إيران أعطت الضوء الأخضر لميشال عون:مخطط لعزل البطريرك صفير

كتب حسن صبرا

الشراع/6 تشرين الثاني

أعطت إيران الضوء الأخضر لجماعاتها في لبنان لتصعيد حملتها الشرسة ضد البطريرك الماروني مار نصر الله بطرس صفير، اثر التصريحات فائقة الأهمية التي تناول فيها الاكثرية والاقلية النيابيتين، وتحديداً قوى 14 و8 آذار/مارس وسلاح حزب الله وتعارضه مع الديموقراطية.. في حديث خطير للزميلة ((المسيرة)). اعلن فيه لأول مرة ((ان حزب الله يعمل لمصلحة ايران اكثر مما يعمل لمصلحة لبنان))

الحملة الاعلامية ضد البطريرك صفير لن تكون جديدة رغم حدتها المعجونة بنكهة عونية، وتطاول فرنجية، الذي يرشحه انصاره ليكون البطريرك سليمان..

وهي لن تكون وقفاً على التطاول من قبل الخارجين على توجيهاته من المسيحيين، وقد سبق لحزب الله ان بدأ حملة غير مسبوقة اسلامياً على البطريرك العاقل بعد عودته من اميركا في زيارة رعوية خلال حكم الوصاية الكريهة، حيث استقبله مئات آلاف المسيحيين في لبنان، فرد عليها الحزب يومها بمهرجان حاشد تناول فيه أمينه العام حسن نصر الله البطريرك بالاسم متطاولاً عليه وعلى سياسته الوطنية التي وضعت أسس السيادة والاستقلال الثاني للبنان.

الحملة الجديدة التي اطلقت ايران السباق فيها ضد البطريرك، تتخذ هذه المرة طابعاً مختلفاً تماماً.. فإلى التطاول الاعلامي والسياسي، هناك تحرك كنسي داخلي يقوده احد المطارنة المحسوبين على ميشال عون.. بعد ان أوحى بأنه يملك مستندات ووثائق تدين عصر تسلم البطريرك – الكاردينال الماروني صفير سدة البطريركية خلفاً للراحل الكبير البطريرك مار انطونيوس بطرس خريش.

هذا التحرك الكنسي الذي سيعتمد التوجه الى الفاتيكان للاساءة الى البطريرك العاقل يستند الى تحرك ((قانوني)) يقوده احد المحامين الموارنة المحسوبين ايضاً على عون، ويدعمه تحرك احد وزراء المالية من المسيحيين الذين جيء بهم في عهد الوصاية الكريهة..

الثالوث الماروني – الكنسي – القانوني – المالي ضد البطريرك سيجد دعماً وتغطية سياسية واعلامية من وسائل اعلامية مسيحية ايضاً تخضع يوماً بيوم لاتباع الوصاية، وهي موعودة بدعم غير مسبوق من المال النظيف والعفيف والشريف.

إلامَ يهدف هذا التحرك؟

1- انه يهدف اولاً الى اسقاطات سخيفة على سمعة البطريرك النظيفة وموقعه كرمز وطني شامل، والى دوره في قيادة حركة الاستقلال غير المنجزة حتى اليوم، والتي بدأها ببيان المطارنة الموارنة في شهر ايلول/سبتمبر عام 2000 وتفجرت يوم 14 آذار/مارس 2005 اثر اغتيال الرئيس المظلوم رفيق الحريري، رداً على تحدي حزب الله بتظاهرة الوفاء لبشار الاسد يوم 8 آذار/مارس من العام نفسه.

2- وهو يهدف ثانياً وبعد إنجاز الهدف الاول.. الى المجيء بشخصية دينية الى موقع البطريركية تدير ظهرها للسياسة تحت عنوان فصل الدين عن السياسة، ليتسنى لميشال عون تحديداً ان يصول ويجول ويدعي انه بطريرك الموارنة السياسي.. والديني.

3- وهو يهدف ثالثاً وبعد تصعيد عون، الى عزل القوى المسيحية الاستقلالية المتحالفة مع تيار ((المستقبل)) ليسهل مواجهتها سياسياً وشعبياً، او دفعها الى حمل السلاح لمنازلتها في ظل فقدان مرعب للقوى بين القوى المتصارعة وتحديداً بين حزب الله الذي يملك ترسانة اسلحة يستطيع بها بلع الجيش اللبناني وقوى الامن الداخلي خلال ساعات.. وبين ما تبقى من قوى الاستقلال المسيحي.

4- انه يهدف رابعاً الى ترك السنة بقيادة تيار ((المستقبل)) عزلاء من اي سند داخلي، بعد تفرد الثنائية الشيعية بالشيعة، وحياد وليد جنبلاط السلبي بالدروز، وتقديم عون نفسه كحامٍ لحمى المسيحيين، مع عزل قائد القوات اللبنانية سمير جعجع وحيرة ((حزب الكتائب)) بين ((جنة)) السوريين و((نار)) 14 آذار/مارس.

5- هذه الأهداف الأربعة كلها تمهيد لمشروع هيمنة حزب الله رسمياً وشرعياً على الدولة اللبنانية، وإلحاقها بالدولة الايرانية.

6- ترى ايران نفسها ان حجم التناقضات بين مصالحها والمصالح السورية في كل من العراق ولبنان يكبر، وان دمشق التي تملك في بلاد الرافدين جزءاً من ورقة عودة البعث العراقي الى الحياة السياسية حيث أطره السياسية والامنية والعسكرية واعداده المنظمة هي الأكفأ والأكبر والأجدر بجزء مهم من سلطة العراق السياسية.. ستكبر على ايران التي توهمت لسنوات قليلة انها تملك السيطرة الكاملة على العراق.. حتى تبين لها حجم الدور السوري.. وكذلك الأمر في لبنان، حيث تكبر يوماً بعد يوم القناعة الايرانية، بأن إمكانية استعادة سوريا لدور ما في لبنان.. كبيرة، إذا جاءت على حساب الدور الايراني المتصاعد فيه، ويكفي ان تعزل سوريا سليمان فرنجية عن عون في المسألة المسيحية، وفي الموقف من البطريرك الماروني حتى يسقط مشروع عون من أساسه.. هذا اذا تجنبنا الحاجة الاسلامية السنية يوماً ما لسوريا للتوازن مع الهجوم الايراني بكل انواع الاسلحة على المصالح السنية في لبنان سواء محلياً او عربياً.

لذا،

فإن ايران لن تنتظر تكديس دمشق للأوراق من جديد في لبنان، وستعمد الى قطع الطريق عليها بفرض أمر واقع في الوسط المسيحي لتحقيق.. كل ما تقدم.

.. ولفتنة مسيحية – اسلامية في مصر

بقيادة الإخوان المسلمين

أما على الصعيد المصري فقد أعادت محاكمة خلية حزب الله في مصر، المتهمة بالتعدي على سيادة الدولة المصرية وتشكيل تنظيم معادٍ للمصالح المصرية، التذكير بالمشروع الذي تقوده ايران لمحاصرة مصر خارجياً وداخلياً.

محاصرة ايران لمصر خارجياً تمت حتى الآن في المساحات التالية:

1- غزة حيث أقامت حركة حماس (الفرع الفلسطيني للإخوان المسلمين المصرية) امارة اسلامية ظلامية تستند الى دعم ايراني بالمال والسلاح حتى تظل على قيد الحياة لفرض الحصار الشرقي على مصر، يضاف الى الحصار الصهيوني.

2- نظام عمر البشير في السودان، الذي يناقض السياسة والسيادة المصرية في كل أمر، بدءاً من تسهيل مرور الاسلحة الى غزة عبر الاراضي المصرية منطلقة من موانىء وسواحل السودان على البحر الاحمر، وصولاً الى ربط نـزاع مع مصر بشأن مثلث حلايب المصرية على الحدود السودانية، واعتمادها دائرة انتخابية سودانية رغم انها تحت السيادة المصرية، ومناكفة المواقف المصرية في كل المنتديات والمؤتمرات العربية والافريقية.

3- اليمن، حيث أصبح لإيران موطىء قدم داخل اليمن عبر الحوثيين. وموطىء قدم داخل اريتريا (قاعدة متقدمة بحرية وبرية) وموطىء قدم عبر البحار: بحر العرب، باب المندب، البحر الأحمر، وكلها ممرات استراتيجية لمصر وبحريتها وتجارتها وحجاجها.. بحجة حماية السفن الإيرانية لمواجهة القراصنة الصوماليين.

وقد سبق لإيران ان بدأت بحصار مصر والأمة العربية كلها في احتلالها المشترك مع أميركا للعراق الذي كان بوابة الأمة الشرقية وسدها أمام أي غزوات تهدد الأمة العربية من هذا الاتجاه، وباتت سنداً لإسرائيل بعد ان خلصتها إيران من دولة العراق العربية الواحدة القوية. والذي يبدأ بالعراق يهدد الأمن القومي العربي كله.. وتحديداً مصر ذات الأهمية الاستراتيجية الكبيرة سياسياً وجغرافياً وشعبياً واقتصادياً وتاريخياً ومستقبلياً.

((الاخوان)) في الداخل

أما في الداخل المصري، فلا ينكر الوجود الإيراني إلا متجاهل أو أحمق، لأن التنسيق الإيراني مع جماعة الاخوان المسلمين المصرية دخل مرحلة الاستراتيجيا، تحت عنوان ((الاخوة الاسلامية)) منذ ان نجحت حماس بمساعدة إيران بالسيطرة على إمارة غزة صيف عام 2007، ومنذ ان نجحت إيران في اعتماد غزة بوابة تبرير واغواء، لتمرير السلاح عبر مصر، واختراق سيادتها وتخزين أسلحة إيرانية على أراضيها.

ومقابل دعم إيران لحماس في غزة، فإن الاخوان المسلمين تعهدوا دعم حركة حزب الله داخل مصر نفسها، وليس في أرض الكنانة الآن أية جهة سياسية تدعم اختراق الحزب المذكور للسيادة المصرية إلا الاخوان المسلمين، وكتيبة الاعلام الإيراني في مصر التي يقودها محمد حسنين هيكل لحسابات الكراهية للنظام المصري.

والاقباط؟

ربما ليس جديداً الكتابة بأن إيران تسعى منذ فترة لمد يدها إلى المسألة القبطية في مصر بالسوية نفسها التي يعتمدها العدو الصهيوني، وبعض الدوائر الأميركية، استناداً إلى تحرك بعض أقباط المهجر ضد سلطات بلدهم.

فإيران اعتمدت سياسة استراتيجية مع الاخوان المسلمين، بما يتجاوز حماس إلى دور للاخوان في الداخل بتصعيد المناخ الطائفي الذي يذر قرونه، منذ تصاعدت حركة الجماعات الإسلامية في مصر، وسيطرت على نواحي الحياة شعبياً ودينياً وإعلامياً، وبات مقياس الحلال والحرام هو شريعة الحياة كلها أدباً وفناً وطعاماً وملابس وثقافة وسياسة.. حتى دخلت العلاقات مع المواطن المصري القبطي ضمن هذا المقياس: أحلال هي أم حرام؟

هذا المناخ الداخلي الموبوء بالنـزعات الطائفية، هو أحد أمضى أسلحة الاخوان المسلمين، الذين لحظة عجزهم عن مواجهة السلطات الرسمية أمنياً وسياسياً يلجأون إلى التحريض الطائفي لحماية أنفسهم أولاً.. ثم لمناكفة السلطات السياسية والأمنية علها تعطيهم دوراً في مجال ما؟

ولا يستبعد مطلعون على سلوك الاخوان المسلمين داخل مصر، خاصة بعد تحالفهم مع إيران ان يتطور إلى الأسوأ حال الوحدة الوطنية الشعبية في مصر، بين المسلمين والأقباط، استناداً إلى عمليات إرهاب منظمة هنا وهناك تضيع فيها المسؤولية عنها، بنسف كنيسة أو نسف مسجد أو اعتداء على مصلين هنا أو هناك، أو قتل كاهن أو الاعتداء على شيخ أو خطف فتاة مسيحية لتزويجها من مسلم، أو اختطاف فتاة مسلمة لتزويجها من قبطي.. أو كل ما يسهل تفجير برميل الغاز أو النفط بعد توفير النار ودفعها نحوه.

ليس الاخوان وحدهم

غير ان المسألة الإيرانية لا تتوقف عند إمكانية استخدام الاخوان المسلمين أداة لهذه الفتنة التي تهد جبل الأمن المصري وكيان الدولة واستقرار المجتمع، إذ يمكن توظيفها أيضاً لإظهار رجلها في لبنان ميشال عون حامياً لحمى المسيحيين في الشرق.

وقد سبق لعون وبعد عودته ((مظفراً)) من سوريا التي استقبلته سلطاتها الأمنية استقبال الفاتحين، وعقد معه رئيسها بشار الأسد لقاءين هدف عبرهما لتكريسه ممثلاً للمسيحيين في المشرق العربي.. ان حاول عبر صهره المعجزة جبران باسيل أن يدغدغ عواطف الاقباط في مصر، بتسهيل اتفاق مع أبرز أغنيائهم في مصر نجيب ساويروس، لشركة اتصالات خلوية في لبنان بهدف فتح الباب واسعاً أمام عمه ميشال عون داخل مصر عبر الاقباط. لكن ساويروس النبيه سارع إلى إبلاغ السلطات المصرية بالكمين الذي حاول عون مع صهره نصبه له داخل لبنان.

وكنا قد أشرنا في عدد سابق إلى ان حزب الله اعتمد إعطاء تسميات مسيحية لعدد من عناصره ليدخلوا مصر عبر جوازات رسمية شرعية بمساعدة ما من إحدى دوائر الأمن العام اللبناني فيعملوا في قطاعات سياحية يديرها أقباط مصريون لتسهيل حركتهم داخل مصر، واعتبارهم خلايا نائمة تتحرك حين تدعو الحاجة في فتنة مسيحية – إسلامية داخل مصر، تستفيد منها إيران لتوظيفها في الضغط على الحكومة المصرية الصامدة في وجه مخططاتها في المنطقة.

فمصر في أذهان الإيرانيين هي جوهرة التاج العربي والإسلامي وإذا سقطت بين ايديهم حكموا العالم الإسلامي بما فيه العربي، والتقطوا دعوة معمر القذافي حليفهم الخفي لإعادة الدولة الفاطمية إلى أرض الكنانة، فيحكموا مصر بواسطتها!

صفير مؤكداً: لا توافق بين الديموقراطية والسلاح

لم يتأثر البطريرك الماروني مار نصرالله بطرس صفير بالضجة المثارة حول موقفه الواضح والحازم والصريح من سلاح حزب الله الذي عبر عنه في مجلة ((المسيرة)) الأسبوع الماضي.

ويتعاطى البطريرك صفير مع المسألة من منطلق إعلان الموقف مهما كان الثمن والاعتبارات والظروف، وهو الذي اتخذ الموقف سلاحاً منذ سنوات يقارع به كل أنواع الضغوط والتهديدات والأوضاع الشاذة وخاصة مع بيان المطارنة الشهير ضد الوجود السوري عام 2000 مروراً ببيان عشية الانتخابات النيابية في حزيران/يونيو الماضي ووصولاً إلى موقفه بالأمس في ظل المشاورات لتشكيل الحكومة من عدم إمكان تعايش الديموقراطية والسلاح.

وعندما يأتي من يعاتب صفير بين زواره على دخوله في تفاصيل صغيرة وانه أكبر من ذلك ضماناً لعدم استغلال مواقفه، يرد البطريرك بإسهاب وهو يصف الوضع القائم بأنه غير طبيعي.

ويسأل: ساعة حكومة وساعة لا حكومة.. هل نحن غير العالم.. وأنا قلت كما يضيف صفير ان الانتخابات أنتجت أكثرية وعليها أن تحكم وإذا لا فلتشكل المعارضة الحكومة وتقدم برنامجها للحكم.

أضاف: أنا لا أحب أن أكون شكلين: أضمر شيئاً وأعلن شيئاً آخر. نعم، الديموقراطية لا تتوافق مع السلاح فإما ديموقراطية وإما سلاح. وعندما يكون هناك سلاح لا وجود للديموقراطية.

ولما قيل لصفير: لماذا تركزون على سلاح المقاومة ولا تتحدثون عن السلاح الإسرائيلي، أجاب: هذا الأمر (سلاح إسرائيل) متفقون عليه. أما الشكوى فهي من السلاح في الداخل