بعد
3 سنوات على
عودة العماد
ميشال عون إلى
لبنان (3)
أنتم
أوادم يا شباب
قال الجنرال،
فاتركوا السياسة
لي لأنها كذب
وخبث وخداع
حلقة
ثالثة من هذا
الملف، وهي
تنقل شهادة من
أحد أعضاء
"الهيئة
التأسيسية"
في "التيار"
الذي أخرجته
منه عودة
الجنرال
ميشال عون الى
لبنان.
18
أيار 2008
شهادة
عضو سابق في
"الهيئة
التأسيسية"
لـ "التيار"
كتابة
محمد أبي سمرا
أنا
المولود سنة 1959
في عكار، بدأت
سنة 1993 اشارك غيري
من ناشطي
"الحركة
العونية"
المشتتين منذ
13 تشرين
الثاني 1989، في
إحياء الحركة
وبعثها من جديد،
بل من
الصفر
تقريباً. كان
نشاطنا
متواصلا
ومحموماً:
صلات واتصالات
واجتماعات،
شعارات على
الجدران
ومناشير... فيما
الخوف
والحصار
يزيدان
حميّتنا
وحماستنا،
كأننا نعيش
الزمن
مضاعفاً او
نلهث خارج الزمن
العادي، وفي
حال من سكر
الفتوة
والشباب نطلق
العنان
لحلمنا
الكبير: إزالة
الاحتلال السوري
وتحرير لبنان.
كانت المرحلة
شديدة الصعوبة،
لكننا لم
نكترث
بالصعاب. ضباط
الجيش الذين
كانوا ركيزة
أساسية في
"الحركة
العونية" قبل
13 تشرين الأول
1990، انكفأوا
وتفرقوا
وابتعدوا،
فلم نعد نتصل
بهم، ولا هم
بادروا الى
الاتصال.
حصاد
"التيار"
المر
لا
الخوف كان يلجم
عزيمتنا، ولا
المطاردات
والاعتقالات الاعتباطية
والتحقيقات
وعذاباتها
الجسدية
والمعنوية.
اما
التهديدات
المستمرة
التي كانت
تلاحقنا عبر
الاتصالات
الهاتفية
المفاجئة،
فقد تعوّدنا
عليها، فلم
نعد نأبه لها.
في البداية
كنا نخاف
الضباط ورجال
الامن الذين يطاردوننا
باتصالاتهم،
فيسألوننا
اين كنا امس
وقبل الامس،
وماذا فعلنا
ولماذا
ذهبنا، قبل ان
يطلعونا هم
على تحركاتنا
ليعلمونا
أننا مراقبون دائماً
وملاحقون
وتحت رحمتهم،
علّنا نخاف ونمتنع
عن نشاطنا.
حين
كان أحدهم
يطلب مني ان
اوافيه الى
لقاء على
فنجان قهوة،
او آتي في
موعد محدد الى
مركز
المخابرات،
كنت ألبي في
البداية.
وكثيرة هي
مرات بقائي
ساعات
منقوعاً في الشمس
او البرد على
باب المركز،
منتظراً وصول
ضابط
المخابرات
الذي طلب مني
المجيءـ، فلا
يأتي
أحياناً،
وحين يأتي
يروح يسخر مني
بأسئلته. وفي
الحالتين
كانت غايته
إشعاري
بالهوان والاهانة،
بعد الساعات
الطويلة من
ضجر الانتظار
وقنوطه
ومذلته، حيث
أمكث، هكذا،
بلا هدف ولا
معنى،
يتأكلني غضب
كضيم، وتعب
معنوي كالخواء
ينهشني
ويتركني
مخدّراً،
كأنني شيء مهمل
وفائض عن
الحاجة في
مكان زريّ
يبعث على الغثيان.
لكنني شيئاً
فشيئاً تجرأت
على الا ألبي مثل
هذه
المواعيد،
وصرت اقول
لرجل
المخابرات
الذي يتصل بي
هاتفياً،
انني لن
اوافيه، وليفعل
ما يشاء، فلا
يفعل شيئاً.
وهذا كان
يزيدنا جرأة
واندفاعاً
وينزع الخوف
من صدورنا.
أما في حملات
المطاردة
والاعتقالات
الدورية، فكغيري
من الشبان
"العونيين"،
ذقت نصيبي في
التوقيفات
الاعتباطية
والمهانات.
وكثيرة هي الايام
التي تغيّبت
فيها عن بيتي
واسرتي
الخائفة،
هارباً من
احتمال
اعتقالي،
لأنام ليالي في
الاحراج.
اليوم،
بعد 15 سنة من
ذلك النشاط
المحموم، والظلم
الذي عرّضت له
اهلي وزوجتي
التي امضت اوقاتاً
طويلة من
الجزع، لا
استطيع تفسير
قدرتنا على
تحمل تلك
الضغوط. لكنني
استطيع القول
إنني حزين
حزناً قاسياً
على تلك السنوات
الجميلة
والمريرة من
شبابنا الذي
لم نحصد منه،
نحن قدامى
ناشطي
"التيار
الوطني الحر"،
سوى المرارة
والقنوط
واليأس، بعيد
عودة العماد
ميشال عون الى
لبنان المحرر
من الاحتلال
السوري سنة 2005.
لا
اعلم ان كنت
نادماً على ما
فعلنا في تلك
السنوات،
لكنني أجزم ان
للأسى مكاناً
كبيراً في
قلبي وعقلي،
من دون ان
اقوى على رمي
ما آلت اليه
احوال
"التيار"
والبلاد في
وجه احد. فأنا لا
احمّل العماد
عون وحده
مسؤولية ما
حصل للعماد،
لانه اقل من
ان يتحملها،
ولأن مجتمعنا
كله، وخصوصاً
المسيحي،
ضالع في هذه
المأساة التي
أشعر احياناً
انها تبعث على
الملل واليأس.
العروبة
والمخابرات
قاسياً
وصعباً كان
عملنا
ونشاطنا في
منطقة عكار، التي
كلما عدت
اليها من
بيروت اشعر
انني خرجت من
لبنان ما ان
كنت اصل الى
مدينة طرابلس،
واتجه شمالا.
فقبضة الجيش
السوري ومخابراته
كانت اقوى في
طرابلس وعكار
مما على غيرهما
من المناطق
اللبنانية.
والأهالي
هناك كانوا
اكثر
إنصياعاً
لسلطة
الاحتلال
العرفية،
وربما اكثر
تخاذلاً
حيالها، من
دون فرق بين
المسلمين
والمسيحيين
الذين كان
وجهاؤهم والنافذون
منهم يتبارون
في التقرب من
ضباط المخابرات
متزلفين في
تكريمهم،
فيذبحون
الخراف على شرفهم
جرياً على
عادة بدوية
وعشائرية في
الكرم
والتكريم
وتقديم
الولاء
والطاعة.
الذبابح هذه،
غالباً ما
كانت تُنحر في
العراء على الطرق
والشوارع تحت
لافتات كُتبت
عليها عبارات
تبجيل المحتل
وتمجيده. حتى
ان رؤساء
بلديات بعض القرى
والبلدات
المسيحية
كانوا ينشدون
اشعاراً
زجلية في مديح
ضباط مخابرات
الاحتلال وجيشه،
في الحفلات
التي يحيونها
على شرفهم في المناسبات
السياسية
للنظام
السوري،
كذكرى حرب
تشرين (1973)،
وذكرى
"الحركة
التصحيحية".
وكان اولئك
الضباط
يسترسلون في
جبروتهم
وتشاوفهم
ممتلئين
اعتزازاً
بأنفسهم، كما
لم يكن ليتوافر
لهم قط في
بلدهم حيث
كانوا يعيشون
في قلة اين
منها الوفرة
في الديار
اللبنانية.
لكن
ابتزاز ضباط
المخابرات
والجيش
السوريين
وتسلطهم،
كانا اشد وطأة
ومضاضة على
المسلمين
السنّة منهما
على
المسيحيين،
في حال
إظهارهم شيئاً
من التململ
وقلة الرضى
والولاء
والطاعة حيال
تسلط الضباط
وابتزازهم.
ربما لأن ذوي
القربى الذين
يمتون بنسبهم
الى امة
العروبة والاسلام،
مطالبون اكثر
من المسيحيين
"الانعزاليين"
بتقديم آيات
الطاعة
والولاء
لـ"شقيقتهم
الكبرى"،
سوريا، التي
سلموا لها
بتنصيبها
نفسها رائدة
العروبة
و"قلبها
النابض". لذا
كان على
مزارعي عكار،
ما أن يقطفوا
القطفة
الاولى من
بساتين
الفريز، أو
يحلبوا
الحلبة
الاولى من
ضروع
ماشيتهم، ان
يقدموا اجزاء
منها عربون وفاء
وولاء منهم
للعروبة، اي
لضابطي
المخابرات
السورية محمد
مفلح ونبيل
الحشيمي.
جنرال
الشك واليقين
حتى
سنة 1998 ظل نشاط
"التيار
العوني" يقوم
على مبادرات
مجموعات
موزعة في
المناطق
والجامعات
والهيئات
النقابية،
بأقل قدر ممكن
من التنسيق
والتنظيم
والتواصل.
وحين اتسعت
دوائر هذا
النشاط وبدأت
تتصل وتتقاطع
وتتفاعل في ما
بينها بعدما
تصاعدت وتائر
عملها وحضورها،
برزت فكرة وضع
هيكلية
تنظيمية ما لـ"التيار".
لكن الجنرال
ميشال عون
المقيم في منفاه
الفرنسي، كان
منذ البداية
ينفر من فكرة التنظيم
والتأطير،
ومن فكرة وضع
برنامج عمل واضح
ومحدد، مصراً
على الإكتفاء
بتواصله اليومي،
الهاتفي او
بالفاكس، بكل
من كوادر
"التيار" على
انفراد،
منقّلا
اتصالاته هذه
بينهم، ومن
واحد الى آخر،
من دون تنسيق،
ومن دون ان يطلع
هذا او ذاك
على مضامين
اتصالاته
بهؤلاء او
أولئك. كأنه
في هذا اراد
ان يبقي
الخيوط التنظيمية
والمواقف
كلها مربوطة
بشخصه وحده لا
غير، ليوجهها
حسب مشيئته
وإرادته
الشخصية.
أذكر
أنني كثيراً
ما كنت انزعج
من طريقته هذه
في توزيع
اتصالاته
بيننا على
النحو
المتضارب
الذي يريد.
لكننا جميعاً
ما كنا نعير
انزعاجاتنا
هذه انتباهاً
كبيراً في
غمرة نشاطنا
المتصل
والمحموم.
ومعظمنا كان
يبرر له
أفاعيله هذه
باعتباره
القائد
الملهم
والعليم
بخفايا
الأمور
وبواطنها
التي يستحيل
علينا التبحر
فيها، حتى
اننا اقتنعنا
بقوله الدائم
انه لا يجوز
انشاء هيكلية
تنظيمية
لـ"التيار"
الا بعد زوال
الاحتلال
السوري.
حين
كنا ننتبه الى
انه يقرّب هذا
الكادر ويستبعد
ذاك في
اتصالاته،
وهذا ما كان
يفعله منذ
بدايات تجديد
نشاطنا، لم
نكن نعير هذا
السلوك
انتباهاً
كبيراً ولا
تستوقفنا
دلالاته، حتى
حين كانت
اتصالاته تنصب
على أقاربه
بالدم
ويمنحهم
التأثير والسلطة
على حساب
غيرهم من
الكوادر
الفاعلين.
من
اساليبه في
اتصالاته
وتوجيهاته،
أننا حين كنا،
على سبيل
المثال، نتخذ
قراراً في
المساء بعدم
تعرضنا في
تظاهرة الغد
لحاجز امني
ما، ونطلعه
على قرارنا
ويوافق عليه،
نُفاجأ في
اثناء
التظاهرة
بأنه يكون قد
إتصل سراً
بأحدنا ليقول
له ان يقتحم
الحاجز
الامني.
غالباً ما كنا
نردّ سلوكه
هذا، آنذاك،
إلى حسابات
محددة هو
الأقدر على
التضلع بها،
معتبرين أنها
من أمور
السياسة
ومقتضياتها
الخفية التي
لا نفقه فيها
نحن الغارقين
في العمل
اليومي على
الأرض.
حين
برز نشاط
"التيار" في
صفوف الطلبة
في الجامعات،
وخصوصاً في
الفروع
الثانية من
الجامعة
اللبنانية
وفي جامعة
القديس يوسف،
وأصبح الطلبة
خميرة التحرك
ضد الاحتلال
السوري، مال
الجنرال إلى
حصر اتصالاته
بكوادر
الطلبة الذين
راح، كعادته،
يقرّب منهم
هذا ويستبعد ذاك،
من دون المرور
بنا نحن
الكوادر
الميدانيين
في "التيار".
في
غمرة تلك
المرحلة أذكر
أنني حضرت
خلوتين لكوادر
"التيار" مع
العماد عون في
باريس،
فتكوَّن لديّ
انطباع عنه
بأن خلوّه الى
نفسه في
منفاه، أتاح
له ما يكفي من
الوقت
للقراءة
والإطلاع
والتأمل
والتبصر في
الأمور. ذلك
انه في كلامه
معنا في تلك
الخلوتين، كثيراً
ما كان يبهرنا
في استعماله
حِكماً وعبارات
وأمثالاً من
اللاهوت
والفلسفة
والتاريخ
وأقوال
القادة
التاريخيين.
وهو كان
يستعملها
ويؤديها في
نبرة حكميّة
أخلاقية تأخذ
بشغاف قلوبنا
وجوارحنا
وتؤكد لنا أنه
بعيد النظر
وواثق من
صوابية
القضية التي
نناضل من أجلها.
هذا من دون ان
انتبه آنذاك
كم كانت تلك
الحِكم
والامثال
التي يتلوها
علينا،
منقطعة من سياقاتها
وأوقاتها
والمناسبات
والاطر التي قيلت
فيها، كأن
الهدف الفعلي
من اسماعنا
إياها، لم يكن
ليتجاوز
تعبئتنا
الاخلاقية
وشحذ حماستنا
وإبهارنا
بكاريزما
القائد
العظيم الذي
بكلمة منه او
عبارة او شعار
يستطيع ان يلهب
عواطف جمهوره
ومريديه
وشعبه.
الآن
وقت الزعران
وعاد
القائد الى
لبنان
و"تيار"(6)
ومريديه وشعبه
في 7 أيار 2005.
وحين تشكلت
"الهيئة
التأسيسية" لوضع
نظام داخلي
وهيكلية
تنظيمية
لـ"حزب التيار
الوطني
الحر"، كنت في
عدادها الى
جانب نحو 110 من
قدامى
الكوادر
والناشطين.
وسرعان ما تكشف
لكثيرين في
هذه الهيئة ان
العماد عون لا
يرغب في إنشاء
تنظيم، بل في
إبقاء "التيار"
على حاله، اي
"حالة عونية"
يتصدرها القائد
الملهم الذي
يظل شعبه طوع
إشارته وكلامه
ومواقفه. لكنه
استمر في
إلهائنا
بمناقشات
واجتماعات لا
تنتهي، تتشكل
فيها لجان
وهيئات، ثم
يحلها
ويُنشىء
غيرها، علّنا
نيأس ونترك
الامور تسير
على ما يرغب
ويريد، او
نترك له "التيار"
ونذهب في حال
سبيلنا. وهذا
ما بدأ يحصل
فعلا بعد كل
اجتماع كنا
نناقش فيه
الكثير من
انظمة احزاب
اوروبية
ولبنانية لكي
نخلص الى نظام
تأسيسي
لـ"حزب
التيار". لكن
مناقشتنا هذه
ذهبت عبثاً
ومن دون جدوى.
وحين أزف موعد
الدعوة الى
انتخابات
عامة للهيئات
القيادية، في
18 آب 2005، أصر على
ان يحتفظ
لنفسه بتعيين
الهيئات
القيادية
كلها في
"التيار". وما
ان حاولنا
إقناعه
بانتخاب ثلثي
اعضاء المكتب
السياسي فقط،
على ان يعيّن
هو ثلثه
الثالث، جُنّ
جنونه وهبّ
صارخاً في
غضب: انتم
تريدون ان
تخصوني،
رافعاً يده
عالياً
مؤدياً بها الحركة
التي تمثل فعل
الإخصاء.
في
المناقشات
المبتسرة
التي حصلت في
الاجتماع -
الخلوة تلك،
أذكر ايضاً
أنه وقف
قائلاً: الآن
يا شباب بدنا
نشتغل سياسة،
وقت النضال والمقاومة
خلص، بدنا
ندخل الى
الحياة
السياسية،
والسياسة كلها
كذب وخداع
وخبث. وحين
انتبه أن
كلامه هذا وقع
علينا وقوع
المفاجأة،
والى أننا
نستمع اليه
واجمين
مستغربين،
استدرك
قائلاً في محاولة
لإرضائنا
ومؤاساتنا:
اليوم لم يعد
الوقت وقتكم،
أنتم شباب
أوادم، وأنا
صار بدي
زعران.
أنا
الذي كنت بين
الحاضرين في
تلك الخلوة في
فندق "وست
هاوس" لم أصدق
ما سمعته،
وفكرت إن كان
هذا الرجل هو
نفسه الذي كنت
قد سمعته مع
كثيرين غيري
في الاوقات
الاولى التي
تلت عودته مباشرة
الى لبنان،
يقول لنا:
خلص، أنا حققت
طموحاتي
وأحلامي
كلها، وعملت
رئيس
جمهورية، ما
بقى بدّي شي،
معتبراً ان
عودته بعد الذي
حصل، تكفيه
مجداً عن
الوصول الى أي
منصب، حتى ولو
كان رئاسة
الجمهورية؟!
جنرال
الشعب العظيم
على
الرغم من هذا
كله بقيت
ناشطاً في
صفوف "التيار"
حتى ما بعد
انتخابات 2005
النيابية
العامة في
لبنان، وكنت
في عداد الذين
أعدّوا لوائح الراغبين
في الانتساب
الى "التيار"
وقبول
طلباتهم. فمن
أصل 5-6 آلاف شخص
قدموا طلبات
انتساب في
عكار، لم
يتقدم بعد
أشهر قليلة سوى
500 شخص فقط
للحصول على
بطاقات
الانتساب الى
"التيار"
الذي كان
قائده العائد
قد قال لنا في
الاجتماعات،
إن زمن نخبوية
النضال قد انتهى
وانطوى، وحان
وقت الشعبوية
وجمع أعداد
كبيرة من
المناصرين
والمؤيدين.
أنا
من الذين
سمّانا
نخبويين،
ظللت ناشطاً في
"التيار"
مستجيباً
لاهوت القائد
الشعبوي الملهم.
وكغيري من
أمثالي،
استمررت في
معركة الانتخابات
النيابية
الاخيرة -
كحالنا في ما سبق
من نشاطات
"التيار" قبل
عودة قائده من
منفاه - أصل
الليل
بالنهار
وأصرف من مالي
الخاص، لإنجاح
مرشحينا الى
الانتخابات
النيابية.
وفيما كنت
أتنقل في
سيارتي
القديمة
نفسها على
الطرق نفسها
أيام النضال
المحموم،
متحملاً
نفقات المحروقات،
كنت أتذكر كيف
أن الجنرال،
أيام كان في
باريس، رفض أن
ينجدنا بقسط
ضئيل من أموال
"الشعب
العظيم" التي
أخذها معه الى
باريس بعد
جمعها من
تبرعات أيام
"قصر الشعب"
في بعبدا، كي
ندفع بدل
ايجار مكتب
"التيار"
المركزي في
انطلياس،
لأننا كنا
ندفع بدل
ايجاره من أموالنا
الخاصة
ووقعنا مرة في
ضائقة مادية،
فانذرنا ملاك
المكتب
بإخلائه،
فاضطررنا الى
طلب بعض المال
من الجنرال
الذي قال لنا:
ما معي مصاري،
دبروا حالكم.
طبعاً
دبرنا حالنا،
آنذاك،
والجنرال راح
يدبر أحواله
بعد عودته،
فتحالف مع من
تحالف من الذين
أمعنوا في
إهانتنا
وترويعنا
وكتم أنفاسنا
في غيابه،
فإذا ببقايا
حزب البعث
السوري والحزب
السوري
القومي الاجتماعي
وأجهزة
مخبريهما، هم
جزء من "شعبه
العظيم"،
واذا بصهره مع
زياد عبس
وحدهما ينجزان،
من وراء
ظهورنا
جميعاً، ورقة
"التفاهم" العظيمة
مع "حزب الله"
وجهازه أو
جيشه السري المسلح،
واذا بنا نحن
"الأوادم"،
بحسبه - وكان الاحرى
به أن يقول
السذج
والمخدوعون -
نُطرد من
الهيكل، اي
دارته في
الرابية التي
صار يتعذر
علينا دخولها
الا بعد
مراجعات مذلة.
لذا
كان على
كثيرين منا
الابتعاد
بكرامتنا والخروج
من "التيار"،
وكنت من هؤلاء
الذين ابتعدوا.
أما أولئك
الذين
استمروا،
فمعظمهم يقول:
الى أين
أذهب؟! وماذا
أفعل بكل تلك
السنوات الطويلة
التي أهدرتها
من شبابي
وعمري في
"التيار"؟!
والى من يمكن
لي أن الجأ؟!
إنني مرغم على
البقاء، فقد
يكون الجنرال
على حق في ما
يفعل، وربما
يصل يوماً الى
رئاسة
الجمهورية،
فأكون من
المحظيين بعد
هذا اليتم
الطويل.
لوثة
الجنرال
ومأساته بين
النظام
السوري والحريري
الجنرال
ميشال عون في
القصر
الجمهوري في
أثناء "حرب
التحرير".
حراسة
مشددة حول مقر
السفارة
الفرنسية في
مار تقلا بعد
لجوء العماد
عون اليها. ندوة
لـ"التيار
الوطني الحر"
في عكار بعد
عودة العماد
عون الى
لبنان.
يتهيأ
لي أن السنوات
الـ15 التي
أمضاها
العماد ميشال
عون منفياً في
باريس، جعلته
يعيش السنوات
الاخيرة منها
في حال من
القلق
والتطير، مسابقاً
الزمن، أي ما
تبقى من سنوات
عمره، للوصول
الى سدة رئاسة
الجمهورية،
وهي حلمه
المديد الذي
جرى تحطيمه
حين اقصي من
قصر بعبدا
الرئاسي سنة 1989.
وأظن أنه ما
كان ليتصرف
على هذا النحو
من السباق، لو
كان اصغر
عمراً من عمره
الفعلي الذي
لا يترك له من
طاقة على
الصبر والتمهل
مع أحلامه
ورغباته
وطموحاته
المحمومة. فهو
لا وقت لديه
ليهدره في
العمل على
تأسيس حزب،
وفي
الاجتماعات
والمناقشات
مع الكوادر
والناشطين
وهيئاتهم.
وهكذا يجد
نفسه في حال
من حرق
المراحل
والزمن، كأنه
يقول في سره: أنا
لا أملك سوى
سنوات قليلة
كي أنجز كل
شيء وصولاً
الى الرئاسة
الاولى في
لبنان، والتي
لا يستحقها
أحد غيري.
أنا
بدوري لا
أحمّله وحده
مسؤولية ما
حصل ويحصل.
فمجتمعنا
كله، بفئاته
المختلفة
وأفراده على
وجه الاجمال،
مصاب بلوثة
الجنرال التي
ليست سوى من
لوثات المجتمع
اللبناني،
وخصوصاً
المسيحي،
وتجلت على نحو
فاقع في
الجنرال.
فالمجتمع
المسيحي، في
نخبه وعامته،
أصيب بعارض
اجتماعي
وسياسي وثقافي،
قاسٍ وصعب،
طوال زمن
الحرب،
وخصوصاً بعد انهيار
أحلامه
المحمومة
التي كادت أن
تتحقق مع انتخاب
الشيخ بشير
الجميّل
رئيساً
للجمهورية،
واغتياله
المروع وهو
على قاب قوسين
من تحقيق
الحلم الذي
انهار كله،
لتتبعه حقبة
مديدة من
التمزق
والتشرذم
والاقتتال
المدمر طوال الثمانينات
من القرن
الماضي. وهي
الحقبة التي
قام من بين
انقاضها
العماد ميشال
عون، وأطلق صرخته
الخلاصية
المدوية من
قصر بعبدا
الرئاسي،
فالتفت حولها
وحوله فئات
واسعة من
المتذمرين
توقاً الى
خلاص، عبر
قيام الدولة
ومؤسساتها
وقرارها
المستقل.
لكن
تلك الصرخة
الخلاصية
سرعان ما
انطوت على نحو
دموي ساحق،
ودخل المجتمع
المسيحي في
حال من سبات
وقنوط عميقين
طوال 15 سنة،
حاولنا فيها،
نحن قدامى
العونيين، تجديد
الصرخة
واحياءها،
لئلا تموت.
لكن ما فعلناه
لم يولد وعياً
سياسياً
فعلياً، بل
حميّة نضالية
إرادوية
وصورة موهومة
عن أنفسنا
ونشاطاتنا
التي كنا
نضخمها في
مخيلاتنا،
فنتصور أن
توزيع منشور
وكتابة شعار
على جدار في
الليل،
وإطلاق أبواق
سياراتنا على
الطرق وفي الانفاق،
والسير مئات
في تظاهرات،
تصنع ثورة شاملة
وتضعنا على
مقربة من
تحرير لبنان
من الاحتلال
السوري.
في
سنوات
أحلامنا
ونشاطنا
النضالي
المحموم، كان
الناس من
حولنا، ومنهم
أهلنا،
ينظرون الينا
نظرتهم الى
شبان حالمين
ومغامرين،
فيشفقون
علينا،
موقنين أننا
نغامر بمستقبلنا
ونهدر
حياتنا، ومن
الصعب، إن لم
يكن من
المستحيل، أن
نحقق ما نصبو
اليه. وهم حين
كانوا
يؤيدوننا
ويتضامنون
معنا خائفين،
كانوا
يعتبروننا
سذجاً وساهين
عما يدور
حولنا، و الا
لكنا إنصرفنا
الى تدبير
شؤون عيشنا
وأعمالنا،
لأن القضية
التي نناضل من
أجلها "لا
تطعم خبزاً"
ثم
إن تجربتي في
هذه السنوات
الطويلة وما
آلت اليه
أحوال البلاد
وأحوالنا في
نهايتها، يحملانني
على القول إن
النخب
المسيحية
أصيبت بعجز
كبير عن
القيام
بدورها. فهي
عجزت عن إنتاج
فكر سياسي
جديد أو
متجدد،
وانصرفت الى
تدبير شؤون
حياتها
ومعيشتها
ومستقبلها على
نحو أناني
ووصولي.
فالمسيحي على
وجه الاجمال
والعموم،
ينجح في تدبير
شؤونه
الشخصية العملية،
من الدراسة
الى تحصيل
الشهادات
الجامعية الى
العمل، لكنه
لا يمتلك
ثقافة سياسية ووعياً
سياسياً. كما
أنه لا يتعلم
من تجاربه، كأنه
في مواقفه
وآرائه في
الشؤون
العامة، متقلب
تقلب الطقس،
ويتلقى معظم
أفكاره
ومعلوماته عن
شؤون مجتمعه
من التلفزيون.
لذا تجده يتقلب
مع مواقف
السياسيين
اليومية،
فيقول إن هذا "معه
حق" وذاك
"عكروت"،
وذلك "قبضاي"...
الى آخر ما
يمكن توزيعه
من صفات آنية
عابرة لا تثبت
على حال، ولا
تبني سياقاً
متماسكاً في
النظر الى
الامور. كأنما
السياسة
والمواقف
ليست أكثر من
غريزة يومية
متقلبة
تتناهبها
المشاعر
التلقائية
والمصالح
الشخصية
والعصبيات والانانيات.
والمتأمل
في أحوال
المجتمع
المسيحي في
السنوات الـ15
الاخيرة، لا
بد أن يتساءل
لماذا انتظر
المسيحيون
طوال هذه
السنوات قائدين،
أحدهما في
السجن والآخر
في المنفى، كي
يعيداهما الى
سدة الزعامة،
من دون أن
يبادروا الى
إنتاج زعامات
جديدة في إطار
تجاربهم الحية؟!
ألا تحمل هذه
الواقعة
الكبرى على
القول إن هذا
المجتمع قد
أصيب بشيء من
العقم، كي يعيش
في انتظار
زعيمين أو
قائدين دمرت
الحروب بينهما
المجتمع
المسيحي؟
طبعاً
علينا ألا
ننسى الحروب
الملبننة
ودورها
الكبير
والاساسي في
مأساة
المسيحيين
الطويلة التي
قد تكون
"المأساة
العونية" من
نتائجها.
فتجربتي في
"التيار"
الذي خرجت
منه، تحملني
اليوم على عدم
استبعاد
الاحتمال
الذي يعتبر ان
العماد ميشال
عون قد باشر
اتصالات مع
السوريين قبل
مدة ليست قصيرة
من اغتيال
الرئيس رفيق
الحريري،
تمهيداً
لعودته الى
لبنان. وربما
تعود هذه
الاتصالات
الى الفترة
السابقة
بقليل لحوادث
7 و9 آب 2001، من أجل
نفخ شعبية
العماد عون
وتكبيرها في
المجتمع
المسيحي، كي
يصير جاهزاً
للعودة الى
لبنان وسط
تأييد عارم،
لينصّب
رئيساً للجمهورية
بعد انتهاء
ولاية الرئيس
اميل لحود الدستورية.
في
ظني أن
القيادة
الامنية
والسياسية
السورية كانت
تعمل على خطين
متوازيين: إما
ايصال ميشال
عون الى
الرئاسة كي
يستكمل السياسات
السورية في
لبنان في وجه
ميل رفيق
الحريري الى
الخروج من
القبضة
السورية،
وإما اغتيال
رفيق الحريري.
وأرجّح ان
العماد عون
يطيب له
الجلوس في سدة
الرئاسة
الجمهورية
ليكون ندّاً
لرفيق
الحريري
ومناوئاً له،
مستكملاً ما فعله
الرئيس اميل
لحود. وفي
غمرة تسابق
هذين الاحتمالين،
قد تكون رجحت
كفة التجديد
للرئيس لحود
واغتيال
الحريري،
ربما لأن
القيادة السورية
لا تأمن
للعماد عون
بناء على
تجاربها
السابقة معه،
واستنتاجها
بأنه شخص
متقلب ليس من
السهل ضبطه.
وفي
ظني ايضاً ان
اغتيال رفيق
الحريري أزعج
العماد عون،
لأنه كان يحلم
برئاسة
الجمهورية في
حضور الحريري
كي يقلّم أضافره
ويقوض زعامته
وجهاً لوجه في
رئاسة مجلس الوزراء،
مستنداً الى
تأييد وولاء
مسيحيين كاسحين
و"وصاية"
سورية مستمرة
على لبنان.
وفي هذا
السياق
الاحتمالي
يمكن فهم
التحريض العوني
المستطير ضد
الحريري
و"تيار
المستقبل" ومعزوفة
كلامه
المتواصل عن
الفساد. كأن
كوكبة السياسيين
وبقايا
التركة
السورية من
"حزب الله" الى
سليمان
فرنجيه وعمر
كرامي ووئام
وهاب وناصر
قنديل وطلال
ارسلان
وغيرهم من
الذين حالفهم
بعد عودته، من
الأطهار
وبناة
العلمانية والمستقبل
في لبنان الحر
والمستقل،
وكأن الحريري
وإرثه وحدهما
الشر كله.
وبعد
الذي حدث وما
آلت اليه
الامور بعد
اغتيال رفيق
الحريري، لا
بد للمتبصر في
الامور أن يعيد
الاعتبار الى
تجربة
الحريري. ففي
حياته أنجر في
مجتمعه على
نحو تجريبي
بطيء وهادئ،
ما قصّر عنه
أمثاله من
النخب في
المجتمع
المسيحي،
وبنى للبنان علاقات
وصورة في
المجتمع
الدولي، كان
في حاجة ماسة
اليها ما بعد
الحرب. أما في
اغتياله وغيابه،
فقد وضع خاتمة
مأسوية، لكن
مضيئة لهذه التجربة،
فإذا
باغتياله
يوقظ الشعب
اللبناني في
معظم فئاته من
الغفلة
والسبات
اللذين كنا،
نحن شباب
"التيار"،
نحاول
تداركهما في القيام
على قبضة
الاحتلال
السوري.