اذا كنا نريد العروبة بحق ... فلنبدا بلبنان اولا.

بقلم/إهاب نصر

اطل علينا الزعيم وليد جنبلاط منتقدا شعارات الكيانية الضيقة معتبرا انه "لا معنى للبنان من دون العروبة، من دون فلسطين، من دون الوحدة العربية الكبرى مضيفا " مع الأسف عدنا الى الأحياء، الى التعصب، الى المذهبية، وسنرى كيف سنستمر ونعلم الاجيال المقبلة، اننا لم نتعلم على ان لبنان اولا.. تعلمنا على العروبة، الافق الواسع الكبير، ولبنان جزء من هذا الأفق الواسع الكبير"

 

بين الشعارين" لبنان اولا "او "العروبة اولا" يحق لنا كمجموعة من البشر، نعيش على رقعة الجغرافيا هذه، التي اصطلح تسميتها لبنان منذ اتفاقية سايكس بيكو وحتى يومنا هذا، ان نسال عن هويتنا في ضوء كل الاحداث التي عصفت بنا وبمحيطنا طوال ما يقارب القرن من الزمن...

من نحن ومن نكون ...

ما الهم ان كنا نتحدر من اصول فينيقية ام كنعانية ام عربية او ربما نكون نتحدر منها جميعا ما دمنا نعيش اليوم معا على رقعة ارض واحدة نتبادل العلاقات الاجتماعية و الاقتصادية والسياسية والمصلحية... وهنا نسال هل للاوطان وظيفة ما ليكون لها معنى؟ ما هو المعنى لوجود فرنسا او بريطانيا او روسيا او اية دولة في العالم ؟

 

هل هناك هدف لوجود الاوطان اذا لم تحققه ينتفي سبب وجدوها ؟ ام اننا في لبنان تقدمنا في علم السياسة على سائر شعوب الارض و اخترعنا مفهوما جديدا للدولة والوطن سننشره في المستقبل في العالم كله كما سبق و نشرنا الحرف؟

 

ان الوطن يفقد معناه و يزول اذا فرض على ابنائه بالقوة دون رغبة منهم او قناعة بانه يؤمن مصالحهم او اذا لم يكن من عصبية(حسب ما عرفها ابن خلدون) تجمع ابنائه... فهل بعد ست

وستون عاما على استقلال لبنان ما زال هناك من يشكك بمبرر وجوده ككيان مستقل او كدولة ؟

واذا كان كذلك لماذا لا يقول ذلك صراحة... وهل الانتماء الوطني يتعارض مع التكامل العربي؟

وهل يجب اصلا ان تقوم الوحدة العربية على حساب المصالح الوطنية للدول المكونة لها؟ ام يجب ان يشعر كل قطر بان الوحدة تؤمن مصالحه بشكل افضل و تحسن حياة ابنائه وتؤمن مستقبل افضل لهم؟

واذا كانت الوحدة لا تؤمن مصالح شعب في قطر عربي ما، فلماذا عليه ان يقبل بها او يؤيدها، حتى ولو كان منتميا ثقافيا وحضاريا للعروبة و طامحا للوحدة؟

 

وهل اذا رفضها يكون متزمتا ومتقوقعا ومعاديا للعروبة وقضاياها؟

وهل الوطنية الكيانية تتعارض مع معاداة اسرائيل و النظر اليها ككيان غاصب محتل يهدد وجودها؟

ومن قال ان اسرائيل لا تهدد الكيانات العربية منفردة قبل ان تهدد العروبة كفكرة؟

وعن اية عروبة نتحدث؟

فالعروبة في زمن المارد الكبير جمال عبدالناصر لم تستطع ان تنتج وحدة بين قطرين واول من اسقطها هم العروبيون السوريون لانهم اعتبروها تنتقص من كرامتهم الوطنية... والعروبة في اوج الدعوة اليها لم تستطع ان تنتج سياسة خارجية منسقة بين الاقطار العربية فانقسموا بين الشرق والغرب، ولم تنتج مشروع اقتصادي متكامل فانقسموا بين الاشتراكية والراسمالية، واضعف الايمان لم تستطع ان تنتج تكامل على مستوى خطوط المواصلات و النقل البري.

 

والاخطر انها لم تنتج رؤية موحدة لادارة الصراع مع اسرائيل، فاستقالت الانظمة العربية من المواجهة المباشرة ان لم نقل من الصراع ذاته و اصبح تحرير فلسطين مسؤولية فلسطينية وليس عربية، ومن ثم انقسموا حول اداء المنظمة وولائها فقسموها على شاكلتهم واستخدموا بعض فصائلها كاوراق ضغت في لعبة الصراع على النفوذ بين المحاور العربية العربية.

 

وعلى الرغم من الانقسامات فلا بد للحق يقال، ان غالبية الانظمة العربية اجتمعت مع بعضها وتناست خلافاتها  ووحدت رؤيتها الاستراتيجية وتقاطعت مع الغرب واسرائيل حول مدى خطورة الحالة الثورية(اللبنانية الفلسطينية) والديمقراطية ومناخات الحرية التي سادت لبنان والتي كان يمكن ان تصدر الثورة الى معظم الاقطار العربية وتهدد وجود الانظمة فيها، فقررت جميعا تلزيم الملف اللبناني الى كل من اسرائيل والنظام السوري كل حسب دوره وكان اول شهداء وحدة الموقف الطارئة هذه "كمال جنبلاط".

 

فبالله عليكم عن اية عروبة تتحدثون في ظل هذه الانظمة؟ انظمة القتل و الاجرام و الرعب... انظمة الاحكام العرفية و قوانين الطوارئ... انظمة الحزب الواحد والراي الواحد...انظمة السلاطين والملوك... انظمة السجون السياسية والمعتقلات...انظمة الجهل والحقد على المثقفين والاحرار... انظمة التفريط بالحقوق ليبقى النظام...

 

وهل يستطيع الداعين الى العروبة اليوم ان يشرحوها لنا وللاجيال القادمة خارج حدود الانتماء الثقافي و الحضاري؟

وهنا نسال ما هو المشروع السياسي الوحدوي العربي الراهن او المستقبلي الذي يتم دعوتنا اليه؟

 

اخيراً لا يمكن ان تعود فلسطين عربية بدون مشروع عربي موحد لاستعادتها

ولا مشروع عربي موحد يمكن ان يقوم في ظل الانظمة العربية الحاكمة.

ولا يمكن تغيير الانظمة الا بارادة الشعوب في كل قطر عربي.

 

ونحن في لبنان لا نستطيع ان نبقى شعبا بلا وطن او انتماء او عصبية كشرط لقيام الدولة، خلافا لكل الشعوب في الاقطار العربية...

فاذا كنا نبحث عن هوية عربية جامعة بالمعنى السياسي متجاوزين حدود الدول والاقطار فلنبدا بالبحث عن هوية وطنية جامعة متجاوزين المذاهب والطوائف ...

فلنبدأ ببناء دولة تحترم حقوق الانسان والحريات العامة والديمقراطية ، دولة تقوم على المؤسسات و يحكمها القانون ... كنموذج للعروبة التي نصبو اليها...

 

اذا كنا نريد العروبة بحق ... فلنبدا بلبنان اولا.

 

2 تموز 2009