ليته يوسع الصراع هذه المرة، ليفتح
جبهة الجولان وينطلق منها بطلا صنديدا يحرره بكامله، وليس مزارع شبعا فقط. لأن
الدفاع عن سوريا، أرضا وشعبا، من واجبات المقاومة أيضا. ألم تكن سوريا أول من ساهم
في جعل المقاومة البطل القومي ووحد الكل حولها لتصبح الأسطورة؟
أولا يربطنا بها دفاع مشترك؟ فإن
لم تأت هي لمساعدتنا اليوم، فلأننا نحن لم نكن بحاجة لها، ولكنها بالطبع بحاجة
لثقافة المقاومة التي نجحت بتحرير الأرض واستعادة الكرامة، والتي بدونها ستبقى
سوريا تتخبط في دوامة الدولة العاجزة وأساليب الحكم "التقدمي" المتأخرة والتي لم
تجد نفعا طيلة نصف قرن.
فيا لبنان استعد لجولة أخرى من القتال الضاري، وتحضر نفسيا لمزيد من دمار حضارة
الغرب الفاسدة التي شوهوا بها وجهك ودنسوا أرضك، ولتكن أفواج المقاومة بالمرصاد
لكل من يتحرك في غير الاتجاه المطلوب، ولتقطع رؤوس من تجرأ على رموز المقاومة أو
حاول استغلال الفرص للغمز من قناتها، فالمقاومة لا تهادن ولا تنسى، وهي لن تغفر،
فحذار أيها الأعداء، الموت آت لا محال، والساحة ستنظف من كل عميل خائن ومتجرئ وقح،
واللوائح جاهزة للاقتصاص من أعداء الله والأمة.
15 آب 2006