الاستغاثات العونيّة ليل الأحد ـ الإثنين  ذكّرت "حزب الله" بـ"ورقة التفاهم" فاستُحضرت لوظيفة جديدة

عون يغطّي الآن محاولة ضرب الجيش

المستقبل - الاحد 3 شباط 2008

نصير الأسعد

على دماء ضحايا "الأحد الأسود"، وفي ظلّ التداعيات الخطيرة على المؤسسة العسكرية وعلى مجمل الوضع اللبناني.. وعلى المبادرة العربية، أطلق "حزب الله"، و"التيار العوني" نكتةً سمجة عن صمود "ورقة التفاهم" بينهما وعن "فاعليّتها".

 

"الورقة" تسقط في عين الرمانة

لم يكن مستغرباً أن "يستحضر" الحزب "ورقة التفاهم" هذه، اعتباراً من ليلة الأحد ـ الإثنين الماضية. فـ"الورقة" سقطت باقتحام عين الرمانة "المسيحية" من جانب محازبيه، وبإقدامهم على شتم وإهانة سكّان ذلك الحيّ، بحجّة "ملاحقة القناصة القواتيين" كما قال أحد مسؤولي الحزب لإحدى الصحف قبل أن يتراجع هو نفسه عن هذا القول في مداخلة تلفزيونية.

 

أحدث إقتحام عين الرمانة "المسيحية" ضعضعة في صفوف "التيار". إنهالت نداءات الاستغاثة من "التيار" على الحزب: ماذا تفعلون؟ ماذا تفعلون بنا؟ انكم تقوّضون وجودنا! انكم تضحّون بنا وتكشفونا عند المسيحيين!.

 

لذلك، فأن يعود "حزب الله" إلى إستحضار "ورقة التفاهم" فمعناه محاولة إستدراك خطأ قاتل إرتكبه إذ أدخل نفسه في مواجهة مع البيئة المسيحية، ومعناه محاولة تعويم الحليف العوني.

"الورقة" غطّت سلاح الحزب على الحدود وفي الداخل

امّا الاستحضار من الجانب العوني فهو إستحضار لـ"كذبة كبيرة".

 

على امتداد سنتين هما عمر "الورقة"، ادّعى الجنرال ميشال عون وتياره انّ لها وظيفتين. الأولى هي "الجواب اللبناني" على القرار 1559. والثانية هي حماية المسيحيين عبر التفاهم مع طرف إسلامي مسلّح وبإخراج المسيحيين من دائرة الصراع حول هذا السلاح بما انّ "الورقة" تضعُ له حلاً بحسب مزاعم "التيار".

إنهارت "التنظيرات العونية" بشأن "الورقة" تباعاً خلال العامين المنصرمين.

 

فإذ ربطت مصير "سلاح حزب الله" بإنجاز تحرير "ما تبقى من الأرض اللبنانية" وباستعادة الأسرى في السجون الإسرائيلية، أعطت "الورقة" بركةً مسيحية لاستمرار هذا السلاح إلى أمد "غير منظور". وفي هذا السياق، قدّمت "الورقة" غطاءً مسيحياً للعملية التي نفّذها "حزب الله" في 12 تموز 2006 خارج "الخط الأزرق"، وهي العملية التي فجّرت حرباً إسرائيلياً على لبنان، كان معروفاً سلفاً انّها ستحصل لو جرت أيّة "حركشة" من جانب الحزب.

 

ثمّ إذا كان الجنرال وتيّاره لا يملكان شجاعة قول حقيقة ما تعنيه "الورقة"، فانّ "حزب الله" أوضح فحواها مراراً بتأكيده انّ سلاحه باقٍ "إلى أن تقوم الدولة القوية القادرة"، كاشفاً بذلك المعادلة غير القابلة للتحقيق. فالدولة القوية القادرة تقوم عندما يدخل الجميع فيها ويضع كلّ "ممتلكاته" بتصرّفها.

وخلال عامَي 2006 و2007، غطّت "الورقة" إستدارة الحزب إلى الداخل. واللبنانيون جميعاً يعرفون انّ قدرة "حزب الله" على تحدّي الداخل واستنزافه تعود إلى كونه طرفاً مسلحاً، وهو عندما يهدّد يستند إلى فائض القوة الذي يحاول تصريفه داخلياً. ولا إمكانية لـ"صمود" المشروع الإنقلابي طيلة هذه المدّة لولا انّ "حزب الله" يمتلك القوّة المسلّحة، ويمتلك بنية "دولة" خاصة به.

 

..وغطّت تعطيل الرئاسة

ثم جاء وقت الإستحقاق الرئاسي. والجميع يعرف تمام المعرفة انّ إنتخاب رئيس الجمهورية، في الظرف اللبناني المعلوم، كان يفترضُ أن يشكّل محطّة أساسية نحو إستعادة الحياة إلى المؤسسات الدستورية، ونحو ترسيخ الدولة. وهنا ليس فقط غطّت "الورقة" خطّة تعطيل الإستحقاق بشتّى الصيغ والشروط، بل تولّى الجانب المسيحي العوني من "الورقة" رعاية تعطيل الموقع المسيحي الأول في الدولة، الموقع المسيحي الأول في الشراكة الوطنية.

وإذا كانت نظريّة "التفاهم" تدّعي انّ "سلاح حزب الله" يرتبط بقيام الدولة، فها هي التجربة تفيد انّ "التيار العوني" يشارك "حزب الله" في "مشروع" منع قيام الدولة.

 

إستحضارها بعد سقوط نظريّة حماية المسيحيين!

الآن، أي في الآونة الأخيرة، باتت "ورقة التفاهم" تقدّم تغطيةً لعناوين خطيرة جداً.

من أبسط الأمور القول إنّ التأكيد عليها من جانب طرفيها، يتمّ في لحظة انتقال "مشروع" تعطيل الانتخابات الرئاسية إلى مرحلة هزّ السلم الأهلي في لبنان.

ومن أبسط الأمور أيضاً القول إنّ استعادة الحديث عنها من قِبل الطرفين، تتمّ في ظلّ القرار المأخوذ عنهما في دمشق ـ وطهران ـ بنسف المبادرة العربية.

 

..في لحظة الإنقضاض على الجيش

لكن ليس من أبسط الأمور القول إنّ استعادة الطرفين الحديث عن "ورقة التفاهم" تتمّ فيما أحداث "الأحد الأسود" تقدّم البرهان على انّ هذه "الورقة" لا تحمي المسيحيين في مناطقهم وأحيائهم، وخصوصاً جنوب طريق الشام.

 

والأخطر ممّا يجب الانتباه إليه، هو انّ إستحضار "ورقة التفاهم" يتمّ في لحظة الهجمة الشرسة من جانب "حزب الله" على الجيش، في لحظة الإنقضاض على المؤسسة الأولى الضامنة للدولة وللسلم الأهلي.. وفي لحظة يعلن "حزب الله" على لسان أحد مسؤوليه انّه "مقاومة" حتى في الضاحية وانّ قمع الشغب في هذه المنطقة بمثابة تعرّض لـ"المقاومة"(!).

 

فليس أمراً "طبيعياً" أن يعود "التيار العوني" إلى "الورقة"، بالتزامن مع اعتداءات مسلّحة متكرّرة على مراكز للجيش في ضواحي بيروت. وليس "طبيعياً" أن يحتفل "التيار" اليوم في كنيسة مار مخايل بذكرى عامين على "الورقة" فيما منطقة الكنيسة شهدت وتشهد الاعتداءات على الجيش. وليس "طبيعياً" أن يصمت "التيار" حيال الضغوط التي يمارسها حليفه "حزب الله" على التحقيق في أحداث "الأحد الأسود".

 

كلّ ذلك ليس طبيعياً في موازاة انتقال "حزب الله" إلى إسقاط رئاسة العماد ميشال سليمان، ومحاولته تأكيد حضور "دولته" على حساب "الدولة".

 

"تصفية الحساب"

لابدّ إذاً من "تصفية الحساب" مع هذه المسمّاة "ورقة التفاهم".

 

كانت في السنتين الماضيتين غطاءً لـ"سلاح حزب الله" على الحدود وفي الداخل (حيث السلاح ميليشياوي بامتياز). وكانت غطاءً لإنقلاب مستمرّ على الصيغة والنظام. وكانت غطاءً لتعطيل الدولة والمؤسسات.

 

واليوم، هي غطاءٌ لا يحمي المسيحيين. وغطاءٌ للإنقضاض على الجيش وضربه. أي غطاءٌ لضرب الحماية الوحيدة للبنانيين بكلّ طوائفهم، أي الجيش. و"المغطّي" هنا هو الإبن "البار" للمؤسسة العسكريّة!.

 

طبعاً، لا يرى الجنرال عون إلا نفسه. ولا يفكّر إلا في مداراة مآزقه منذ أن وضع نفسه بتصرّف معركة النظام السوري وحلفائه. ولا ينظر إلا إلى مصالحه الخاصّة وهو الذي عاد من المنفى مكبّلاً بالتزامات مسبقة.

 

لكن ذلك شأنُه. أمّا شأن اللبنانيين، والمسيحيين خصوصاً، ليس أن يكتفوا بـ"الضحك" لدى ذكر "ورقة التفاهم"، بل أن يعلنوها "ورقة سوداء" وأن يرموها "حيث يجب".