نصر حماس أيضاً

حازم الأمين

الجمعة 7 آذار 2008

يبدو ان "حزب الله" دشن في شهر تموز (يوليو) من العام 2006 فهماً جديداً لـ "النصر". فها هي "حماس" تعلن أيضاً من غزة نصر"ها" في الحرب "المحرقة" التي شنتها إسرائيل على القطاع وسكانه. والـ "نصر" الذي أعلنته حماس ابلغ دلالة من ذاك الذي أعلنه حزب الله في العام 2006، لكنه ينتمي الى الثقافة ذاتها التي لا تقيم وزناً في تقويمها النصر والهزيمة لعشرات ومئات من القتلى الذين قضوا على مذبح هذا النصر.

 

الـ "نصر" بمعناه الجديد، ذاك الذي افتتحه "حزب الله" في تموز 2006 سيكون سمة الزمن الجديد. ربما سيستعاض به عن دولة الرفاه، وعن القوانين والدساتير. سنعيش في ظله، وبدل أن ندفع الضرائب ستتولى إيران تمويل أشكال عيشنا المقبل.

 

 ولكن أي عيش؟ فـ "الانتصارات" هذه يحتاج الواحد منها لكي يكون نصراً الى ما يفوق المئة قتيل، ولكي ننعم بعيشنا في ظل "نصر" ما يجب ألاّ نكون من بين المئة قربان أو اكثر الذين سيقدمون على مذبح ذلك الانتصار. كما علينا ألاّ نكون من بين آلاف المصابين في غمرة ذلك النصر، وأن تنجو منازلنا ومدارسنا وأولادنا وأقاربنا.

 

إذاً هامش السعادة ضيق جداً في ظل مجتمعات النصر "الحزب اللهي" و "الحماسي"!

ليس معظم هذا الكلام تهكماً. ففيه الكثير من الحقائق، فلندقق فعلاً في الظرف الذي أعلنت فيه حماس نصرها في غزة. فهي أعلنته في أعقاب سقوط نحو 150 قتيلاً فلسطينياً، وعلى شفا مجاعة وشيكة في قطاع غزة من جراء الحصار الإسرائيلي. لكن يبدو ان هذه العناصر ليست جزءاً من حسابات الربح والخسارة والنصر والهزيمة في عرف "ثقافة" النصر التي افتتحنا بها زمننا. المهم أن العدو لم يقض على "حماس". هذه الحقيقة هي جوهر ثقافة "النصر".

 

 ولكن هذه المعادلة تستبطن فصلاً مريراً بين "المنتصر" وبين البيئة التي تحتضنه. انتصرت "حماس" وانهزم أهالي غزة. انتصرت "حماس" وتراجعت الآمال في دولة فلسطينية. انتصرت "حماس" ودُمرت بقايا البنية التحتية للقطاع. والأهم أن انتصار "حماس" لم يترافق مع هزيمة إسرائيل.

الدعوة إلى التبصر والتدقيق قبل إعلان النصر لا تستبطن اعترافاً بانتصار إسرائيل، فكثيرة هي الحروب التي لا منتصر فيها، لكن الدعوة هذه محاولة لرفض التأسيس على "انتصارات" من هذا النوع. فما يراد لنا من خلال هذه "الانتصارات" هو قصر وعينا على هذا النمط من العيش، وأن تتحول الحروب إلى وتيرة عادية ومألوفة. ألسنا نحن من ينتصر فيها؟ ففي العام 2006 ثمة من حاول منعنا من الحزن على من أتت الحرب عليه من بيننا، وسارعت دول بأموالها "النظيفة" لتبني إعادة الإعمار لا لتعويضنا بل لتعويدنا على احتمالات دمار مقبل.

 

غزة سقطت اليوم في مصير مشابه. فهي محاصرة بآلة قتل إسرائيلية عمياء من جهة، وبرغبات في استدراج هذه الآلة إلى مزيد من القتل من جهة ثانية. موت الغزيين هو الوقود الذي تحتاجه تلك الآلة لكي تعمل، وهو أيضاً وقود الـ "انتصارات" العتيدة.

"النصر" بهذا المعنى هو "الثقافة" التي يُراد لنا ان نعيش في ظلها في المرحلة المقبلة. هو ما يراد لنا ان نواجه فيه هزيمتنا الحقيقية واليومية، وهو ما يراد لنا أن نستعيض فيه عن طموحاتنا في دول عادلة ومستقرة. انه هاويتنا الجديدة.

 وأن يخلّف هذا "النصر" قتلى ودماراً وحروباً أهلية وانهيار دول، فهذا متروك إلى ما بعد "النصر الكبير"!

 

*عن موقع لبنان الآن