ما بيعرف شو الحكاي غير اللي دايق المغراي

بقلم/لبناني مقهور وراح يطق من القهر

 

نيالك يا لبنان على ما تحصده من انتصارات وانجازات لم تشهدها ساحتك منذ استقلالك عام 1943 وحتى الأمس القريب. فبعد انتصارات نصرالله التي سماها إلاهية وصداها لا يزال يتردد في أودية الأوهام والكذب والرياء والدجل، جاءت انتصارات رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان في دمشق مدوية.

 

فالرجل غادر عاصمة الأمويين بخفي حنين وعاد خاوي اليدين. كنا متوهمين توقعنا أن يعود ومعه على نفس الطائرة الرئاسية كل المفقودين والمأسورين والمعتقلين والمخفيين والمخطوفين في زنازين النظام السوري منذ ما يزيد عن ثلاثين سنة.

 

كنا نحلم وأيضاً متوهمين أن الرئيس سليمان سيسحب كل أبنائنا من بين أنياب الأسد ويعود بهم إلى وطن الأرز ظافرا مكللا بالغار، فنقيم له عرس النصر فرحاً بعودة أهلنا الذين طال غيابهم.

 

إلا أنه وللأسف عاد وفي جعبته فقط أوراق الاعتراف السوري الرسمي بلبنانية مزارع شبعا، ولكن دون ترسيم حدودها في الوقت الرهن، وذلك بانتظار تحريرها من الإسرائيلي، علما أن المزارع تلك كانت محتلة من قبل سوريا منذ منتصف الخمسينات وسقطن بيد الإسرائيلي مع الجولان في حرب 1967.

 

كما عاد بوعد فتح سفارة سورية في لبنان السيد الحر المستقل وبقائمة أسماء سوريين مرشحين لمنصب السفير على أن يختار منهم لبنان الدولة من يرتاح إليه من نظاف الكف إن وجدوا ... 

 

ذاك كان الحلم والأمل والرجاء لكن دوما لا تأتي رياح دمشق بما تشتهي سفن لبنان. صحيح أن سليمان والأسد توافقا على إقامة علاقات دبلوماسية بين البلدين ما يعني بمفهومنا اللبناني وبالمشبرح عودة التغلغل المخابراتي السوري إلى وطننا بغطاء شرعي دولي اسمه التبادل الدبلوماسي.

 

في الخاطر سؤال وجيه وهو أنه إذا كانت تحركات المخابرات السورية وكل المتعاملين معها على الأرض اللبنانية مقيدة وعرضة للرقابة والمساءلة كما يدّعون، ويحصل ما يحصل من أعمال إرهابية تستهدف المواطنين والجيش الوطني على حد سواء كما حصل مؤخرا في طرابلس الحزينة قبل ساعات من زيارة سليمان إلى سوريا في رسالة كتبت بدم العسكريين والمدنيين معا لإفهامه أن لا خطوط حمر وأن ما تقرره دمشق سينفذ وإلا ... فكيف سيكون الحال بوجود السفارة وعشرات القنصليان في كافة المناطق؟

 

هل باستطاعة أحد أن يجيب عن سؤالنا كيف سيكون الوضع عندما تحظى هذه المخابرات بحرية التحرك في تنقلاتها وبحصانة دبلوماسية بعيدا عن المساءلة والشكوك؟

 

نحن الذين وعن غباء ندخل مغارة الوحش بأرجلنا، ونُدخل الذئب إلى حظيرة أغنامنا بأيدينا. نعم هذا هو الواقع المؤلم فنحن أمام إرهاب سوري منظم سينطلق من سفارة يطبل لها العالم ويزمر.

 

تستحضرني هذه الرواية عل من لا يفهم خوفنا من العلاقة مع سوريا أن يعي الأمر: يحكى أن نجارا عاش على   طرف الغابة وكان كل يوم يضع وعاءً من الحليب الساخن على حافة الشباك ليبرد ويعود بعد قليل فلا يجد حليبا، فقرر معرفة السارق ووضع غراء على حافة الشباك حول الوعاء واختبأ، وإذا بقرد صغير يقفز إلى حافة الشباك ويجلس على الغراء ليشرب الحليب كالعادة فالتصق قفاه بحافة الشباك وخرج إليه النجار وجعل يضربه بالعصا ويحذره من العودة إلى شرب الحليب. ومن يومها أصبح القرد يكره الحليب ويردد قولا مفاده "وما حدا بيعرف شو الحكاي إلا اللي دايق المغراي ".ونحنا نرضى أن نكون قرودا ونكره الحليب السوري وكل ما يمت إلى سوريا بصلة لأننا ذقنا "المغراي" لسنوات طويلة وأصبحت أقفيتنا أحمر من قفا القرد.

 

أما انتصارات الرئيس سليمان المحكي عنها في الإعلام "المدوزن على النوتة السورية"، فأقل ما يقال فيها أنها وهمية رغم كل الأصداء الإيجابية التي لاقتها داخل المربع السياسي المتحكم برقاب الناس والذي أصبح أداة طيعة بيد التحالف السوري الإيراني وأدواته في لبنان.

 

هذه الانتصارات "السليمانية" تضاف إلى انتصارات السيد حسن نصرالله الإلهية المزعومة في حرب تموز والتي كما يقول القائد الإلهي لا زالت تداعياتها تتفاعل حتى الآن في إسرائيل سياسيا وعسكريا واستراتيجيا. في حين أن الشعب اللبناني باستطاعته أن يقول إن حرب تموز 2006 كانت إيجابية بالنسبة إلى لبنان ومثمرة، فقد أنعشت الاقتصاد، وعومت البلاد بالمال،وخلصتها من الديون المترتبة عليها، وفتحت المجال أمام اليد العاملة اللبنانية، وبدأت الاستثمارات والمشاريع تنهال على بيروت، وحصنت البلاد، وبنت البنى التحتية وأقامت الجسور ... والموتى من القبور وتطول القائمة وتطول!!

 

الحقيقة أن إيجابية وحيدة ترتبت على حرب تموز بالنسبة للبنان هي إبعاد حزب الله عن الحدود مع إسرائيل، لكنها لم تكتمل بنزع سلاحه ما جعل هذا الجيش الإيراني في لبنان  يلدغ نفسه كالعقرب عندما لم يجد من يلدغه جنوبا، فاستدار إلى الداخل موجها أسلحته نحو اللبنانيين الذين يدعي حمايتهم من عدو يسميه ما يراه مناسبا من صهيوني إلى انعزالي فامبريالي، إلى ما هناك من وساوس وأمراض نفسية يعانيها وكوابيس يراها في منامه ويقظته.

 

 كلمة حق لا بد من تكرارها وهي أن سلاح حزب الله قنبلة موقوتة عدادها يسير مسرعا وطاولة الحوار التي يتكلمون عنها يجب أن يكون موضوع السلاح  بندا أول عليها لأننا أمام أمرين لا ثالث لهما. إما أن يخضع حزب الله لمطلب الغالبية ويبحث بجدية في مصير سلاحه وحصر السلاح بيد الدولة وحدها، أو أنه سيكمل مخططه الانقلابي ويواصل العبث باستقرار البلاد مستخدما سلاحه اللاشرعي ضد اللبنانيين الذين يأبون الرضوخ لأفكاره المستوردة من خزائن العفن الملالية في إيران .

 

ويبقى أن عنتر سيبقى متعنترا طالما لم يجد من يرده إلى حجمه الطبيعي، بالله عليكم أريحونا من عنتر وعنترياته ليرتاح البلد.

 

بيروت في 20 آب/2008