لا يحق لك

بقلم/غسان شربل

 

الحياة - 24/11/07//

 

غسيل الجمهورية منشور على الفضائيات. أدرك المشاهد أمس لذة أن لا يكون لبنانيا. ربما شعر بقدر من التعاطف. لم يحدث أن أهين شعب كما أهينت هذه الجزر التي نسميها اصطلاحاً الشعب اللبناني. أن تكون لبنانياً يعني أن تسبح. في دم الدستور. في بحار الذل. في المستنقعات المعتمة للأعجوبة اللبنانية. واحياناً في دم جيرانك. ودم أبنائك. لذة أن لا تكون.

 

لا يسعنا إلا تقديم التهاني للسيد فراغ بمناسبة انتخابه رئيساً للجمهورية. ومن يدري فقد يكون رئيساً ناجحاً. دستورياً وشرعياً وميثاقياً. نظيف الكف. عفيف اللسان. يرحم الدستور. يشفق على المال العام. يحب الوحدة الوطنية. ويكره العدو الصهيوني. ويستقبل السفير الاميركي. وقد يحبه المواطنون. لا يمطرهم يومياً بمحاضرة عن العيش المشترك. ولا يهدّدهم بمطاردة الفاسدين في أزقة الجمهورية. ويعفيهم من خطاب القسم. ونفقات الرحلات الخارجية لشرح القضية اللبنانية. وهي لا تحتاج شرحاً. مفاتن الجمهورية منشورة على الفضائيات.

 

زادتني مبادرة العماد ميشال عون حباً للسيد فراغ. كنت أتوقع أن تسقط الرئاسة كالثمرة الناضجة في يده. عاد الجنرال من المنفى. تناسى الناخبون ملابسات مروره في القصر بعد الفراغ الأول. منحوه ثقتهم. وهو مستحق. وطنيته صافية. نزاهته ليست موضع شك. أعطوه كتلة نيابية محترمة. وصفة الزعيم الأكثر تمثيلاً في طائفته. شطبوا صفحة الظلم الذي أُلحق به. وتناسوا بعض الظلم الذي قد يكون ألحقه بالجمهورية بسبب دوي تصريحاته ودوي مدافعه.

 

عندما أبرم عون تفاهمه الشهير مع «حزب الله» اعتبرته خطوة جريئة يمكن البناء عليها. وعندما دعا الى وقف مناخات العداء لسورية بعد انسحاب قواتها توسمت خيراً. توقعت أن يستكمل هجومه الحواري في اتجاه «تيار المستقبل» والحزب الاشتراكي و «القوات اللبنانية». وتوقعت ايضاً أن ينطق عون بالجملة الذهبية المفتاح وهي أنه يريد إنقاذ الجمهورية ولا يريد رئاستها. ولو فعل لسقطت الرئاسة في يده. لكن الجملة التي تعذَّر على عون قولها في 1988 تعذَّر عليه قولها في السنة الحالية. اختار عكس المطلوب. تصريحات نارية وفتح جروح ودفاتر ومقابر. خسر فرصته وخسرت الجمهورية رجلاً كان يمكن أن يكون فرصتها.

 

كان يمكن أن يكون منقذ الجمهورية. عراب سلامتها. وربما رئيسها. وكنت أتوقع أن يفعل. من يشتهي الرئاسة والقصر بعد ما حل بهما؟ وهل يجوز لمن يستدعيه وطنه للعب دور المنقذ أن يشتهي دور الرئيس؟ لنترك التمنيات جانباً. يبقى من حق العماد عون أن يكون مرشحاً للرئاسة. وأن يحاول إقناع الآخرين بتأييده. وتمنيت شخصياً لو أن النائب سعد الحريري أبلغه مثل هذا التأييد في لقائهما الأخير لكن ذلك لم يحصل.

 

يحق للعماد عون أن يكون مرشحاً. لكن من واجبه أن يلتزم الأصول الديموقراطية. والواقع ان مبادرته قد فجعت عدداً غير قليل من مقدريه. مبادرة عجيبة وغريبة. يضاعف غرابتها صدورها عن رجل يتَّهم الآخرين بانتهاك الدستور ومنطق الدولة والمؤسسات. بأي حق يدعو العماد ميشال عون النائب الحريري الى اختيار رئيس الحكومة؟ من قال له إن اللبناني يقبل ذلك؟ ومن أعطاه الحق في تقديم عرض من هذا النوع؟ وبأي حق ينتزع لنفسه حق اختيار رئيس الجمهورية؟ وإذا كان يهاجم الغالبية بسبب ما يسميه افتقارها الى التفويض فمن أين جاء بهذا التفويض لتوزيع المواقع والبرامج والمهل؟. أين التفويض يا جنرال؟ وأين الدستور؟ وأين اتفاق الطائف؟.

 

لا أريد أن اصدِّق انك كنت تقبل بمثل هذه المبادرة لو أطلقها غيرك. لا أريد أن أصدِّق انك تغسل يديك من أحداث مؤلمة آتية وبذريعة أن مبادرتك قد رُفضت. لا يحق لزعيم بحجمك أن يفعل ذلك. لا يحق خصوصاً لمن تسلَّم السيف وأدّى القسم. اذهب اليوم أيها الجنرال. في اتجاه المختارة وقريطم ومعراب. لا يحق لك الاستقالة من دور المنقذ. لن يرحمك التاريخ إن فعلت.

 

وإذا تمسكت بمبادرتك الإنقاذية اقترح اضافة بند جديد اليها. يتعهد الرئيس الذي يختاره العماد عون ورئيس الحكومة الذي يختاره سعد الحريري بفتح الأبواب على مصراعيها لهجرة اللبنانيين وتوظيف مساعدات باريس-3 لتوطينهم في كندا واستراليا. ومن يدري فقد يغادر جميع اللبنانيين ويبقى القصر وحيداً.

اذهب أيها الجنرال. مثلك ينقذ الجمهورية ولا يتلاعب بدمها