محطة على
طريق الفيديرالية؟
عبدالله قيصر الخوري/النهار
28
كانون
الأول 2014
يحطّ
اتفاق الطائف
رحاله على
عتبة سنواته
الخمس
والعشرين،
وقد فَرَغَ
بجدارة من
عراكه مع الانفلاش
الماروني
الذي عشّش في
ثنايا
الإدارة
اللبنانية من
العام 1943 إلى
العام 1989،
مسدلاً الستار
على تجرؤ
المارونية
السياسية
التي باضت وأصفرت
ما شاءت، وقد
خلا لها الجوّ
دونما
استئذان أو
تشاور، كما
ادعى آنذاك
أولئك الذين
رابطوا خارج
نعيمها.
يغوص اتفاق
الطائف
حالياً في التواءات
الهتك
ببنوده،
والتفريغ الممنهج
للمؤسسات
الدستورية من
رأس الهرم حتى
أسفله، ذلك
بعدما استفاض
العضل في جسد
أحد المكونات الحضارية
للبنان،
مستمدةً من
"ولاية الفقيه"
الأبوة
والتكليف
الشرعي،
مظهرةً اتساع
الشكيمة
بالرجال
والمال
والسلاح، حتى
باتت آفاق
اتفاق الطائف
لا تتسع
أرجاؤها لهذه
الحال التي
توسعت اقليمياً
كذراع للنظام الايراني.
هكذا يغدو
الاتفاق
رازحاً تحت
ثقل معنوي
وسياسي،
بالغمز من
قناته تارةً
بإشهار مقولة المثالثة،
وطوراً
بإحداث عقد
تأسيسي
دستوري
وسياسي يتجاوب
مع المستجد من
سطوة
الأحجام.
يقدم
اتفاق الطائف
نفسه كناقل
لأحادية السلطة
من رئاسة
الجمهورية الى مؤسسة
مجلس الوزراء
مجتمعاً،
منهياً بذلك
عقوداً من
التفرد
اللصيق بالموارنة
والمسيحيين،
وبنتيجته
الغبن اللاحق بالطوائف
الاسلامية،
فتبددت
الهواجس
واستكانت
النفوس،
وعبقت رياحين
السلم الأهلي
مدرجةً في
قواميسنا مصطلحات
كالتي نسبت الى
الاتفاق حصرية
وقف
الاقتتال،
الذي بالواقع
نفذته بالقوة وحدات
جيش الاحتلال
السوري في
الثالث عشر من
تشرين الأول
1990، بعدما
أطبقت على آخر
بقعة للحريّة
والسيادة على
الأرض
اللبنانية.
التفرد الماروني
المزعوم
نتوخى من
استذكار
اتفاق الطائف الصدقية الأسطع والأشمل بالاضاءة
على الحقبات
التي سبقته
لعمقٍ يطاول
1943، وتلك التي
أعقبته
وتوالت بعد
إبرامه
وصولاً إلى يومنا
هذا. نعتمد في
بحثنا على
شواهد ومحطات
يكمن فيها
وضوح الحدث،
ونجنّبها
متاهات التحليل،
فنبدأ نشاطنا
الذهني في
باطن الذاكرة
التاريخية
التي ألبست
الموارنة ثوب
التفرد والتسلّط
بالأسئلة
الموجبة
الآتية:
1-
هل تمكنّ الرئيس
الماروني
بشارة الخوري
في العام 1952 من
المضي في
ولايته
الثانية،
بعدما أجبرته
الجبهة
الوطنية
آنذاك على
التخلي والاستقالة
تحت وطأة
الشارع وكانت
تضم في صفوفها
أبرز القادة
الموارنة؟
2-
هل تمكن
الرئيس
الماروني
كميل شمعون في
العام 1958 وكان
قد تحوّل
بطريركاً
سياسياً
للموارنة من
دون منازع، من
استعمال
صلاحيات
الرئاسة
وتحريك الجيش
اللبناني في
وجه مثيري
الشغب
والمعتدين
على سيادة
الدولة
اللبنانية،
بإيعاز فاضح
من خارج
الحدود عبر ما
سُمّي ثورة 1958
التي اندلعت
في نيسان من
تلك السنة،
وخمدت في آب
من السنة
عينها بشعار
"لا غالب ولا
مغلوب"، ما لم
يتأقلم معه
الموارنة
آنذاك
لشعورهم
بالخيبة
والمرارة؟
3-
ألم يستقل
الرئيس
الماروني
فؤاد شهاب من
سدة الرئاسة
الأولى في
العام 1960
زاهداً
بالسلطة بعدما
اعتبر أنه
وفّى قسطه للعلى
في اعادة
استتباب
الأوضاع
الأمنية
والسياسية،
وبعدما شقّت الديموقراطية
طريقها بعد
الانتخابات
النيابية من
العام نفسه،
محاولاً
تسليم السلطة
مجدداً
للسياسيين؟
4-
هل تمكنّ
الرئيس
الماروني
شارل حلو من
استعمال
صلاحياته في
وضع حدّ
للمنظمات
الفلسطينية
التي كسرت
هيبة الدولة
اللبنانية،
وأمعنت بالتموضع
والانتشار
على حساب السيادة،
وصولاً الى
اعتكاف
المغفور له
الرئيس رشيد
كرامي، مُحدثاً
أزمة حكومية
طوال سبعة
أشهر في وجه
الرئيس حلو
عقب اتفاق
القاهرة الذي
قضم السيادة
اللبنانية
وأسّس للحرب
اللبنانية
العام 1975؟
5-
هل تمكن
الرئيس
الماروني
سليمان
فرنجية من تأليف
حكومة عبر
الرئيس المكلف
أمين الحافظ
في العام 1973
قبيل محاولة الجيش
اللبناني ثني
المنظمات
الفلسطينية
عن غيّها،
التي أفضت الى
اتفاق "ملكارت"،
محدثاً
تنازلات اضافية
ومزاحماً
السلطة
اللبنانية؟
6-
هل تمكن
الرئيس
الماروني
سليمان
فرنجية في العام
1975 من استعمال
صلاحياته في
حكومة عسكرية
برئاسة
العميد
المتقاعد نور
الدين الرفاعي؟
وهل تمكن
أيضاً من
تحريك الجيش
اللبناني
لضبط الأوضاع
الأمنية التي
مثّلت باكورة
الحرب اللبنانية
من العام
نفسه؟
7-
لن نغفل
التطرق الى
عهدَي
الرئيسين
المارونيين الياس سركيس
والشيخ أمين
الجميّل،
وكانت الحرب
قد أرخت بظلالها،
وتكونت
للطوائف
ميليشيات
حربية متقاتلة
اختزلت
السلطة
والصلاحيات
كافة، باسطةً
شرائعها
ومفاهيمها.
الزوج السنّي
المخدوع
يشكل ما
ذكرناه
آنفاً، فيضاً
من غيض تلك
الحقبة التي
سبقت اتفاق
الطائف، لكنه
يغدو مستوراً اذا لم
نقاربه
ونقارنه
بالحقبة التي
توالت بعد الاتفاق
فندوّن
الأطروحات
الآتية:
أ- سجّل
اتفاق الطائف
انتصارين لا
تحكمهما النديّة:
1-
انتصار دفتري
في رصيد
الطائفة
السنية الكريمة
تؤازرها في
ذلك الطائفتان
الشيعية
والدرزية.
2-
انتصار فعلي
للاحتلال
السوري الذي
تحكمّ واستبدّ
استنسابياً
في تطبيق
الاتفاق،
متغلغلاً في
الشرايين والشعيرات
اللبنانية.
ولا عجب في
ذلك وقد تكشّف
الاتفاق
الدستوري
الطابع عن
ملحق إضافي
ينظّم
العلاقة مع
سوريا
المحتلة
للبنان، يحمل
في طيّاته
موازين القوي
للضعيف،
ويكتنف
تفاصيله الغموض
المطبق في
العبارات
التي تناولت
إعادة تموضع
جيش الاحتلال
السوري آنذاك.
ب- تعايشت
الطائفة
السنية
الكريمة مع
ثقل الاحتلال
السوري الذي
فرض رئيسين
للجمهورية تعييناً
وتمديداً من
خارج النسب
السياسي السيادي
للموارنة، ممارساً
من خلالهما
بطشاً
بالعباد
تراوح بين الاعتقال
والاغتيال
حتى بدت
الطائفة
السنية كالزوج
المخدوع،
فأكرهت على
التعايش مع
زيف تطبيق
الطائف الذي
جعلها تملك
ولا تحكم.
ج- تمكّن
المغفور له
الرئيس رفيق
الحريري من إحداث
ثقب في جدار
تلك الحقبة
الظلماء،
فآثر تدوير الزوايا
مع الاحتلال
السوري الذي
استأثر بالشؤون
الأمنية
والسياسية
والسياسة
الخارجية،
تاركاً
للرئيس
الحريري وما
يمثله من ثقل سنّي
كاسح بعض
الهوامش
الاقتصادية،
وهو الراعي
لاتفاق
الطائف وفي
الوقت عينه
يشهد على تحوير
تطبيقه خدمةً
للمصالح
السورية،
تالياً حرمان
الطائفة
السنّية من
مكتسبات
مقدرة في
صفحاته.
د- آثر
الاحتلال
السوري تغذية
الشقاق بين
الطوائف
اللبنانية
وتقوية طائفة
على أخرى كما
تبيّن في دعمه
لـ"حزب
الله"، وجعله
في موازاة الدولة
اللبنانية، لينوب عن
الاحتلال بعد
جلائه مكرهاً
من لبنان، وصولاً
الى تفلت
الحزب الكامل
من كل ضوابط
التشاور بين
اللبنانيين في
القرارات
المصيرية.
وارث
الاحتلال
السوري
في
المحصلة
النهائية بدا
اتفاق الطائف
كأنه القبضة
الناعمة التي
حبكت خيوطاً
رفيعة، ربطت
اللبنانيين
بعضهم بالبعض
الآخر في
مواجهة مخالب
قادرة بددتهم
وصنفتهم على
قاعدة من يهوى
الممانعة
عبادةً،
ويزاولها
اعتداء على
شركاء الوطن،
وينتهج
المقاومة
وأخواتها
سبيلاً
للتمايز
والانتفاخ
على حساب هزال
المعنويات
العامة
وتفريغ
المؤسسات،
وإحداث
معادلة الغلبة
والأحادية في
جميع
الميادين الاجرائية،
والتصنيف
الكيفي لما هو
ميثاقي وغير
ميثاقي، والاعراض
عن نتائج
الانتخابات
النيابية
لدورتين، وابتداع
نماذج الديموقراطية
التوافقية
المستهجنة
المعطلة لكل
الحكومات
المتعاقبة.
قدّم
ميثاق 1943 نفسه
كمعيار تمامي
للعيش المشترك
والانصهار
الوطني،
فتعثّر في
محطات بارزة
بين العامين 1958
و1975 أمام
معايير
الطوائف
وأمزجتها،
وخمد في قطاره
الوقود
الماروني،
وأُخرست فيه
صفارة
المارونية
السياسية،
ملوّحةً بفجر
جديد ورحلة
واعدة لقاطرة
اتفاق الطائف،
بدفع سنّي
متحرر من غلبة
مفترضة
للموارنة، وبدفع
اقليمي
ظاهر. القاطرة
عينها تنوء
اليوم بحمل
المكوّن
الشيعي
وحجمه، وهي
عاجزة عن
استيعابه
والتجاوب مع
مشاريعه
المحلية والاقليمية.
فالقاطرة في
هذه الحال
متوجهة
للركون الى
جانب قطار
ميثاق 1943. هذا
الاستنتاج
موثّق بشريط
الاستحقاقات
الدستورية،
من انتخابات
نيابية وعدم اجرائها،
وتأليف
حكومات بحلول
قيصرية بالغة
التعقيد،
وانتخاب رئيس
للجمهورية
وقد بات
مستحيلاً.
الحل الفيديرالي
يشكّل
تعدد الطوائف
في لبنان
مصدراً
مرموقاً للديموقراطية،
نستوحي منه
حلاً
دستورياً
متكاملاً
يحترم خصوصيات
المكوّنات الاتنية
لهذا البلد،
ويمنح كلا
منها المساحة
التي تجسّد
لديها
الطمأنينة في
البقاء، بحيث
لا تهيمن
الواحدة على
الأخرى ولا
تجتاح
الآخرين لدى
اشتداد
ساعدها، في وقتٍ
لم تفلح
سابقاً
الحلول
العاطفية
والعشائرية
كما دلّت
التجارب،
فنرقى
بواقعنا الى
دولة اتحادية
تكون الفيديرالية
عنوانها
الواقعي، حلّ
سبقتنا اليه
الكثير من دول
العالم
المتعددة
والرائدة، فنضمن
بذلك البقاء والترسّخ لأبنائنا
خارج معادلة
قاتل أو مقتول
بوتيرة زمنية
دورية تطيح
البشر والحجر.