عون - حزب
الله: والضدّ
يُظهر...
حازم
صاغيّة
- الحياة - 03/09/06//
ماذا لو
اقتُرح على ميشال عون
إجراء
تعديلات في
توزيع
المناصب
السياسيّة
بحيث تُمنح
رئاسة
الجمهوريّة
للشيعة بوصفهم
الأكبر عدداً
بين الطوائف؟
نؤجّل
الجواب
قليلاً عن هذا
السؤال-الافتراض
لنلاحظ أن في
لبنان
حاليّاً
طرفين
يمارسان التزوير
الذاتيّ: ميشال
عون وحزب الله.
كلٌ
منهما ينتحل
لنفسه صفة
ليست صفته: عون
حين يتحالف مع
«الحزب» ويبدي
اهتماماً
خاصّاً
بالشيعة، و»الحزب»
حين يتحالف مع
عون ويصرّ على
عدالة
التمثيل
المسيحيّ.
وما لا
شكّ فيه أن
العنوانين،
أوضاع الشيعة
وتمثيل
المسيحيّين،
يملكان قدراً
كبيراً من الصدقيّة،
بيد أن صاحبيه
لا يملكان
القدر نفسه. ويمكن
الرجوع الى
ما قاله كلٌّ
من الطرفين في
الآخر على مدى
السنوات
الماضية، فإن
لم يكن هذا
كافياً للاتّهام،
استوقفتنا
طبيعة كلّ منهما
مقروءةً من
موقع الطرف
الآخر.
فميشال
عون، أقلّه في
ما يقول
ويقوله محازبوه،
تجسيد لدولة
لا تجاورها
دويلة. وهذه
الصرامة
منشؤها في
ماضٍ عسكريّ
حيث الحرص
فائض على
احتكار أدوات
العنف
والقوّة. ثم ان قائد
الجيش السابق
كان، طوال
حياته
السياسيّة
غير
الموفّقة،
يحتلّ الموقع
النقيض لموقع
القوّتين الشيعيّتين
الأساسيّتين،
حزب الله
وحركة أمل. وهو
تباين بلغ
أوجه مع
القرار 1559 الذي
نسب العونيّون
الى
أنفسهم الدور
الأساس في
صنعه.
أما «الحزب»
فيمثّل
النقيض
الكامل لكلّ
ما درج عليه
عون ومن ورائه
الموقف
التاريخيّ
للمسيحيّين:
فهو
بتكوينه
وعضويّته وشعاراته
حزب مذهبيّ - أصوليّ،
ارتبطت نشأته
بالدعوة الى
إقامة «جمهوريّة
إسلاميّة»، أي
شيعيّة، في
لبنان،
وارتبطت
بداياته بتهجير
المسيحيّين
من الضاحية
الجنوبيّة،
مسقط رأس عون
نفسه. وهو،
كجيش أقوى من
الجيش
اللبنانيّ،
وثيق الصلات
بسوريّة وإيران،
يحرّك في
المسيحيّين
أعمق
مخاوفهم، كما
يهدّد (وقد
نفّذ تهديده
فعليّاً) بزجّ
لبنان في صراع
إقليميّ لا
قيامة للبلد بعده.
وما
السياسات
المسيحيّة
منذ ولادة
لبنان الحديث
سوى محاولة
تصدٍّ لهذا «الزجّ»
أسُمّي «وحدة» أم
«تحريراً». ولئن
ارتبط لبنان،
في نظر المسيحيّين،
بدور اقتصاديّ
وماليّ وسيط،
فإن الرساميل
العربيّة – التي
تحول دونها
قوّة حزب الله
– هي التي تتيح
دوراً كهذا.
وحبّ
النقائض قد
ترافقه رغبة
في تعذيب
النفس، وقد
تعبّد طريقه
وعود ضخمة
ورهانات
مرتجاة. فـ»الحزب»،
عند الجنرال،
هو الممرّ الى
رئاسة
الجمهوريّة،
والجنرال،
عند «الحزب»،
ممرّه الى
كسر العزلة
المحيطة
ببندقيّته. لكنّ
الممرّ
الأوّل، في
تشعّب طرقه ما
بين غزّة
وطهران، قد لا
تبقى بعده
جمهوريّة
أصلاً، وهذا
علماً بأن عون
لا ينقصه
الاستعداد
لأن يصير رئيس
لا-جمهوريّة
إن عزّت
الجمهوريّة. وأما
الممرّ
الثاني فقد
يتغلّب «الحزب»
من خلاله على
مأزقه
اللبنانيّ،
إلاّ أن
المآزق الأخرى،
من إقليميّة
ودوليّة،
تستدعي عوناً
من نوع آخر.
وهناك
ما يجعل تسويق
النقيض عند
جمهور نقيضه
ممكناً، وإن
كانت مهمّة «الحزب»
في ذلك أسهل. فالأخير
يوصف بأنه أول
من هزم
إسرائيل فيما
عون هو أول
وآخر من انهزم
أمام سورية،
بعدما قارب
الهزيمة أمام «القوّات
اللبنانيّة». أبعد من
ذلك أن الحصول
على دعم عون
لا يكلّف «الحزب»
شيئاً يتجاوز «لقمة
البطن» إطراءً
من هنا
وتلويحاً
بالقصر
الرئاسيّ من هناك.
والدليل أن «الحزب»
ابتدأ حربه
كما لو أن لا
عون ولا من
يحزنون، واستطاع،
رغم هذا، أن
يسمو بتفاهمه
مع عون الى
تحالف كما لو
أنه لم يخض
حربه. بيد أن
الجنرال
مدعوّ الى
بذل جهود أكبر
لإقناع
المسيحيّين
بأن يتحمّسوا
لمشروع يُفنيهم
ويُفني
جمهوريّتهم
وجمهوريّة
باقي اللبنانيّين.
وللغرض هذا،
لا بدّ من
إبقاء
الغرائز
الطائفيّة
مُستنفَرة
حيال السنّة والدروز،
وإبقاء
الغرائز العصبويّة
مُستنفَرة
حيال «القوّات
اللبنانيّة». وهي
مهمّة يصعب أن
تجد جمهوراً
يصدّقها لولا
الآلام والإحباطات
التي أنزلتها
سنوات الحرب
بالمسيحيّين
فجعلتهم
يصدّقون ما لا
يصدّق. فهل
يعقل، مثلاً،
أن تتقدّم الى
الواجهة
مشكلات
الفساد والبناء
والوظائف،
على أهميّتها
الكبرى، حين يكون
الوجود
والعدم
مطروحاً على
المحكّ؟ وهل يعقل
- بمخاطبة طائفيّة
مقلوبة - أن
يكون صنّاع أوسترليتز
الأخيرة «بسطاء
إنجباريين»
يوصلون
الجنرال الى
الرئاسة
ويعيدون
لمسيحيّيه «أمجاد»
ماضيهم ما قبل
الطائف؟
أما في
التمهيد للإجابة
عن السؤال
أعلاه،
فيُلاحَظ أن
المسيحيّين
الأكثر
انتباهاً الى
تراجع وزنهم الديموغرافيّ
(وقد زادته
الحرب
الأخيرة
وهجرتها
تراجعاً)،
والأقلّ
طائفيّة
بالمعنى
العميق
للكلمة، يتصرّفون
على نحو يخالف
طرق الجنرال. فهم
يعرفون أن
طوائف أخرى
تبنّت ما كان تقليديّاً
سياسة
مسيحيّة
حصراً. وهؤلاء
يُفرحهم هذا
التحوّل لأن
حرصهم على التعايش
يفوق حرصهم
على الطائفة،
وحرصهم على الدور
يسبق حرصهم
على الشخص. مثل
هؤلاء، وليس
في عدادهم
جنرال ينام
ويصحو على نجوم
نُزعت عن
كتفيه،
يستطيعون أن
يلقّنوا الجنرال
درساً إن لم
يكن في التضحية
ففي الرجاحة
السياسيّة
التي تستدعي
الكفّ عن
التزوير
الذاتيّ. وهم،
للسبب إيّاه،
قد يقبلون
برئيس شيعيّ
ألف مرّة أكثر
مما يقبل عون.
* كاتب
ومعلّق
لبنانيّ