المنسقية العامة للمؤسسات اللبنانية الكندية
أخبار 01 أيار
/2011

البشارة كما دوّنها متى الفصل 5/38-42/الانتقام

سمعتم أنه قيل: عين بعين وسن بسن. أما أنا فأقول لكم: لا تقاوموا من يسيء إليكم. من لطمك على خدك الأيمن، فحول له الآخر. ومن أراد أن يخاصمك ليأخذ ثوبك، فاترك له رداءك أيضا. ومن سخرك أن تمشي معه ميلا واحدا، فامش معه ميلين. من طلب منك شيئا فأعطه، ومن أراد أن يستعير منك شيئا فلا ترده خائبا.

 

الأسد بدّد كل ما كسبه !

علي حماده /النهار    

لم يكن ممكناً ان يطول انتظار انعقاد مجلس حقوق الانسان التابع للامم المتحدة اكثر  مما حصل، فبعد قتل المئات وجرح الآلاف في ساحات المدن والقرى السورية على ايدي عناصر المخابرات وقطعات فئوية من الجيش، طالت اللائحة اكثر مما يمكن احتماله او السكوت عنه، بسبب "الحمايات" التي ينعم بها النظام في سوريا. ولعل اهم الحمايات تلك الآتية ممن يفترض انهم اعداء  (اسرائيل)، او ان النظام يقف "ممانعا" في وجههم ووجه مشاريعهم في المنطقة ! في مطلق الاحوال فإن ادبيات النظام صارت اضحوكة. لكن الحقيقة، ان ثمة مدنيين في سوريا عراة الصدور، عُزّلاً يقتلون كل يوم، وثمة ثورة مدنيين سلمية يعجز النظام عن وأدها جمعة بعد جمعة منذ الثامن عشر من آذار الماضي.

يثبت الموقف الصادر عن مجلس حقوق الانسان في جنيف وقد دان سلوك النظام في سوريا حيال المدنيين العزل، ان الماكينة الدولية بدأت في الدوران، بعدما بدا جليا ان الرئيس بشار الاسد وصحبه اختاروا الحل الدموي في مواجهة الشعب. وقد صم الاسد الابن اذنيه عن سماع النصائح الدولية التي اشارت عليه بالاسراع في اطلاق عملية الاصلاح الحقيقية فعلا لا قولا. وقد يكون اصدقاؤه الاتراك اكثر من يشعر بالغضب في هذه الايام بعدما تبين لهم انه لا يستمع اليهم، بل يكتفي بالكلام والكلام فقط. هذه الملاحظة يسمعها المراقب السائل لرسميين اتراك رافقوا عملية التواصل بين انقره ودمشق في الاسابيع الاخيرة. فالرسميون المشار اليهم ما عادوا يخفون خيبتهم من الاسد الابن، وثمة منهم من اكتشف ان الرئيس السوري اما انه عاجز عن الاصلاح او انه حقا يرفضه مكتفيا بالمناورات الكلامية، بإصداره قرارات بقيت حبرا على ورق في الوقت الذي امتد قتل المدنيين ليشمل جنودا وضباطا تتفق مصادر تركية عدة على القول انهم عوقبوا بالقتل لرفضهم اطلاق النار على المدنيين. هذه مسألة خطيرة جدا لأنها تضع الجيش على شفير انفجار من الداخل.

إن تدخّل مجلس حقوق الانسان في جنيف ولو متأخرا يفتح الباب واسعا امام تدخل دولي ضد النظام في سوريا، وبالتالي فإن مجلس الامن الدولي لن يكون بعيدا عن الملف. في حين ان الاتحاد الاوروبي متجه الى خطوات متصلبة. وفي المحصلة يكون الاسد الابن قد بدد في اقل من خمسة اسابيع كل ما استطاع كسبه عربيا ودوليا في ثلاث سنوات، من الجهد الفرنسي والقطري ثم السعودي، لإعادته الى الاسرة الدولية. واليوم يعود الرئيس السوري بشار الاسد الذي لم تبدأ الحملة على شرعيته الى وضعية سبق ان خبرها بين 2005 و2008، لكن لهذه المرة ابعادا اكثر خطورة لأن القتلى سوريون عُزّل، ولأن الثورة على النظام سورية داخلية يقوم بها سوريون احرار عراة الصدور...

 

كلام فراتيني

الحزب لا يعلّق، ومصدر أمني يعتبره مُغرضا  »

 حزب الله غير ملزم بطمأنة اي جهة

ليندا مشلب /الجمهورية

غابت قواعد الاشتباك عن المنطقة برمّتها، وفُتحت مواجهات ضارية لا ضابط لها ولا أطر من شأنها أن تحدد طبيعة الاشتباك السياسي والأمني الحاصل، وانعكاساته الجيوسياسية في غير منطقة، وفي مقدمها لبنان. اختلطت المعايير وتخطت "الانقلابات" الخطوط الحمر المتخيلة التي وضعتها عقود من الممارسات السلطوية الأقرب إلى أوتوقراطية لم يعد لها حيّز أو وجود في الإقليم المحيط. وعندما كان العالم العربي يتفرج وينأى بنفسه، ظل جنوب لبنان يتقاسم مع فلسطين صندوق بريد الرسائل السياسية والأمنية، ليكون وإيّاها المساحة الأكثر جذبا للصراعات والمؤامرات. لكنّ متغيرا ما استجد منذ ان وضعت تونس حجر أساس المتغيرات العربية، وعبّد جسد محمد بوعزيزي - المُعمّد بالنار والدم - الطريق إلى نزاعات ديمقراطية لم تكتمل بعد، وبدايات مواسم قطافها قد حلّت في غير عاصمة. هذا "المستجد" غيّر جزئيا في وظيفة جنوب لبنان، فهو اليوم يراقب بحذر وبهدوء لافت، العواصف التي تضرب عواصم عدة، كانت فيما مضى لا تقاربه خارج إطار وظيفة الرسائل. عيون الجنوبيين لم تَنم يوما قريرة، وفي عز أيام الهدوء بقيت متيقظة، كيف لا وعند حدودها يقف جيش وكيان اعتادا استباحة الارض وردّ الرسائل بأكثر منها دموية، ويعملا ليلا ونهارا على التخطيط والتدريب وعد العدّة والعديد لاغتنام أي فرصة سانحة والانقضاض مجددا على اللبنانيين من باب المقاومة او بذريعة التخلص من تهديد ترسانة حزب الله. وفيما الأنظار كلها او غالبيتها تتجه الى بلاد الشام والارتدادات القوية التي انتجتها الأحداث الاستثنائية توقيتا ومضمونا، خرج وزير الخارجية الإيطالي البرتو فراتيني ليصوّب وحده الى الجنوب، متحدثا عن ضرورة إعادة النظر في مهمة اليونيفيل، ومحذرا من ان حزب الله لن يسكت عمّا يحدث في سوريا، وسيقوم بخطوة استباقية للسيطرة على البلد، والأخطر في كل ما قاله المسؤول الإيطالي، إشارته الى احتمال تغيير وظيفة اليونيفيل من قوة سلام وفصل الى قوات اقرب الى الوظيفة الأطلسية، ما يعيد النقاش المزمن حول دور اليونيفيل وعلاقتها بأهالي الجنوب، وهو ما سَعت قيادتها الى توضيحه مرارا في الأعوام الأربعة الأخيرة عبر حملة علاقات عامة واسعة في الإعلام اللبناني، كما بين الأهالي، بغية ترميم صورتها وطمأنة القواعد الشعبية الى أن دورها ليس كما حاولت بعض العواصم تصويره او التطلع اليه إبّان حرب تموز 2006.

حزب الله التزم الصمت حيال هذا التحوير "المفترض" في مهمة اليونيفيل، ولم تبدِ مصادره أي رغبة في الرد، وقالت إنها لن تعلق وليست أصلا ملزمة بطمأنة اي جهة ما دامت الهواجس المغرضة تسكنها. وذكرت المصادر أن قرارا رقمه 1701 لا يزال يحكم عمل الـ UNIFIL على الحدود، وهذا القرار تحترمه كل الجهات، لكن مصدرا أمنيا مسؤولا قال لـ "الجمهورية" إن فراتيني تحدث باسمه وباسم دولته وليس باسم الامم المتحدة التي يقرر مجلس الأمن فقط توجّهات جيوشها "الزرق" ويحدد قواعد الاشتباك، النقطة الأبرز في مهامها.

وأضافت ان ما قاله وزير الخارجية الايطالي يُلزمُه ودولته، ولا يلزم قيادة قوات اليونيفيل او الجيش اللبناني اللذين يستمران في تأدية الوظيفة الواقعة على عاتقهما جنوبا، من دون النظر في اي من التأثيرات الجانبية. في حين استغرب المصدر الأمني تصريح رأس الدبلوماسية الايطالية، بينما بلاده تشارك في قوة ضمن عديد اليونيفيل، وتخضع للمهمة نفسها التي حددها مجلس الأمن في إطار القرار 1701.

واشار المصدر الى ان أي تصريح لا يصدر عن مجلس الامن، لن يغيّر حرفا في قواعد الاشتباك، وبالتالي لا خطر على اليونيفيل، والوضع تحت السيطرة تماما.

ونفى المصدر ورود اي تقارير امنية تفيد باحتمال حصول خروقات امنية او اعتدءات، ردا او ربطا بما يحدث في سوريا، مؤكدا ان علاقة اليونيفيل هي مع الجيش اللبناني ومع الدولة وليس مع حزب الله، لكن الحزب والمقاومة هما من ضمن النسيج اللبناني، وأهالي الجنوب اثبتوا غير مرة انهم على علاقة طيبة مع اليونيفيل، وحريصون على قواتها التي تعمل على أراضيهم بحكم القرار 1701، كما أكد أن الدولة ليست في وارد طلب تعزيز عديد اليونيفيل او توسيع مهامها. وعن التحركات الإسرائيلية على الخط الازرق، اوضح المصدر انها ليست بجديدة، مذكرا في الوقت عينه اننا لسنا في حالة سلم او مهادنة مع اسرائيل، لا بل ان قرار وقف إطلاق النار الذي نصّ عليه القرار 1701 لم يدخل حيّز التنفيذ بعد، على رغم مرور اربعة اعوام، اذ إننا لا زلنا في مرحلة تعليق العمليات الحربية. وعليه، يخلص المصدر الى ان الكلام الذي صدر هو كلام سياسي، يراد توظيفه في سياق سياسي بحت، ربما هو متصل بشأن إيطالي داخلي، لكن في كل الاحوال، على لبنان التحّوط بما يمكن ان تستجلبه اسرائيل التي زادت في الاسابيع الاخيرة منسوب مناوراتها وحديثها المتكرر عن جبهة شمالية محتملة قصدت بها هذه المرة "حزب الله وسوريا".

 

رئيس الاركان الايراني يقول ان الخليج "ملك لايران"

نهارنت/الايراني في تصريحات اوردتها السبت وسائل الاعلام، "جبهة الدكتاتوريات العربية" في الخليج المعادية لايران مؤكدا ان هذه المنطقة "كانت دائما ملك ايران".وقال فيروزبادي في بيان نقلته معظم وكالات الانباء والصحف الايرانية ان "الانظمة العربية الدكتاتورية في الخليج الفارسي غير قادرة على منع الانتفاضات الشعبية". واضاف الجنرال وهو ايضا عضو في المجلس الاعلى للامن القومي بايران "بدلا من فتح جبهة لا يمكن الدفاع عنها مع ايران، على هذه الدكتاتوريات ان تتخلى عن الحكم ووضع حد لجرائمها الوحشية وترك شعوبها تقرر مستقبلها بحرية". كما دان "مؤامرة" الدول الخليجية "لتشكيل هوية لها على حساب الهوية الايرانية". وشدد الجنرال فيروزابادي في بيانه ان "الخليج الفارسي انتمى وينتمي وسينتمي دائما لايران". كما ندد المسؤول الايراني الذي اصدر بيانه لمناسبة "اليوم الوطني للخليج الفارسي" في 30 نيسان، برفض دول الخليج العربية تسمية الخليج ب "اسمه التاريخي". وقال ان "قدوم البريطانيين ثم الاميركيين الى المنطقة اثار مؤامرات لتحريف التاريخ وهوية الخليج الفارسي"؟. وتدهورت العلاقات بين ايران وجيرانها العرب في الاسابيع الاخيرة. وتتهم دول الخليج العربية ايران بالسعي الى زعزعة استقرارها ودعم انتفاضات شعبية اندلعت في العديد من الدول العربية. وانتقدت ايران بشدة التدخل السعودي في البحرين لقمع تظاهرات الشعب ذي الغالبية الشيعية مثل ايران. وطردت البحرين والكويت دبلوماسيين ايرانيين اتهموا بالتجسس. وكانت ايران طالبت لفترة طويلة بالبحرين باعتبارها تابعة لها كما ان طهران في نزاع مع الامارات بشان ملكية ثلاث جزر في مضيق هرمز.

 

أوباما يوقع أمراً بفرض عقوبات جديدة على المخابرات السورية.. واحتمال استهداف الأسد لاحقاً 

  قال مسؤولون أمريكيون كبار أن الرئيس باراك أوباما وقع يوم الجمعة أمراً تنفيذياً يفرض عقوبات جديدة على المخابرات السورية واثنين من أقارب الرئيس بشار الأسد رداً على الحملة ضد المحتجين. وأضاف المسؤولون أن العقوبات لم تستهدف الأسد لكن قد يتم استهدافه فيما بعد إذا استمرت القوات الحكومية في استخدام العنف ضد المحتجين المطالبين بالديمقراطية، وسوف تشمل العقوبات تجميد أصول وحظر تعاملات مع شركات أمريكية.

 

 أوباما يمدد الطوارئ الوطنية على سوريا : تدخلها في لبنان ودعمها لحزب الله يهددان الأمن القومي

نهارنت/مدد الرئيس الاميركي باراك اوباما حالة الطوارئ الوطنية على الحكومة السورية لمدة عام آخر، قائلا ان دعمها لحزب الله وحماس والتدخل في لبنان يهددان الأمن القومي.

وقال أوباما في بيان صادر عن البيت الابيض إن "سعي سوريا المستمر لحيازة أسلحة دمار شامل، ودعمها الجماعات المعادية لإسرائيل وتدخلها في لبنان جعله "تهديدا مستمرا غير عادي واستثنائي للامن القومي والسياسة الخارجية واقتصاد الولايات المتحدة". وبدأت الولايات المتحدة في تطبيق حالات الطوارئ على سوريا بموجب أمر تنفيذى رئاسى أعلن عام 2004.

كما أعلن البيت الابيض الجمعة ان الرئيس اوباما فرض عقوبات اقتصادية على العديد من المسؤولين هذه بسبب "انتهاكات حقوق الانسان في سوريا" تستهدف ماهر الاسد المسؤول في الجيش السوري والشقيق الاصغر للرئيس السوري اضافة الى رئيس جهاز الاستخبارات علي مملوك وعاطف نجيب رئيس الاستخبارات السابق في محافظة درعا.

 

واشنطن تفرض عقوبات على مسؤولين بنظام الأسد والإتحاد الأوروبي سيحذو حذوها

نهارنت/أعلن البيت الابيض الجمعة ان الرئيس باراك اوباما فرض عقوبات اقتصادية على العديد من المسؤولين والكيانات الادارية في النظام السوري، بينهم ماهر، الشقيق الاصغر للرئيس السوري بشار الاسد. وتستهدف هذه العقوبات التي فرضها اوباما بسبب "انتهاكات حقوق الانسان في سوريا"، ماهر الاسد المسؤول في الجيش السوري اضافة الى رئيس جهاز الاستخبارات علي مملوك وعاطف نجيب رئيس الاستخبارات السابق في محافظة درعا (جنوب)، مهد الحركة الاعتراضية على النظام. في المقابل، افادت مصادر دبلوماسية الجمعة في بروكسل ان الاتحاد الاوروبي ينوي فرض حظر على الاسلحة واعداد عقوبات اخرى بحق النظام السوري ردا على القمع الدامي للتظاهرات. وقال دبلوماسي اوروبي لفرانس برس ان "الاتحاد الاوروبي بدأ من الان خطواته بهدف (فرض) حظر على الاسلحة وعقوبات اخرى". بدوره، اوضح دبلوماسي اخر ان الاتحاد الاوروبي باشر استعداداته لفرض "حظر على الاسلحة ووسائل القمع" وسيعد ايضا "في شكل عاجل اجراءات اضافية ملائمة". وكلف سفراء الدول الاوروبية ال27 المجتمعون في بروكسل الجمعة خبراءهم العمل على بلورة هذه العقوبات، الامر الذي توقع دبلوماسيون ان يتم سريعا. واضافة الى الحظر على الاسلحة، قد تشمل التدابير تجميد ارصدة مسؤولين عن القمع ومنعهم من الحصول على تأشيرات، على ان يتم تحديد قائمة باسماء الاشخاص الذين تستهدفهم العقوبات.

 

"حقوق الإنسان" أوفد بعثة تقصي "إنتهاكات" لسوريا.. وعقوبات أميركية على النظام و"كياناته"..وأخرى أوروبية في طور "البلورة"

"جمعة الغضب" كسر الحظر وكرّس "الثورة" ضد النظام: لا أمريكا ولا إيران..حلّو عنّا وعن لبنان

لبنان الآن

على وقع اختراقات إلكترونية بثت على صفحات مواقع "مجلس الشعب" وصحيفتي "تشرين" و"الثورة" الحكوميتين دعوات التظاهر ومشاهد لما قيل إنها مجازر ترتكب في درعا.. خرق عشرات آلاف السوريين الحظر الأمني - العسكري المفروض عليهم وخرجوا في تظاهرات عمّت مدنًا ومحافظات مختلفة إستجابةً لـ"جمعة الغضب" التي دعا إليها "شباب الثورة السورية" على مواقع التواصل الإجتماعي عبر الإنترنت، بحيث إمتدت التحركات الشعبية التي تقاطعت في شعاراتها المطالبة بـ"الحرية والكرامة" و"فك الحصار عن درعا" و"إسقاط النظام" على مساحات متفاوتة جغرافيًا وعدديًا بين العاصمة دمشق وضواحيها وكل من درعا والبلدات المحيطة بها واللاذقية وبانياس وحلب وحمص وإدلب والقامشلي ودير الزور والرقة وتلكلخ ومدن سورية أخرى، سرعان ما تصدت لها قوى الأمن السوري بالرصاص والقنابل المسيلة للدموع ما أدى حسبما أفاد المرصد السوري لحقوق الانسان إلى "مقتل 62 مدنيًا على الأقل" سقط معظمهم في محافظة درعا خلال تظاهرات نظمها أبناء المحافظة للمطالبة بفك الحصار الأمني عنها... وذلك في مقابل إعلان السلطات السورية عبر وكالة انبائها "سانا" مقتل "ثمانية جنود وشرطيا" في هجمات شنتها "مجموعات ارهابية" خلال أحداث يوم الجمعة، مشيرةً على لسان مصدر عسكري إلى "سقوط عشرات الجرحى والقتلى في صفوف المجموعات المهاجمة وتوقيف 156 منها والاستيلاء على 50 دراجة نارية وثلاث عربات".

في غضون ذلك، تواصلت محاولات النزوح الأهلي في المناطق الحدودية إذ أفادت وكالة أنباء "الأناضول" أنَّ "قوات الأمن التركية اعترضت الجمعة نحو 250 سورياً حاولوا دخول تركيا عبر الحدود بين البلدين قرب مدينة يايلاداغي في محافظة هاتاي المحاذية لسوريا".. في حين خفّت وتيرة النزوح باتجاه منطقة "وادي خالد" في شمال لبنان من مدينة "تلكلخ" السورية حيث لفتت الإنتباه الهتافات التي رددها السوريون المتظاهرون في المدينة وطالبت بإسقاط النظام، بحيث برز من هذه الهتافات ما أوردته قناة "الجزيرة" القطرية في شريط مصور ظهر فيه سوريون يرددون: "يا بشار باي باي / بدنا نشوفك بي لاهاي" ... و"لا أمريكا ولا إيران / حلّوا عنّا وعن لبنان".

أما على ضفة جماعة "الإخوان المسلمين" في سوريا التي أشار المتحدث بإسمها ربيع سالم إلى وجود "استجابات من المواطنين السوررين في كل المدن للتظاهر.. والحراك في سوريا لا زال في بدايته"، فقد اتّهمت الجماعة نظام الرئيس السوري بشار الأسد بارتكاب "حرب إبادة"، وطالبت الشعب السوري بـ"عدم السماح لأي طاغية باستعباده"، مشددةً في بيان على أنّ "حديث النظام عن المؤامرة والفتنة والمندسين والارهابيين وأعمال العنف هو محض اختلاق لا أساس له، فالمصدر الوحيد للعنف هو النظام وأجهزته، والقاتل الوحيد هو الأجهزة الأمنية وملحقاتها".

وإذ أوضحت أن الجنود والضباط السوريين الذين اعلنت السلطات السورية مقتلهم منذ بدء الحركة الاحتجاجية إنما "تمّت تصفيتهم برصاصة من الخلف على أيدي قادة عصابات النظام، لرفضهم الانصياع لأوامر إطلاق النار على مواطينهم، وهؤلاء الشهداء يقتلهم النظام عمدا ليجعل منهم شاهدا على وجود أعمال عنف مضاد لرجال الجيش"، لفت توجه قيادة "الإخوان المسلمين" في بيانها إلى "رجال الجيش العربي السوري" بالقول: إن دور الجيش هو الدفاع عن الوطن وحماية المواطنين، ونُصرّ على إبقاء مؤسسة الجيش في إطار وقارِها ومهمتها الوطنية الأساسية، والامتناع عن الزج بها كعامل قمع للارادة الوطنية المتطلعة إلى الحرية والكرامة.

عربيًا، برز حراك شعبي في الكويت مؤيد للمتظاهرين السوريين من خلال تنظيم "حزب الأمّة" الكويتي مظاهرة دعم للشعب السوري، وقد أوضح رئيس الحزب عواد الظفيري لقناة "الجزيرة" أن هذه المظاهرة تندرج في سياق "دعم السوريين المطالبين بالحرية والعدالة أسوةً بالمظاهرات التي نظمها الحزب دعماً للشعوب العربية في تونس ومصر وليبيا"، لافتاً الى أن "هذه الشعوب الراقية خرجت بطريقة سلمية للتعبير عن مطالبها فقابلتها القوى الأمنية بالرصاص"، وبرز في هذا السياق تشديد رئيس "حزب الأمة" الكويتي على أنّ "من يستخدم السلاح ضد شعبه يفقد الشرعية"، وتأكيده في هذا السياق أنّ "الشعوب لها حق حرية اختيار الحاكم، وفي نهاية المطاف الشعب سينتصر والظالم سيسقط".

وإزاء تطورات الأحداث السورية، إلتأم مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في جنيف وصوّت بغالبية 26 صوتًا لصالح قرار يدين "بشكل صريح استخدام العنف الدامي ضد المتظاهرين المسالمين من جانب السلطات السورية"، كما طلب القرار (عارضته 9 دول وامتنعت عن التصويت عليه 7 دول) من المفوضة العليا لحقوق الإنسان نافي بيلاي "إرسال بعثة بصورة عاجلة إلى سوريا للتحقيق في الانتهاكات المفترضة لحقوق الإنسان، وتحديد وقائع وظروف هذه الانتهاكات والجرائم المرتكبة".

تزامنًا، إجتمع الإتحاد الأوروبي في بروكسل لتباحث الأوضاع في سوريا، وأفادت مصادر دبلوماسية وكالة الصحافة الفرنسية "فرنس برس" أنّ الإتحاد بصدد فرض عقوبات على النظام السوري تشمل "حظرًا على الأسلحة ووسائل القمع بالإضافة إلى إجراءات عقابية إضافية ملائمة رداً على القمع الدامي للتظاهرات في سوريا"، وقد كلف الإتحاد الأوروبي خبراءه "العمل على بلورة هذه العقوبات"، الأمر الذي توقع دبلوماسيون أوروبيون عبر "فرنس برس" "أن يتم سريعاً" وأن يشمل الى الحظر على الأسلحة "تجميد ارصدة مسؤولين عن القمع ومنعهم من الحصول على تأشيرات، على ان يتم تحديد قائمة بأسماء الاشخاص الذين تستهدفهم هذه العقوبات".

ومن الجانب الأميركي، أعلن البيت الأبيض أن الرئيس باراك اوباما فرض عقوبات اقتصادية على العديد من المسؤولين والكيانات الادارية في النظام السوري، بينهم ماهر، الشقيق الأصغر للرئيس السوري بشار الاسد، والذي يقود الفرقة الرابعة في الجيش السوري. وتستهدف هذه العقوبات التي فرضها اوباما بسبب "انتهاكات حقوق الانسان في سوريا"، أيضًا رئيس جهاز الاستخبارات السورية علي مملوك، ورئيس الاستخبارات السابق في محافظة درعا عاطف نجيب، كما شملت العقوبات "فيلق القدس" وهو أحد فروع جهاز الأمن الإيراني.

وفي السياق عينه أوضح مسؤول أميركي لوكالة "فرنس برس" أنَّ البيت الأبيض "ليس مستعداً بعد لمطالبة الرئيس السوري بشار الأسد بالتنحي، لأنَّ الرئيس باراك أوباما ومساعديه لا يريدون أن يستبقوا مطالب الشعب السوري"، في حين نقلت الوكالة الفرنسية عن مسؤولين أميركيين أنَّ "العقوبات ستشمل تجميد أصول وحظر تعاملات مع شركات أميركية، كما ستقوم الإدارة الاميركية بسحب بعض أذون التصدير لسوريا التي كانت قد أصدرتها، ومن بينها صفقة لتصدير طائرة فاخرة يعتقد أنها ستكون مخصصة لاستخدام الرئيس"، وأوضح السمؤولون الأميركيون أنَّ "العقوبات لم تستهدف الأسد، لكن قد يتم استهدافه فيما بعد إذا استمرت القوات الحكومية في استخدام العنف ضد المحتجين المطالبين بالديمقراطية".

ولاحقًا، حثّت وزيرة الخارجية الاميركية هيلاري كلينتون الرئيس السوري بشار الأسد على "وقف العنف فوراً"، وجددت في هذا السياق دعوتها الأسد إلى "التجاوب مع التطلعات المشروعة" للسوريين، وقالت كلينتون في ختام اجتماع مع نظيرها الياباني: "نواصل إدانة، وبأقسى العبارات، الأعمال المؤسفة تماما التي تقوم بها الحكومة السورية ضد شعبها. العنف يجب أن يتوقف فورا".

 

سليمان لن يتنازل عن "الداخلية" اطلاقا... تعيينات الفئة الأولى عقبة جديدة أمام التأليف

نهارنت/لن يتنازل رئيس الجمهورية ميشال سليمان عن حقيبة الداخلية اطلاقا، بحسب معلومات نقلتها صحيفة "النهار"، إلا أنه قد لا يتمسك بالوزير الحالي زياد بارود اذا اقتضى الحل ذلك ولكن على أساس الاتيان بوزير آخر يكون محسوبا عليه. وأشارت صحيفة "الحياة" الى أن سليمان عرض لمخرج "يقتضي الحفاظ على ماء الوجه لرئيس الجمهورية، وهذا يستدعي أن يترك له وضع لائحة بأسماء ثلاثة مرشحين للداخلية على أن يترك لرئيس الحكومة نجيب ميقاتي ورئيس تكتل "التغيير والاصلاح" النائب ميشال عون والأطراف الرئيسة التوافق على اسم من المرشحين الواردة أسماؤهم في اللائحة الرئاسية". على أن مصادر معنية بالتأليف وصفت هذا التطور في موقف الرئيس سليمان بأنه بداية ايجابية يمكن ان تتبلور نتائجها الاسبوع المقبل بعد عيد العمال، وخصوصا في ضوء تحرك المعاون السياسي للأمين العام لـ"حزب الله" الحاج حسين خليل والمعاون السياسي لرئيس مجلس النواب النائب علي حسن خليل، الى القصر الجمهوري، قبل ظهر أمس الجمعة واجتماعهما بالرئيس سليمان لنحو خمس وأربعين دقيقة، وفي اتجاه الرابية مع عون.

ووصف النائب خليل اللقاء مع سليمان بالجيد، وقال لصحيفة "السفير": نحن نحاول ان نتحرك نحو تضييق مساحة التباين، وبالتالي تكريس مقاربة جديدة للتعاطي مع حقيبة الداخلية وغيرها من الحقائب، بعيدا عن التصنيفات، وسنتابع في هذا السياق، خاصة ان الأمور مفتوحة وغير مقفلة، إلا أنها تحتاج بلا شك لأن تستكمل.

وفي مفارقة، لفتت "السفير" الى أن الأنظار تتجه نحو الاسم الذي سيتوافق عليه "الجنرالان" في الساعات المقبلة، ويقضي بتسمية أحد العمداء العاملين في المؤسسة العسكرية أو المتقاعدين إلى منصب وزير الداخلية،تردّد انه العميد السابق بول مطر، أو العميد المتقاعد نبيل غفري من علما الشعب, علما أن أوساط كل من ميشال سليمان وميشال عون رفضت نفي أو تأكيد هذه الصيغة. وفيما دعت مصادر معنية بحركة الاتصالات الى "التعامل بواقعية مع ما يجري وعدم الإسراف في التفاؤل"، أكد زوار بعبدا ان رئيس الجمهورية "لم يسم احدا لأي حقيبة ولم يتمسك بأي اسم وهو اعتاد ان يترك امر إسقاط الاسماء على الحقائب الى حين عرض التشكيلة النهائية عليه من قبل الرئيس المكلف". أما الكلام عن وزارة الداخلية، فقال الزوار "إن المسألة لا تتصل باسم الوزير الذي سيشغل هذه الحقيبة، بل بتأمين حيادية هذه الوزارة عبر شخصية حيادية، نظرا للمهام الاستثنائية الموكلة لهذه الوزارة الاكثر تماسا مع الناس والمتصلة بالاستحقاقات الدستورية الانتخابية مع ما يفرضه ذلك، من امكانية لدى شاغلها للتواصل مع كل الافرقاء". ولفت الزوار النظر إلى أن سليمان "لم يكن يوما في موقع يمكن وضعه في خانة العرقلة، بل المبادر الى طرح الافكار والحلول بما يكرس منطق الحوار ويحافظ على الاستقرار، وبالتالي فإن كل ما يحكى عن بعض العقد لا سيما الداخلية غير دقيق على الإطلاق، وكل من يستمع الى رئيس الجمهورية يلمس هذا الأمر وترفّعه عن الخوض في اي جدل او ردود على هذا الموقع أو ذاك المسؤول، وحرصه على انتظام عمل المؤسسات الدستورية لأن الأمور وصلت الى وضع لا يطاق من قبل الناس". وفيما انتقل الرئيس المكلف نجيب ميقاتي الى طرابلس امس الجمعة، اكدت أوساطه أنه بات اكثر استعجالا من أي وقت مضى لتشكيل الحكومة. وكشفت المصادر أن ميقاتي اتصل هاتفياً ليل أول من أمس الخميس برئيس المجلس النيابي نبيه بري ووضعه في أجواء الموقف المسهّل لسليمان، وقالت إن بري أبدى ارتياحه لهذه المبادرة متمنياً أن توظف في إزالة العقبات التي تؤخر تأليف الحكومة. وأكدت المصادر المواكبة للمشاورات ان بري بدا مرتاحاً لموقف سليمان ومبادرته لمعاودة تحريك جهود الإسراع في ولادة الحكومة، بخلاف ما كان عليه قبل أن يتلقى الاتصال من ميقاتي. ونقلت "النهار" عن مصادر متابعة للتأليف استقت معلوماتها من قياديين في قوى 8 آذار، أن الجزء الأساسي من العراقيل في تأخير تأليف الحكومة الجديدة يتصل بالخلاف على التعيينات في الفئة الاولى التي لا تزال عالقة منذ سنوات عدة وقبل 2005. ويرى "التيار الوطني الحر"، مدعوما من "حزب الله"، ان فرصة التأليف الحالية قد لا تتكرر وتالياً يجب تنسيق الضغوط على رئيس الوزراء المكلف نجيب ميقاتي من أجل عقد صفقة التعيينات شرطاً مسبقاً للانطلاق في عملية التأليف. وفي جوهر هذه الصفقة اعطاء "التيار" حق تسمية المرشحين المسيحيين لملء شواغر الفئة الأولى، مما يبلور معالم السلطة الجديدة التي يتطلع اليها "التيار" و"الحزب".

كما يتطلع الجانبان الى وضع قانون جديد للانتخاب يمهد الطريق أيضاً لتثبيت دعائم هذه السلطة المرتجاة واكدت أوساط مواكبة لصحيفة "اللواء" ان عقدة "الداخلية" ليست الوحيدة الحائلة دون اخراج الحكومة، كاشفةً عن "معركة صامتة" بين الرئيس نبيه بري والعماد عون على حقيبة الطاقة، وأخرى بين فردان والرابية على حقيبة الاتصالات في ضوء التجاذب الحاصل بين الوزير الحالي شربل نحاس وهيئة "اوجيرو" على اموال هذه الهيئة، فضلاً عن خلافه مع وزارة المال..

 

انفجار قنبلة في بولفار طرابلس والعثور على اخريين في الهرمل

نهارنت/انفجرت قنبلة يدوية في محلة بولفار طرابلس خلف بناية البابا، قرابة الثانية فجرا في بورة لم يؤد انفجارها الى أي أضرار. وفي الهرمل تم العثور على قنبلتين يدويتين شرقيتي الصنع قرب منزل حسن علام، عمل الخبير العسكري بعد عزل المنطقة على تفجير إحداها ونقل الثانية الى احدى الثكنات القريبة. وفي ضهر الوحش ليلا وعلى إثر خلاف بين وائل جابر من جهة وعدد من المعتصمين في مخيم يعود لمجموعة الاعتصام الدائم لإلغاء الطائفية، رمى مجهول زجاجة حارقة على احدى الخيم، ما أدى الى احتراق جانب منها وأعقب ذلك إطلاق نار في الهواء من قبل شبلي عبد الخالق لفض الخلاف ما تسبب بتوتر داخل المخيم ولم يصب أحد بأذى.

 

بدء إزالة مخالفات سور المطار... وبارود: التعدي على الملك العام نتيجته الهدم

نهارنت/نجحت قوى الأمن أمس الجمعة في ازالة بعض الأبنية المخالفة التي شيدت قرب سور المطار في منطقة الاوزاعي بمساعدة مسؤولين في حركة "أمل" و"حزب الله" واكبوا عملها بعد صدامات محدودة مع عدد من الأهالي المعترضين على الشروع في عملية الهدم في الاوزاعي من دون المناطق الأخرى. وأدت الصدامات الى جرح ثلاثة ضباط من قوى الأمن الداخلي وثلاثة مواطنين واصابتهم طفيفة. وقال مصدر أمني لصحيفة "النهار" ليلاً إن العملية استمرت بعدما نجحت نهاراً في ازالة الأبنية المخالفة التي لامست سور المطار وهي مؤلفة من أكثر من طبقة، الأمر الذي شكل تهديداً لحركة الطيران. لكن المخالفات كاملة تحتاج الى وقت لازالتها وهي تعد بالمئات. وأفادت "النهار" أيضاً أن ثورة المخالفات امتدت الى مخيم برج البراجنة حيث اقتربت ورش البناء من طريق المطار القديمة قرب مدخل المخيم. وقد أخفقت شرطة بلدية الغبيري التي تعود الى "حزب الله" في ردعها. وفي الجنوب، عملت قوى الأمن على تنظيم محاضر ضبط في حق المخالفين وأنذرت أكثر من 150 مخالفاً بازالة ورش البناء ضمن مهلة اسبوع لتجنب الملاحقة القضائية. وشملت حملة قوى الأمن مناطق عدلون وصور والعباسية وعمدت هذه القوى الى اقامة حواجز واستطاعت حجز عدد من جبالات الباطون. وتأتي هذه التطورات قبل أيام من انعقاد لجنة الأشغال النيابية الثلثاء المقبل بدعوة من النائب محمد قباني وذلك لكشف كل خفايا موجة الاعتداءات على الأملاك العامة. وكرر وزير الداخلية في حكومة تصريف الأعمال زياد بارود القول لصحيفة "السفير": إن قرارنا هو إزالة المخالفات ومنعها، ولكن...ورداً على سؤال حول موضوع إزالة المخالفات في محيط المطار، في الساعات الأخيرة، قال بارود: "ليس مفاجئا أن تقوم الدولة بواجباتها، ولا ينبغي الاحتفال لأن أجهزة الدولة قامت بما عليها أصلا أن تقوم به، الموضوع ليس موجها ضد الأهالي، بل ضد المعتدين على الحق العام". وأشار الى أن هذه العملية النوعية "كانت نتيجة الضرورة ونتيجة قرار حازم ليس فقط بمنع التعدي، بل ايضا بإزالة هذا التعدي في حال حصوله. وقامت القوى الأمنية بواجبها بمؤازرة الجيش اللبناني وبتضافر جهود كل المعنيين وهذه إشارة أولى، بأن التعدي على الملك العام نتيجته الهدم وليس قانون تسوية يصدر لاحقا". وأكد بارود "أن ما حصل هو جزء من خطة سيستكملها الجيش وقوى الأمن الداخلي، علما أن ما من أحد، إلا وأعلن عدم تغطيته للتعديات" وقال إن إزالة التعديات لا تلغي أبدا واجب الحكومة العتيدة بأن تتطرق الى الموضوع الاجتماعي وحاجات الناس بحيث تقدم الدولة بدائل عن التعدي غير المبرر على أملاكها، فتنتهج سياسة إسكانية واجتماعية باتت ملحة.

 

الجميّل أبلغ الحريري وجعجع بأنه يعترض على بقاء فارس سعيد في منصب أمين سر الأمانة العامة لقوى ١٤ آذار

ذكر مصدر في الأمانة العامّة لقوى 14 آذار لصحيفة الأخبار أن المشكلة الجديدة التي تواجه التركيبة الجديدة وطريقة تناغمها في ما بينها ستظل قائمة عند رئيس حزب الكتائب أمين الجميّل، الذي يريد إدارة مركزيّة للأمانة العامّة شرطاً أساسياً لمتابعة العمل معها، علماً بأن الجميّل أبلغ الرئيس سعد الحريري وقائد «القوّات اللبنانية» سمير جعجع بأنه يعترض على بقاء فارس سعيد في منصب أمين سر الأمانة العامة لقوى 14 آذار أو الناطق باسمها

 

جنبلاط وفرنجية رفضا تسلّم وزارة الداخلية تجنباً لحساسية ما يمكن أن يُطلب منهما بعزل أشرف ريفي ووسام الحسن

ذكرت معلومات خاصة بصحيفة "اللواء" أن اقتراحا وسطا قدّم لتولي النائب وليد جنبلاط أو النائب سليمان فرنجية وزارة الداخلية نظراً لحساسية دورها، وبسبب الخلاف القائم حولها بين الرئيس ميشال سليمان والنائب ميشال عون. واشارت المعلومات الى ان الاقتراح رفض من قبل جنبلاط وفرنجية، وذلك تجنباً لحساسية ما يمكن أن يُطلب منهما لاحقاً بعزل كل من المدير العام لقوى الامن الداخلي أشرف ريفي ورئيس فرع المعلومات وسام الحسن وغيرهما

 

بيضون: وهّاب مرّ بساعة "تخلّي"، وبري أخطأ بحق نفسه وحق الجميع وأساء للطائفة الشيعية

علّق الوزير السابق محمد عبد الحميد بيضون على اعتذار الوزير السابق وئام وهاب له، قائلاً "هو اختار ان يفتح من مسألة الشيكات قضية وبعدها اكتشف بنفسه انها لعبة غير صحيحة واعتذر وأنا أشكره على ذلك، لان هذا يدلّ على رقي في العمل السياسي في لبنان". وأضاف "لقد مرّ وهّاب بساعة تخلّي".ورداً على سؤال، اشار بيضون في حديث لصوت لبنان(100.3،100.5)، الى ان "الرئيس بري أخطأ بحق نفسه وبحق الجميع وقام بتصرّفات لا تدلّ الا على تعاطي من دوافع انفعالية وليست سياسية، ولم يأخذ بعين الاعتبار العلاقة الانسانية معي، كما ان الاساءة الحقيقية التي قام بها هي للطائفة الشيعية لان اللعبة السياسية أصبحت مكتسبات لعائلات ومجموعات على حساب هذه الطائفة وباسم تمثيلها".

 

"13 تشرين سياسية" ضد ميشال سليمان

اسعد بشارة /الجمهورية

لا يزال الرئيس ميشال سليمان صامدا في قصر بعبدا، على رغم أن "حزب الله" وحليفه العماد عون، وسائر المكوّنات الصامتة على مضض، ينفذان ما أصبح غير مبالغ بتسميته 13 تشرين سياسية ضد الرئاسة الأولى والرئيس المعتصم بحبل الصمت والصبر. وحملة 13 تشرين هذه بدأت، على ما يبدو، تحقّق بعض الأهداف التكتية، إذ إنها نجحت في تحييد تحالف سليمان مع الرئيس المكلّف نجيب ميقاتي الذي تنازل عن دوره في اليومين الماضيين، كمتضامن مع مطلب احتفاظ رئيس الجمهورية بوزارة الداخلية، ليتحوّل إلى ناقل رسائل من الحزب بضرورة تخلّي الرئيس عن تسمية وزير الداخلية. ويبدو أيضا أن ميقاتي حمل عرضا رفضه سليمان، يقول بمخرج يسمّي بموجبه عون ثلاثة أسماء للداخلية، يختار سليمان واحدا منها، وهو رفض يشير إلى الآن أن رئيس الجمهورية لم تتعبه حملات الاتهام بالتعطيل وبخلق المؤامرات ضد سوريا، هذا الاتهام - التحذير الذي ساقه رئيس مجلس النواب نبيه بري باسم قوى "8 آذار" وباسم سوريا نفسها.

ولم يعد سرا أن كل الوسائل باتت تستعمل لإضعاف إرادة الرئيس سليمان ولفرض التنازل عليه كأمر واقع، فالاتهام المبطَّن للرئيس بري، لم يكن الأول ولا يبدو أنه الأخير، إذ إن النغمة الجديدة القديمة بدأت تعلو ملمّحة إلى اتهام رئيس الجمهورية بالرهان على ضعف القيادة السورية، رهان جعله يستثمر كثيرا في رفض تمرير حكومة تابعة لحزب الله وحلفائه، وتسريب لإشارات من دمشق تجاه الرئيس سليمان بلغت مدى أبعد من مجرد التعبير عن الجفاء، ووصلت إلى حد التأكيد أن الرئيس السوري بشار الأسد رفض في اتصال اجراه سليمان به رغبة من الأخير في زيارة تضامنية الى سوريا، في اشارة الى ان القيادة السورية لم تعد تريد هذا الدعم المتأخر من رئيس الجمهورية على رغم حاجتها الماسّة إلى كل دعم، بل كانت، وما زالت، تعتبر أن مَن يريد أن يدعم النظام كان عليه أن يأخذ موقفا واضحا منذ الساعات الأُوَل لبدء الأحداث في سوريا، لا أن يستمر في الصمت أسابيع طويلة على قاعدة الحياد البنّاء.

ولهذا السبب ولغيره ايضا من تراكم عوامل فقدان الثقة في العلاقة بين دمشق والرئيس سليمان منذ امتناعه عن الموافقة على إحالة ملف شهود الزور الى مجلس الوزراء، باتت القيادة السورية، على ما يرشح من معطيات، أقرب الى تأييد اتجاه يخرق التوازن الهش في الأكثرية الجديدة لمصلحة حزب الله وحلفائه، من خلال ترجيح دعم العماد عون في نيل وزارة الداخلية وممارسة اقصى الضغوط على رئيس الجمهورية، لكي يقبل التخلي عنها، ليس لاسم محايد، بل لمرشّح يختاره عون.

وقد تحدّثت المعلومات عن رسائل اوصلتها القيادة السورية الى ميقاتي عبر شقيقه طه، مفادها أن يحيد موقفه في موضوع الداخلية عن موقف رئيس الجمهورية، وذهبت معلومات لم تتأكد الى حد القول إن ميقاتي زار سوريا سرا قبل توجهه الى لندن، وطلب منه عدم التضامن مع الرئيس سليمان في عقدة الداخلية. ومن هنا، يمكن تفسير مرونة ميقاتي بعد عودته من لندن، هذه المرونة التي أدت الى تحييد الرئيس المكلف عمليا، والى قيام حزب الله وحلفائه بتركيز الضغوط على سليمان وحده لمحاولة توليد الحكومة ولو بعملية قيصرية.

الملاحظ أن هذا المسار الضاغط على الرئيس سليمان لم يقتصر في الأيام الاخيرة على تكتيكات العزل والاتهامات الهادفة الى شل الدفاعات الرئاسية، بل تعمّد الضاغطون ادخال وسائل جديدة من الإنذار المبكر تمثلت بتحريك الشارع مطلبيا، ووصلت الى حد قطع الطرقات في رسالة ذات مغزى واضح، وهو نموذج استعمل ضد سليمان في تظاهرات التقنين الكهربائي في الشياح يوم كان قائدا للجيش.

اما اليوم فإن العماد عون، الذي بات واضحا انه وضع رئيس الجمهورية في خانة الدفاع عن النفس، يراقب سعيدا حزب الله وحلفاء سوريا وهم يقومون بتنفيذ عملية 13 تشرين ضد قصر بعبدا، وهو لا يمانع أن تخرج هذه العملية عن سلميتها، بحيث يتم إدخال بعض العناصر التوتيرية في الشارع الى خطة الهجوم الأصلية، طالما أن هدف هذه الخطة الحقيقي افراغ الرئاسة من الرئيس، حتى لو استطاع ان يكمل الولاية، بصفة رئيس لتصريف الأعمال

 

حزب الله والفلسطينيون

نصير الأسعد/لبنان الآن

منذ أيّام وعلى وقع المواجهة المحتدمة بينَ حركات الإحتجاج والسلطة في سوريّا، يحاول فريق 8 آذار – أو "فريق حزب الله" – في لبنان، الإيحاء بأنّ شيئاً لم يتغيّر.

يحاولُ الإيحاء بأنّ النظام السوريّ لا يزال قوياً في الداخل ولم تؤثّر فيه إنتفاضات المحافظات السوريّة كافّة، وبأنّ ما يجري هناك ليس سوى "سحابة صيف" وتمّر.

وبهجومه على فريق 14 آذار متبنّياً الإتهامات السوريّة الكاذبة لـ"تيّار المستقبل" بالتدخّل في الشأن الداخلي السوريّ، يحاول "فريق حزب الله" الإيحاء بأنّه هو نفسه لم يتأثّر وبأنّه لا يزال قادراً على تهديد الحركة الإستقلاليّة اللبنانيّة وتخويفها، وبأن لا حدود لما يمكن أن يقدم عليه. كما يحاول الإيحاء بأنّ أيّ إهتزاز في وضع النظام السوريّ داخلياً سيعرّض لبنان إلى أفدح الأخطار حتى وصل الأمرُ بالرئيس نبيه برّي إلى حدّ التهديد بـ"حريق شرق أوسطيّ". وكلّ ذلك للقول في نهاية المطاف إنّ الأزمة السوريّة "سوف" تتحوّل في أيّ لحظة إلى أزمة لبنانيّة خاصةّ وإقليميّة عامة.

بيدَ أنّ هذا كله ليس واقع الحال.

فالنظام في سوريّا الذي إعتمد الخيار العسكريّ - الأمنيّ لمواجهة الإحتجاجات الشعبيّة، هو نظامٌ يزداد ضعفه. هو بالتعريف نظامٌ يصارع من أجل البقاء، ولا يعوّضُه دعمُ بعض "لبنانييه" له ولا التهديد بإمكانية إشعال لبنان والمنطقة. وعلى أيّ حال، فإنّ الإقدام على ذلك – أي الإشعال – على إفتراض أنّه واردٌ نظرياّ، لا يعدو كونه مغامرة إنتحاريّة يقوم بها خاسرٌ "مزنوق" لا يعني التحسّب من أذاه المحتمل، الخطأ في القراءة السياسيّة.

على أنّ ما يهمّ التوكيد عليه في هذا السياق، يتجاوز ما تمتّ الإشارةُ إليّه حتىّ الآن نحو نقطة جوهريّة وهي – تكراراً – حقيقةُ أنّ "سوريّا الإقليميّة"، أي سوريّا المكدّسة لـ"أوراق" في الإقليم تُستخدم عند "اللزوم السوريّ"، قد أفَلت بالفعل وباتت ماضياً.

وخلال الأسبوع الماضي، برز حدثان كبيران يؤكّدان هذا الإستنتاج.

فبالإضافة طبعاً إلى العجز المستمرّ عن تشكيل حكومة الإنقلاب في لبنان، كان الحدثُ الأوّل ترّكياً. فأنقرة التي سعت مع الرئيس السوريّ بشاّر الأسد قبل إنفجار الإحتجاجات وحتىّ اللحظة، من أجل أن يقوم بإصلاحات جديّة، طالبته في إطار الإصلاح بإجراءات "مؤلمة" داخل النظام كي يستبقي إحتمال بقائه. وكانَ الإعتراض التركيّ عالياً حيال إقدامه على "الحسم العسكريّ والأمنيّ"، حتىّ أنّ تركيّا إستضافت لقاء موسعاً لمعارضين سوريين.. وهذا فضلاً عن الإتصالات التركيّة – الدوليّة المكثفة بشأن الوضع في سوريّا ومساراته والتي يدور مضمونّها حول حقيقة أنّ النظام الذي لا يعرف كيف يحافظ على نفسه هو خطرٌ على ذاته وعلى شعبه وعلى العالم.

لا شكّ أنّ لتركيّا مصلحةً تحركها إذ لا تناسبُها فوضى سوريّة على حدودها. غير أنّ ما حصل في الأيّام الماضيّة عندما لم يستمع النظام إلى النصائح التركيّة، هو أنّ التحالف التركيّ – السوريّ الذي بشكل ركيزةً إستراتيجيّة للنظام في دمشق ومعطى أساسياً في ما كان يُسمى "سوريّا الإقليميّة"، إهتزّ إهتزازاً عميقاً ومؤثراً على نحو بالغ في هذا النظام الذي لا يزال في فترة سماح نسبيّ من قبل العواصم الدوليّة.

لكنّ الحدث الثاني الكبير بل لعلّه الأكبر في أبعاده، كان فلسطينياً.

في ذروة الأزمة السوريّة، حصلت المصالحة الفلسطينيّة بين "فتح" و "حماس" برعاية مصريّة.

إنّ هذه المصالحة - عودةً إلى أحضان الشرعيّة الوطنيّة - التي تشكّل بلا مبالغة عرساً عربياً تمتّ – بشكل مفاجىُ!- على تقاطع عوامل عدّة. فممّا لا شكّ فيه أنّ التطرّف الإسرائيليّ تجاه القضيّة الفلسطينيّة والشعب الفلسطيني يشكل العامل الأوّل والأساسيّ. لكنّ الضغط الشعبيّ الفلسطينيّ الذي تنفّس من الثورات العربيّة الجارية يشكّل العامل الثاني. ولا بدّ من تسجيل أنّ وعي القيادات الفلسطينيّة بالتطورات وبالمرحلة الجديدة التي تفتتحها لعب دورَ العامل الثالث. ولعلّ العامل الرابع والمهمّ هوَ أنّ هذه المصالحة الفلسطينيّة التي كانت إلى فترة غير بعيدة ممنوعة من سوريّا ومن "محور الممانعة" (!) على أساس أنّ فلسطين "ورقة "، حصلت في لحظة إنعدام وزنٍ سوريّ  بل من "وراء ظهر" النظام في سوريّا. وهذا معناه - مرّة أخرى – أنّ ما يُسمىّ "سوريّا الإقليميّة" قيد الأفول بالفعل. أمّا العامل الخامس والشديد الأهميّة فهو أنّ التطوّرات الحاصلة في المنطقة العربية والتي تأتي المصالحة الفلسطينيّة في إطارها، تُعطي درساً تاريخياً لكنّه عمليّ – فعليّ – هذه المرّة: إنّ الديموقراطيّة شرط لا بدّ منه لتنتصر القضيّة الفلسطينيّة، وشرط لا بّد منه للإستنهاض العربيّ ككّل (أمّا الحديث عن أنّ الضغوط الخارجيّة على النظام هي لفكّه عن إيران فهو بلا معنى لأنّ هذه الضغوط هي لإستعجاله في الإصلاح حماية لبقائه). وعلى أيّ حال، ها هي إسرائيل ومنذ أن بدأ المخاض العربيّ نحو الديموقراطيّة والحرّية والكرامة تتخبّط في أزمة وجوديّة هي الأولى من نوعها منذ 1948، وهي أزمةٌ ظاهرة رغم أنّ المخاض العربيّ يغطّي عليها إعلامياً.

إنّ المعطيات الآنفة تستدعي بنتائجها الكبرى خلاصتيَن رئيسيتين.

الأولى هي أنّ فريق 8 آذار – "فريق حزب الله" – بدلاً من أن يبقى في الماضي وبدلاً من أن يبقى متخبطاً في الإستقواء والتهويل والتهديد، وبدلاً من أن يخبر "نا" الرئيس برّي مثلاً أنّ تأخير تشكيل الحكومة مؤامرة على سوريّا رابطاً – دائماً – بينَ السياقات اللبنانيّة والسياقات السوريّة.. عليه أن يتمثّل بعمق تجربة "حماس" التي غلّبت في الخطوة الأخيرة مكوّنها الفلسطيني على تحالفها مع سوريّا وتصالحت مع "فتح" لإعادة الإعتبار إلى المؤسسات الشرعيّة. أي إنّ على "فريق حزب الله" أنّ يذهب نحو التاريخ الجديد.. نحو المصالحة مع لبنان الكيان ولبنان الدولة وسائر اللبنانيين. فالتاريخ الجديد المشار إليه يقول إنّ العلاقات بين الدول بعد الآن لن تكون علاقةً بين دولة – مركز و "دول أوراق"، وأن نظاماً عربياً جديداً يفترضُ أن يقوم بينَ دول عربيّة متعاونة ومتساوية في التعامل.. نظام يستطيع أن يفرض على إيران علاقات حسن جوار، ويجعل من الوضع العربي ككلّ ثقلاً إقليمياً بدلاً من دولة إقليميّة بذاتها.

أمّا الخلاصةُ الثانية فبرسم 14 آذار.

فعلى عكس الإتهامات الكاذبة التي ترمى بها، كان واضحاً أنّ 14 آذار إرتبكت بشدّة حيال الثورات العربيّة خاصةً منذ أن دقت أبواب مصر. لا هي توقّعتها ولا هي رحّبت بها "كما يجب"، ولا قدّرت كما ينبغي كيفية التعاطي معها.

في جانب من الجوانب، خضعت 14 آذار للتهويل، بل لتهويلَين: التهويل الأوّل أنّ ما يجري في المنطقة هو في مصلحة "ممانعة" متجددّة في حين أنّ ما يجري هو إستنهاض للوضع العربيّ ولقدرته على إستعادة الزمام بالديموقراطيّة، والتهويل الثاني على قاعدة أنّ الفريق الآخر بتحالفاته الإقليميّة لا يزال قادراً على إشعال الحرائق متى شاء في حين أنّ هذا التهويل يغطي تأزمات أصحابه الذين يريدون من 14 آذار أن تبقى مصدّقة أنّ "العضلات" لم يطرأ عليها شيء.

وحقيقة الأمر هنا أنّ 14 آذار التي إستعادت المبادرة بعد إسقاط حكومة الرئيس سعد الحريري في كانون الثاني الماضي، والتي أعادت تظهير التوازن السياسيّ – الشعبيّ في لبنان على حقيقته في صالحها بين 14 شباط و13 آذار الماضيين، عادت إلى "المراوحة" من جديد لا سيّما عندما دقّت الثورة أبواب دمشق.

وأغلب الظنّ أنّ عقدتيَن تقفان وراء تلك "المراوحة": عقدةُ إبتزازها بتهمة أنّها مع تغيير النظام السوريّ (وهو أمر ليس من "إختصاصها" أصلاً) وعقدةُ عدم تصديق أنّ "محمد علي كلاي" لم يعد في عالم الملاكمة. والحال أنّ 14 آذار لا تُطالب بإستراتيجيّة خارج بلدها. فكان المطلوب ولا يزال من 14 آذار أن تتصرّف بخلفيّة أنّها معنيّة بـ"الربيع العربيّ" لأنّها في الأصل من رواده وما يهمّها تغيّر الواقع العربيّ، وأن تبقى في موقع المبادرة بإعتبارها جزءاً من تلك العروبة الديموقراطيّة. وأن تبقى 14 آذار في المبادرة فذلك يعني تحطيم جدار الخوف لا الإكتفاء بكسره فقط ، ويعني أن تخاطب اللبنانيين على أساسٍ من الثقة بالنفس وبالموقع وبالقدرة.و14 آذار إذ تستطيع بلا أدنى شكّ إستلهام "النموذج الفلسطيني" الأخير، عليها أن تقول للجميع أن تعالوا الآن بالتحديد إلى الدولة بشروط الدولة وبثوابتها ومرجعيّاتها إنهاءً للسلاح غير الشرعي وإحتكاماً إلى الديموقراطية والمؤسسات الدستوريّة، وتجنيباً للبنان المزيد من الأخطار. فلا تجوز "المراوحة" إذاً وذلك ما ينبغي التركيز عليه في المقبل من الأيام.

 

هل يحدث انقلاب قصر في سوريا؟

طارق الحميد (الشرق الاوسط)

مع خروج المظاهرات السورية مجددا بشكل كبير يوم أمس في عدة مدن كبرى، على الرغم من القمع الشديد وسقوط قتلى من المحتجين، تكون الأحداث في سوريا قد أخذت منحى تصاعديا مفتوحا على عدة سيناريوهات، وجميع المصادر تجمع على رؤية واحدة للسيناريو القادم في سوريا، وسأنقل ما سمعته عن ثلاثة مصادر بمستويات مختلفة، لكنها متطابقة.

فالاعتقاد السائد، ووفق مصادر معطياتها مبنية على معلومات من الداخل السوري، فإن صراعا حقيقيا على السلطة يدور في سوريا. فهناك من يرى أن الحل الأمني غير مجد، ولا بد من تقديم حزمة إصلاحات، بينما هناك من يرى أن الإصلاحات تعني نهاية حكم طائفة. وبالتالي، فإن القمع هو الحل، وهذا ما تفعله اليوم شخصيات سورية مدعومة من إيران، بالعدة والعتاد والخبراء الإيرانيين الموجودين في سوريا، وهذا ما أكدته لي المصادر.

مراكز الحكم في سوريا اليوم تتركز بيد أربع شخصيات: الرئيس، وأخيه ماهر، ورجل الأعمال رامي مخلوف، وأخيه المشرف على الأجهزة الأمنية حافظ مخلوف. وأحد مصادري الرفيعة جدا يقول: «احفظ هذا الاسم جيدا»! وعليه، فإن الصراع في سوريا يدور بين تلك النخبة، وهناك قلق غربي، تؤكده مصادر من واشنطن، من أنه قد يقوم أحد تلك المراكز بانقلاب على الرئيس، وبالتالي الارتماء في أحضان إيران بحثا عن الدعم. ومن هنا، يصبح التغيير في سوريا راديكاليا شكلا ومضمونا، ولذا، فإن مصدرا أميركيا أكد لي أن قلق واشنطن يكمن ليس في تغيير النظام، بل في الطريقة التي قد يحدث بها التغيير. وتضيف المصادر أننا أمام مشهد قد يعيد التاريخ فيه نفسه، فإما أن تنقلب مراكز القوى تلك على الأسد، بجلب وجه علماني أو سني للقيادة، ولو مؤقتا، أو يستفرد أحد الأسماء المعروفة بالسلطة والارتماء في أحضان إيران بحثا عن الدعم والحماية، لأن سقوط نظام دمشق يعني قصم ظهر للسياسة الخارجية الإيرانية، أو أن يقوم الرئيس بشار الأسد بحركة تشبه «الحركة التصحيحية» التي قام بها والده ضد أخيه رفعت الأسد، وآخرين، قبل ثلاثة عقود تقريبا. وأبرز المؤشرات على ذلك كان ما نقله الصحافي الأميركي ديفيد إغناتيوس قبل شهر تقريبا في مقال له في «واشنطن بوست» عن مصادر لم يسمها في دمشق، أن الأسد قد يكسر قوة رامي مخلوف الاقتصادية. واللافت أيضا ما كتبه، قبل أيام، إبراهيم الأمين في صحيفة «الأخبار» اللبنانية التي تعتبر مسرحا سوريا، حيث طالب الأسد بالانقلاب، وأن من «يرسل الدبابات إلى حمص ودرعا فعليه أن يرسل دورية من الشرطة لاعتقال رامي مخلوف ومن على شاكلته ومصادرة أمواله». وبالطبع، فهذه لغة لا يجرؤ أحد في لبنان على التلفظ بها، ناهيك عن كتابتها!

والملاحظ أن الغربيين، ومعهم واشنطن وأنقرة، ما زالوا يكررون أنهم يرون في الأسد وجها إصلاحيا، ويحثونه على اتخاذ قرارات. وأحد مصادري يرى أن الإصلاح يعني أن يقوم الأسد بانقلاب قصر، قبل أن يفعلوه به، والسؤال: هل تجاوزت الأحداث النظام ككل، أم أن انقلاب القصر قد يحدث لينقذ ما يمكن إنقاذه؟ دعونا نر!

 

هوذا الرجل 

ملحم الرياشي (الجمهورية)

يخبر فرنون والترز، سفير اميركا لدى الامم المتحدة في العام 1980، أن الرئيس رونالد ريغان أجرى في تلك السنة مع فريق عمله بحثاً معمّقاً حول العلاقات الاميركية-السوفياتية. سأل ريغان: كيف يمكن القضاء على الشيوعية وتعزيز الديموقراطية في هذا القسم من اوروبا، فالاتحاد السوفياتي بدأ يؤثر جدياً على مستقبل العالم.

أجاب البعض، لا تفكر في حرب نووية، لأن اليوم التالي سوف يكون مختلفاً وشنيعاً على الجميع، وقال بعضٌ آخر، ولا تفكر يا سيدي الرئيس في حرب كلاسيكية، لأن السوفيات يملكون من البوارج والغواصات والدبابات ما يجعل انتصارنا غير مضمون؛

حزن على غضب، وتختال نظرات الرئيس في فريق عمله، وبعد صمت اخترقته تنهيدة يائسة:"اليس لدينا ما نتقدم به على هؤلاء؟"

وجوه تحدق الى الارض، وأخرى تنقّل عيونها بين السقف البيضاوي وتماثيل الرؤساء المؤسسين، وأخرى تنهمك باللوحات الزيتية، علّها تبعد إمكان التقائها مع عيون الرئيس الغاضبة.. والحائرة، ليستقيم احد الحضور ويقول: نعم يا سيدي لدينا ما هو أقوى من السوفيات، وبكثير.

- أسرع ماذا تقصد؟ قال الرئيس

- يوحنا بولس الثاني! صرخ الرجل بصوتٍ واثق.

ويتابع والترز، ان عيون الحاضرين لمعت في تلك اللحظة، وتطايرت شرارات الانتصار من عيون الرئيس، ليقول كبير مستشاريه باللاتينية: ecce homo الذي معناه: هوذا الرجل!

وكان يوحنا بولس الثاني، الرجل، ألذي اسقط عرش الشيوعية عن اكثر من مايتي مليون كليومتر مربع من القارة، ليس لحساب دين اسقطه، ولا لحساب ايمان، بل لحساب الحرية، ولصالح الانسان.

اهتزّ العالم الحديدي، وارتجف الشرق المغلق على ابوابٍ، خُيّل لأي امرء انها دهرية، وسقط الجدار؛ برلين فتحت ابوابها لينفتح العالم الحرّ ولو لوّثت اثمان الحرية بعض جوانبه، انفتح على عالمٍ مضطهدٍ ومعذّب ، ولكن أكثر نظافة وأغزر ايمان.

التصق كما يوحنا او "حنان الخالق"، بهموم الناس واوجاع الشبيبة، فكان يقترب من هذا، ويقارب ذاك، يحنّ على هذه ويغمر تلك، والجموع دموعٌ تجيب، وانفاس تنفتح على الحرية، وتشهق وتضحك وتبكي، وتهتف... هللويا! واضطُهد يوحنا بولس، كما بولس، وناضل كما شاوول ليستحق صليبه فيتحقق مجده.

غاب يوحنا بولس الثاني، بعد ان زرع جذوة الحرية في الشرق، وكأن الحصاد الوفير في غرب العالم لم يكفه، لينثر بذوره حيث ولد يسوع، علّ الشرقيين يسقون، وشباب اليوم يحصدون.. وقد هلّل الزرع الوفير للحاصدين.

غاب يوحنا بولس الثاني ليطلّ، قبل ان يطلّ من على قبة روما غداً، على وجوه المشرقيين، من مسلمين ومن مسيحيين، يريدون فيتعلمون فعل الارادة، لأن فيه قوة الحرية.

يطلّ يوحنا بولس غداً من على الشرفة الحبرية، ليلوّح بيمناه للعالم الذي ساهم في تغييره، ليلوّح لأوروبا واميركا، لآسيا وشرق أوروبا، ولكن قبل كل شيء، لهذا المشرق حيث قال القائل يوماً:"روح الرب عليَّ لأنه مسحني، لأدعو المأسورين الى الحرية".

 

قائد الجيش انضمّ إلى سعاة تذليل عقدة الداخليّة 

نقولا ناصيف/ الأخبار

ما إن تُطرح أفكار لإنهاء تعثّر تأليف الحكومة حتى تخفق للتوّ، تحت وطأة الشروط الحامية، غير القابلة للمساومة والتوسّط والتسوية. باتت حقيبة الداخلية باباً على التأليف، والرئيسان ميشال سليمان وميشال عون يملكان، وحدهما، المفتاح.

ثلاثة تطورات تلاحقت في الساعات الثماني والأربعين الأخيرة، بدت متلازمة في اتجاهاتها. أحدثت خرقاً مثيراً للاهتمام من أكثر من اتجاه، غير متوقّع أحياناً، في الجمود الذي لا يزال يضرب تأليف الحكومة. إلا أن أياً من التطورات الثلاثة تلك لم يُفضِ إلى نتيجة إيجابية أو ملموسة:

أولها، كلام سمعه من رئيس الجمهورية ميشال سليمان بعض زوّاره، كشف فيه أن الرئيس المكلف نجيب ميقاتي، في زياراته المتكررة له منذ تكليفه قبل أكثر من ثلاثة أشهر، في السرّ وفي العلن، لم يعرض عليه شفوياً ولا خطياً في أيّ منها مسودة تشكيلة حكومية، ولا اقتراحاً بتوزيع الحقائب، بما في ذلك حقيبتا الدفاع والداخلية، اللتان يطالب بهما الرئيس. قال سليمان إن كل ما يُشاع في وسائل الإعلام عن عروض حملها ميقاتي إليه، أو أعدّ مسودة أو اثنتين لتشكيلة حكومية لا صحة له، وإن رئيس الجمهورية ينتظر أن تقع المسودة بين يديه كي يضطلع بصلاحياته الدستورية، ويبدي موقفه في ما يُعرض عليه تمهيداً لتأليف الحكومة.

أضاف لزوّاره إنّ الرئيس المكلف كان يحضر إليه كي يطلعه على نتائج اتصالاته واجتماعاته مع الأفرقاء المعنيين، عن قرب أو عن بعد، بالتأليف، ويقصر اللقاءات تلك على هذا الجانب، من غير أن يقدّم إلى سليمان صيغة يحدّد فيها ميقاتي مقاربته لتأليف الحكومة. إلا أن سليمان لفت زوّاره هؤلاء إلى ضرورة الأخذ في الاعتبار مقاربته هو أيضاً للتأليف، الذي يقتضي أن يتّبع معايير يتمسّك رئيس الجمهورية بها. لا يبدأ دوره إلا عند انتهاء دور الرئيس المكلف، لكن التأليف مسؤوليتهما المشتركة.

ثانيها، حصول أول اجتماع بين رئيس الجمهورية والمعاون السياسي لرئيس المجلس نبيه برّي النائب علي حسن خليل والمعاون السياسي للأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصر الله الحاج حسين الخليل. وكانا قد حصرا إدارة مشاركتهما في التفاوض على تأليف الحكومة بالرئيس المكلف وزيارات كانا يقومان بها معاً، أو أحدهما، لدمشق، إلا أنها المرة الأولى التي يقصدان فيها رئيس الجمهورية للبحث معه في مأزق التأليف، رغم تيّقنهما من أن الدور ينحصر حالياً في ميقاتي إلى أن يصوغ تشكيلة حكومية قابلة للبحث مع رئيس الجمهورية. وفتحت زيارة البارحة باباً على التساؤل عن توقيتها ومغزاها، وهل يعدّ المفاوضان رئيس الجمهورية شريكاً رئيسياً في تأخير التأليف، وتالياً مسؤولاً عن استمرار المأزق، أم توخّيا مناقشته في تعثّر الرئيس المكلف للاستنجاد به بغية حلّ المشكلة. ومع أن الزيارة لم تؤدِّ إلى نتيجة تذكر سوى إلى ما سمعه الرجلان من سليمان عن مراقبته جهود التأليف، وجد متابعون لتلك الجهود أنها أوجدت عنواناً إضافياً لتحريك التفاوض على ختم هذه المشكلة.

ثالثها، وهو الأبرز، دخول قائد الجيش العماد جان قهوجي، للمرة الأولى، على خط التفاوض على التأليف عندما دُعي، الخميس الماضي، إلى الانضمام إلى المساعي المبذولة لتذليل العراقيل من طريق إبصار الحكومة النور. كان الرئيس المكلف أول مَن حضّ قهوجي على المساعدة، في ضوء اقتراح قال بحلّ وسط لحقيبة الداخلية ـــــ التي لا تزال في الظاهر على الأقل العقبة الكأداء ـــــ يُخرجها من التصلّبين المستحيلَي التذليل: إصرار رئيس الجمهورية على الاحتفاظ بها من خلال الوزير زياد بارود، وإصرار الرئيس ميشال عون على انتزاعها من سليمان ووضعها في التيّار الوطني الحرّ.

في ظلّ هذين العنادين، طُرح اقتراح بتوزير ضابط حالي في الحقيبة يُنهي المأزق، وسُمّي لها العميد بول مطر، كاسم متداول في أوساط مغلقة، وغير نهائي. عندئذ دُعي قائد الجيش إلى الاضطلاع بدوره، مشاركاً في المساعي، لكون المرشح للمنصب ضابطاً في المؤسسة العسكرية.

قيل لقهوجي أيضاً بوضع لائحة من أربعة إلى خمسة ضبّاط يمكن إحلال أحدهم في حقيبة الداخلية، ويصار إلى الاتفاق مع سليمان وعون على بتّ نزاعهما حولها عبر توافقهما على الضابط الذي سيحلّ فيها. عزّز سعيه لدى قائد الجيش اعتقاد الرئيس المكلف، في ضوء اقتراحات عدة أثيرت في الأيام العشرة الأخيرة عن تبديل في توزيع الحقائب السيادية تارةً، وعن إبدال في مذاهب بعضها طوراً، أن رئيس الجمهورية ربما يكون صار أكثر قابلية واستعداداً من ذي قبل للتخلي عن بارود والقبول بمرشح سواه للحقيبة، من غير أن يتخذ رئيس الجمهورية فعلياً هذا الموقف، ولا قال في السرّ والعلن إنه يميل إلى إبعاد وزيره عن حقيبة الداخلية أو لديه مرشح سواه لها.

قصد قائد الجيش رئيس الجمهورية في إطار طلب مساعدته، وحدّثه في اقتراح تسمية ضابط للمنصب ما دام الاقتراح يدور على أطراف التفاوض، وفوتح به قهوجي. لم يجب سليمان بنعم أو لا، ولم يُحدّد موقفاً من اقتراح يشجعه الرئيس المكلف في سبيل إخراج تأليف الحكومة. لم يستخلص أحد مرة من رئيس الجمهورية ما يُنبىء بتخليه عن حقيبة الداخلية أولاً وتقبّله سواها. أرسل قهوجي الاقتراح أيضاً إلى محيطين برئيس تكتّل التغيير والإصلاح للحصول على موافقته: لائحة من ضبّاط محتملين للتوزير يوافق عليهم سليمان وعون، ثم يتفقان على آلية اختيار الأوفر حظاً. وكرئيس الجمهورية، كان ردّ فعل عون سلبياً: لا أحد سواه يسمّي وزير الداخلية، ويريد الحقيبة في تكتله.

من غير أن يُكتب لوساطة قائد الجيش اكتمالها، لم تصمد أكثر من بضع ساعات ما بين صباح الخميس المنصرم والخامسة بعد الظهر.

هكذا، دُعي الجميع عندئذ، كما في كل مرة، إلى البحث عن حلول أخرى لوقت أطول، لتأليف مؤجّل إلى أمد غير معلوم.

 

سوريا بين استفتاء على شرعية الاسد أو انقلاب عسكري

 بقلم سليم نصار

النهار/اشيع في انقرة ان اردوغان سيقترح على الاسد الاحتكام الى استفتاء شعبي ربما ينقذه من دوامة العنف، ومن تهديد قيادة الجيش بانقلاب عسكري امتنع الرئيسان التونسي والمصري عن التعلق بأذياله! "أيها الاخوة والابناء: الموت للاخوان المسلمين المجرمين، والمأجورين الذين حاولوا نشر الفوضى والدمار في الوطن. الموت للاخوان المسلمين الذين استأجرتهم المخابرات الاميركية والرجعية والصهيونية". بهذه العبارات خاطب الرئيس السوري حافظ الاسد الجماهير الصاخبة التي حملته على الاكتاف في شوارع دمشق من قصر الضيافة الى البرلمان (7 آذار 1982). وكان ذلك الخطاب بمثابة ايذان لنهاية معارك ضارية استمرت ثلاثة اسابيع في مدينة حماه المطوقة من أربع جهات بواسطة دبابات الجيش النظامي والوحدات الخاصة وسرايا الدفاع. وقد سقط في ذلك النزاع الداخلي عدد كبير من المسلحين قدره البعض بثلاثة آلاف قتيل بينما ضخمته صحيفة “واشنطن بوست” وقالت انه تجاوز العشرين الف قتيل. ومع أن قمر التجسس الاصطناعي الاميركي التقط مجموعة صور للمساجد التي هدمت عندما لجأ اليها “الاخوان المسلمون”، إلا أن ذلك لم يكشف عن حقيقة عدد القتلى. وبحسب ما أوردته الدراسات التي قامت بها منظمة العفو الدولية، فإن عدد الضحايا من الجهتين، لم يتجاوز التسعة آلاف قتيل.

وحول الاسباب التي قدمها الرئيس حافظ الاسد، لتفسير الاضطرابات في حماه، اتهم في حينه الولايات المتحدة واسرائيل والمانيا والاردن، باستخدام “الاخوان المسلمين” كأدوات لتشجيع العصيان ضد النظام. ورأى ان معارضته السافرة لـ”كمب ديفيد” ودعمه المطلق لثورة الخميني، سببان مهمان لإثارة دوافع الانتقام في احداث مفتعلة. هذا بعض ما واجهه رئيس النظام السوري من متاعب قبل 28 سنة. واليوم يتكرر المشهد مع نجله الرئيس بشار الاسد، وانما في أكثر المدن السورية وليس في حماه فقط، مع تغيير كامل في قائمة الاولويات والمطالب الشعبية. ولكن الاسد استبق وصول حركة التمرد الى سوريا باجراء حديث مع صحيفة “وول ستريت جورنال” عبر فيه عن انتقاده للاوضاع المهترئة في تونس ومصر. ووصف ما حدث في البلدين العربيين “بأنه نتاج مياه آسنة لا يمكن أن تخفي في جوفها سوى الجراثيم والامراض”.

وكان بهذا التفسير يريد الايحاء للرأي العام بأن بلاده محصنة ضد الامراض السياسية، ومستثناة من زلزال التسونامي الذي ضرب العالم العربي. وعندما خيبت “درعا” آماله، اعترف أمام البرلمان بأن سوريا تتعرض لمؤامرة تعتمد في توقيتها وشكلها على ما يحصل في الدول العربية.

ووعد باجراء سلسلة اصلاحات لتلبية حاجات الناس بينها الغاء العمل بقانون الطوارئ المعمول به منذ سنة 1963. وكان بذلك يرمي الى تهدئة الشارع الغاضب المطالب بقوانين تضمن اغلاق ملف الاعتقال السياسي ووقف العمل بقوانين محكمة امن الدولة، وحرية تشكيل الاحزاب، والغاء المادة الثامنة التي تنصّب “حزب البعث” قائداً للدولة والمجتمع. وترى المعارضة السورية ان هيمنة الحزب الواحد على مصير البلاد والعباد منذ اعلان الحركة التصحيحية قبل 41 سنة، لم يعد أمراً مقبولاً في عالم تعدد الاحزاب واختلاف الآراء.

ولما اتسعت حركة الاحتجاج والعصيان، اتهمت الحكومة في دمشق الولايات المتحدة واسرائيل والعراق والاردن ولبنان، باثارة الاضطرابات ومحاولة تمرير اسلحة الى المعتصمين. وقد وظفت وثائق “ويكيليكس” لتأكيد مزاعمها بأن واشنطن ضالعة في عمليات التحريض على النظام السوري. وتكشف تلك الوثائق ان وزارة الخارجية الاميركية قدمت دعماً مالياً لجماعات المعارضة السياسية السورية والبرامج الخاصة بها، ومن بينها القناة التلفزيونية “بردى”. وهي قناة باشرت البث من لندن في نيسان 2009. وتنقل بشكل متواصل الاحتجاجات الشعبية من سوريا كجزء من حملة اسقاط النظام. وكان من الطبيعي أن تكثف حملتها عقب انفجار الشارع في درعا يوم 18 آذار الماضي. صحيح ان الرئيس الاميركي السابق جورج بوش هو الذي صادق على تمويل حملة المعارضة السورية... ولكن الصحيح ايضاً ان خلفه أوباما استمر في عملية الدعم، على الرغم من تعيينه أول سفير لاميركا في دمشق خلال ست سنوات. وبرر أوباما ممارسة سياسة “العصا والجزرة” مع دمشق بالقول انه يريد اعادة بناء علاقات طيبة مع بشار الاسد بهدف ابعاده عن ايران.

يقول المراقبون ان الحلف الذي اقامه الاسد الأب مع نظام الخميني كان رهاناً رابحاً للطرفين، خصوصاً بعد انقلاب ايران من دولة مؤيدة لاسرائيل في عهد الشاه، الى دولة معادية في عهد الملالي. وقد قوبل هذا الخيار باعتراض دول عربية مؤيدة لعراق صدام حسين. ولكن حافظ الاسد ظل مقتنعاً بصوابية موقفه لأن صدام كان يمثل لنظام البعث السوري خطراً أقوى من أي خطر آخر. لذلك قام نجله بشار بتطوير علاقته مع طهران الى محور استراتيجي بلغ ذروته في السيطرة على لبنان بواسطة “حزب الله”... وفي السيطرة على قطاع غزة بواسطة “حماس”. كما نجح ايضاً في اخراج تركيا من الدائرة المؤيدة لاسرائيل. وفي ظل هذه التحالفات الاقليمية استطاعت ديبلوماسية بشار الاسد نقل سوريا الى شاطئ الامان، وتحسين صورتها الخارجية كمعقل للعلمانية وسط بحر الطوائف والمذاهب. وهذا ما يفسر اغلاق “كازينو دمشق” ارضاء للاسلاميين.

عندما وافق الرئيس بشار الاسد على القرار الذي اتخذه الجيش والحزب بضرورة محاصرة درعا وبانياس، ظهر ذلك القرار كمؤشر على تغيير اسلوب المعالجات التي اتخذت سابقاً.

وواضح من طبيعة هذا التغيير ان الجيش والحزب لم يؤيدا اعفاء محافظ حمص اياد غزال الذي كان  مرشحاً لخلافة رئيس الحكومة السابقة ناجي العطري، نظراً للانجازات العمرانية التي حققها للمدينة. كذلك اعترض الجيش والحزب على التنازلات التي قدمت للاكراد من طريق الوعد بتجنيس 300 الف كردي حرموا من الجنسية. ثم جاءت ردود فعل الاكراد لتطالب باسقاط النظام والمناداة بمحاكمة رموزه. لهذه الاسباب وسواها قررت قيادة الجيش والحزب، عدم الاصغاء الى نصائح انقره وباريس والدوحة، باعتبار ان الحرس القديم يرفض التنازلات المتواصلة التي تقود الى استسلام النظام.

والثابت ايضا ان النظام السوري المتوتر فشل في استمالة اجهزة الاعلام الخارجية المؤثرة. وقد ازعجه جدا اداء قناة “الجزيرة” التي تحولت الى اداة معارضة منذ بدأت حملة الاعتقالات في المدن السورية. ومثلما حمل وزير خارجية تركيا احمد داود اوغلو الى دمشق رسائل التهدئة والابتعاد عن العنف... كذلك حمل مبعوثو امير قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني نصائح تطالب بعدم تفريغ رئاسة الجمهورية من رصيدها الشعبي.

والثابت ان تحالف الصداقة الذي اقيم بين الشيخ حمد والرئيس بشار، قد تعرض للاهتزاز عقب الحملة الشرسة التي شنتها قناة “الجزيرة” ضد الحكومة السورية. وركزت وسائل الاعلام السورية على اتهام قطر بالعمالة لواشنطن، وعلى استخدام قاعدة “العديد” الاميركية مرأبا لطائرات حربية استخدمت ضد اهداف عربية. كما اتهمت قطر بأن طائراتها تشارك طائرات الحلف الاطلسي في ضرب اهداف ليبية!

وفي رأي بعض المطلعين على سجل العلاقة بين البلدين، ان التحالف السابق خضع لعمليات مصالح مشتركة. ذلك ان قطر كانت تمول مشاريع اعادة اعمار الجنوب اللبناني بعد حرب صيف 2006. مقابل هذا العمل الاقتصادي المميز، سمحت سوريا لقطر بملء الفراغ السياسي الذي احدثه تغييب الدور السعودي لدى الطائفة السنية في لبنان. وهكذا دخلت قطر من هذا الباب على مؤسسات اعلامية عدة ناجحة.

ومعنى هذا ان فك الارتباط بين الدولتين، يمكن ان يساعد دول مجلس التعاون الخليجي على بناء جسر المصالحة بين قطر والبحرين. ولكن تغيير المواقع يطرح اسئلة بالغة الحدة: ماذا يفعل اصدقاء بشار الاسد لاخراجه من الورطة التي فرضها عليه الشارع؟

“حزب الله” مرتبك لأن امينه العام السيد حسن نصرالله أيد “الثورة” ضد الحكم الفاسد في مصر، وسره ان يرى معمر القذافي يواجه المصير الذي اختاره للامام موسى الصدر سنة 1978. الولايات المتحدة بلسان وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون، اعلنت ان بلادها لن تتدخل عسكريا لاسقاط النظام، مثلما فعلت في ليبيا. والسبب أن انهيار النظام السوري يفتح الباب وسيعا امام ايران لاجتياح العراق والاستيلاء على الحكم في لبنان بواسطة “حزب الله”. خصوصاً ان سقوط تحالفها الاستراتيجي مع سوريا، يضطرها الى عدم مراعاة النظام الذي انتهى.

اما بالنسبة لتركيا، فان قلقها على مصير سوريا لا يعادله الا قلق ايران. والسبب ان سقوط حليفها سيسرق اوراقها الشرق – الاوسطية ويجبرها على اقامة تحالفات جديدة ربما تعيد اسرائيل اليها. وكي لا تضطر الى اعتماد هذا الخيار الصعب، فقد اشيع في انقرة ان اردوغان سيقترح على الاسد الاحتكام الى استفتاء شعبي ربما ينقذه من دوامة العنف، ومن تهديد قيادة الجيش بانقلاب عسكري امتنع الرئيسان التونسي والمصري عن التعلق بأذياله!

(كاتب وصحافي لبناني – لندن)     

 

ظهور "الإخوان المسلمين" بتقاطع تركي - أميركي

 لبنان ينأى بنفسه عن مواجهة المشاكل المقبلة

النهار/هيام القصيفي

شكلت دعوة "الاخوان المسلمين" الى التظاهر في سوريا بداية مرحلة جديدة في المتغيرات التي تعيشها دول المنطقة منذ اشهر قليلة، بعدما ظهر ان هذه الدعوة فعلت فعلها امس في نوعية التظاهرات واماكنها. ولا ينفصل دخول "الاخوان" الى ساحة الشرق الاوسط كأكبر قوة معارضة منظمة من مصر الى سوريا عن الملامح الاولى للاستراتيجية الجديدة التي يريد البيت الابيض تحديدها للمنطقة ، من دون ان تكون على اتفاق تام مع قادتها وفي مقدمهم السعوديون.

والخلاف السعودي - الاميركي ظهر بحدة مع فشل زيارة وزير الدفاع الاميركي روبرت غيتس للرياض في بداية نيسان، والتي اظهرت ان لا قراءة موحدة بين الطرفين لمعالجة التطورات العربية، الامر الذي استدعى بعد ايام قليلة زيارة مستشار الامن القومي طوم دونيلون للرياض في 13 نيسان الجاري. وذكرت مجموعة من التقارير الاميركية لاحقا ان ثمة وعودا اعطيت للقيادة السعودية بأن البيت الابيض يعكف على وضع استراتيجية جديدة لمنطقة الشرق الاوسط وشمال افريقيا تلامس الهواجس السعودية. وفي موازاة ذلك، كانت وزيرة الخارجية الاميركية هيلاري كيلنتون تؤكد امام المنتدى العالمي الاميركي - الاسلامي في واشنطن في 12 نيسان سعي اوباما الى وضع هذه الاستراتيجية خلال اسابيع. وقد بدأت تظهر ملامحها في المقترحات عن اسماء بديلة لغيتس او لادارة الاستخبارات الاميركية، كاطار مواكب لوضع هذه الاستراتيجية موضع التنفيذ.

وفي اشارة بالغة الاهمية، يأتي دخول "الاخوان" على خط سوريا بعد المؤتمر الصحافي الذي عقده مراقب "الاخوان" محمد الشقفة في اسطنبول مع بداية الاحداث السورية، وفسر في حينه انه اول تحذير تركي للاسد لاستيعاب الحركة الاحتجاجية مقابل العصا "الاخوانية". ومع تصاعد حدة الاحتجاجات السورية، وتكثيف حركة الموفدين الاتراك وارتفاع مستوى تحذيراتهم للرئيس السوري بشار الاسد، والحملة الصحافية التركية، بدا لبعض الوقت ان النظام السوري سائر نحو تلبية التمنيات التركية، لا بل اعطاء الاتراك وعودا بعدم استخدام العنف في قمع المتظاهرين.

لكن ما حدث الاحد الذي تلا "الجمعة العظيمة" من استخدام مفرط للقوة عبر الدبابات استدعى تحركا تركيا – اميركيا من خارج الاطار العربي التقليدي. فواشنطن أوحت أن لتركيا الدور الذي طالما اضطلعت به مصر في تقريب وجهات النظر او المساهمة في تثبيت اتفاقات ورسم استراتيجيات للمنطقة. وبعدما ظهرت هشاشة المحور التركي – الايراني – السوري ( والقطري الى حد ما )، عند اول مفترق خطير، تحولت تركيا الى المقلب الآخر الذي يبشر باسلام علماني يقود المنطقة السنية، ولا سيما انها تعاملت مع "القرار السوري القاتل" على انه نكث بوعد اعطي على ارفع المستويات لتركيا بتجنب القمع الدموي.

والمفارقة التاريخية التي يرصدها سياسيون لبنانيون ان الدولتين اللتين حملتا مشروع المواجهة مع اسرائيل، أي سوريا ومصر التي وقعت معاهدة سلام، تعودان اليوم ساحة لدور فاعل يخطه "الاخوان" بعد عقود من القمع للحركة الاسلامية. ويدل صعود هذه القوة، وفق تقارير وقراءات لبنانية وغربية، على دور فاعل يمكن ان تؤديه هذه الحركة بعد الافادة من اخطاء انظمة القرن العشرين العربية والتي ادت الى ما يحدث اليوم.

وبعد التبدل الذي حصل في الاتفاق بين "حماس" والسلطة الفلسطينية، وتطور الاحداث العراقية التي بدأت تنذر بمتغيرات سياسية ، تتحول الساحة السورية مختبرا حقيقيا لتقاطع المصالح الاميركية والسعودية، إذ ان تهيئة "الاخوان" لدخول ساحة المعركة السياسية لتقاسم السلطة، وإن يكن يتقاطع مع الرؤية السعودية لانظمة العالم العربي، إلا انه لا يتم اليوم عن يديهم.

ومع المنحى الجديد الذي تتخذه الاحداث في الشرق الاوسط، وتطور احداث سوريا في اتجاهات مجهولة، يقف لبنان عاجزا عن اتخاذ خطوات ملموسة ليس في شأن تأليف الحكومة فحسب، انما على مستويات اكثر قلقا حيال ثلاث قضايا جرى التحذير منها قبل ايام، ولم تلق صدى سريعا للتفاعل معها، اولاها وضع الحدود ولا سيما ان القوى الامنية عاجزة لنقص معداتها وسهولة تخطي المعابر غير الرسمية عن الحد من موجة اختراقها.

 والقضية الثانية هي سبل استيعاب اللاجئين السوريين، مع خشية المصادر الامنية ارتفاع الاعداد الآتية الى لبنان بحسب تدهور الوضع في سوريا. وخطورة التسرب السوري الى لبنان يتخطى المستوى العادي، مع ما يمكن ان يسببه من مشاكل اجتماعية وامنية على المستوى الشمالي سنيا وعلويا، وعلى المستوى المسيحي. وقد كشفت معلومات امنية لـ"النهار" ان عائلات مسيحية سورية تصل تباعا الى لبنان، ناهيك بعائلات مسيحية عراقية كانت تركت العراق الى سوريا بعد موجات التفجير فيه. وقد ابلغت مراجع روحية مسيحية بهذه الاجواء من دون ان تتعامل معها بجدية. مع العلم ان اللجوء المسيحي بدأ بوتيرة اكبر الى المناطق الكردية السورية، لأن تجربة العراقيين المسيحيين سابقا مع لبنان لم تكن مشجعة.

 والقضية الثالثة هي صياغة لبنانية لاستيعاب التطورات السورية وانعكاسها على لبنان، سياسيا وامنيا. اذ لا يبدو واضحا ان ثمة محاولة جدية من الافرقاء السياسيين لمواجهة ما هو مقبل على المنطقة، الامر الذي يفترض بحسب سياسين مخضرمين اللجوء الى حكومة اقطاب تتخطى مشكلة 8 و14 آذار لمواجهة المصائر الجديدة التي تُرسم للمنطقة ولبنان.

 

سفيرة لبنان أمام "مجلس حقوق الإنسان": متابعة الإصلاحات في سوريا دون إملاءات خارجية

النهار/ألقت مندوبة لبنان الدائمة لدى الامم المتحدة في جنيف السفيرة نجلا رياشي عساكر، كلمة لبنان امام "مجلس حقوق الانسان" الذي عقد استثنائياً امس في مقره بعد استخدام النظام السوري القوة ضد المحتجين المدنيين، داعية الى متابعة الاصلاحات "دون تدخل او املاءات خارجية". وقالت: "ينضم وفد بلادي الى البيانين المقدمين من فلسطين عن المجموعة العربية وباكستان عن مجموعة منظمة المؤتمر الاسلامي. ويرى ان الدور المنوط بهذا المجلس هو احتضان حوار بنّاء بغية مساعدة الدول على مواجهة التحديات المرتبطة بحماية حقوق الانسان وتعزيزها. ومن هذا المنطلق، يرى ان مبدأ عقد هذه الدورة، ومشروع القرار المطروح امامه، قد لا يستجيبان لرسالة المجلس ودوره المرتجى لجهة الركون الى الحوار والموضوعية، والابتعاد عن الانتقائية وازدواجية المعايير. ان التظاهرات المطلبية التي شهدتها سوريا ابتدأت سلمية، وقد سارعت الحكومة السورية الى الاستجابة لها من خلال عدد من الخطوات الايجابية، لكن يا للاسف، سرعان ما بزرت محاولات لحرف التظاهرات عن مسارها السلمي، ما ادى الى وقوع ضحايا بريئة. ان لبنان اذ يعترف بأحقية المطالب الاصلاحية التي تبتغي الاصلاح بالفعل، واذ يرحب بالخطوات الاصلاحية التي اتخذتها الحكومة السورية، يعبّر عن عميق اسفه لسقوط ضحايا ابرياء، ويتقدم بالتعزية لذويهم. ويرى ان اي دولة ذات سيادة يجب ان تتخذ ما تراه مناسباً من الاجراءات لضمان امن مواطنيها. ان لبنان وقف ويقف الى جانب سوريا الشقيقة، ويعتبر ان الاستقرار في منطقتنا العربية رهن بالاستقرار في جميع دولها. ويرى ضرورة تكاتف جميع الارادات الطيبة في سوريا لمتابعة تحقيق سائر الاصلاحات المرجوة بخطى ثابتة ومدروسة، بغية تحقيق تطلعات السوريين السياسية والاقتصادية والاجتماعية دون تدخل او املاءات خارجية".

 

الراعي يشارك في تطويب يوحنا بولس 2:المسيحيون أصليون في الدول العربية

توجّه البطريرك الماروني مار بشاره بطرس الراعي أمس إلى روما للمشاركة في احتفال تطويب البابا يوحنا بولس الثاني غداً.

ورافقه المطارنة بولس مطر وفرنسيس البيسري وطانيوس خوري، ومدير مكتب البروتوكول والاعلام في الصرح البطريركي وليد غياض. وسافرت على الطائرة نفسها السيدة وفاء سليمان زوجة رئيس الجمهورية. وكان في وداعه في المطار وزير الشؤون الاجتماعية في حكومة تصريف الأعمال سليم الصايغ ممثلا رئيس الجمهورية ميشال سليمان، ورئيس المجلس العام الماروني الوزير السابق وديع الخازن وعدد من المطارنة والشخصيات.

 وبعد عرض ثلة من قوى الأمن الداخلي أدت التحية الرسمية، تحدث البطريرك الراعي وقال رداً على سؤال: " نتوجه اليوم مع مجموعة من المطارنة والرؤساء العامين إلى روما للاعراب عن الشكر والتقدير لما قام به الطوباوي الجديد البابا يوحنا بولس الثاني للبنان وخصوصاً عندما قال إن لبنان أكثر من وطن إنه رسالة. ونتمنى أن يدرك جميع اللبنانيين وخصوصاً المسؤولين في البلاد أن لبنان يحمل رسالة حقا للشرق والغرب. وسأصلي من أجل الاسراع في تأليف الحكومة لتتولى الشؤون التي يستطيع من خلالها لبنان استعادة دور الرسالة، هذا إذا كنا مؤمنين بأن لبنان لديه رسالة وليس وطنا نتنازع فيه على حقيبة أو غير ذلك، ولأن الطوباوي الجديد كان يعني ما يقول عن لبنان إنه رسالة، فهذا الخبير بشؤون الشعوب والدول لم يقل هذا القول حتى عن بلده بولونيا. لذلك علينا الارتفاع إلى السمو، فكلنا لبنانيون ونتحمل مسؤولية لبنان ولا من فضل لواحد على آخر إلا بخدمة هذا الوطن".   

وسئل ما موقفه من التحرك الشعبي والنقابي وخصوصا السائقين العموميين في مطالبهم الحياتية والمعيشية، أجاب: "في لبنان يوجد مواطن وتوجد سلطة، والحكومة هي السلطة التنفيذية، إذا لم يكن عندنا سلطة تتمثل بحكومة تتولى شؤون المواطنين الاجتماعية والاقتصادية والانمائية والثقافية والمصيرية نحن نضيع الوقت، ونحن نهدم رويداً رويداً دولة الكل ينادي بها، ولكن لا نفعل شيئاً لقيامها، من أجل دويلات صغيرة هناك وهنالك. لا يستطيع لبنان ان يتحمل ان يترك الشعب كخراف بلا راع، ومسألة الحكومة لا تنتهي، فهل سنأتي بوزراء من النجوم؟ سيأتي وزراء من لبنان، لذا لا بد من أن تكون في لبنان سلطة اجرائية تنفيذية تتخذ القرارات اللازمة من أجل ان يعيش المواطنون بكرامة، وان يحققوا ذواتهم بكرامة، وحق المواطنين الاساسي ان يعيشوا بخير وسلام". وهل يتخوف في ظل ما تشهده المنطقة إن في سوريا او في غيرها من البلدان العربية على الوجود المسيحي في الشرق، أجاب: "نحن نتخوف على وجود كل المواطنين في هذا الشرق لأنه لا يجوز أن يعيش مواطن أيا يكن دينه تحت وطأة العنف او الحرمان او اللاستقرار. هذا من جهة، ومن جهة أخرى، نحن لا نريد ان نشهد في البلدان العربية ما شهدناه في العراق. نتخوف إذا كان المسيحيون ينبغي ان يكونوا دوماً ضحية الخلافات المحلية، فهم مواطنون أصليون ومخلصون ساهموا ويساهمون في بناء اوطانهم، ولا يستطيع احد ان يقول ان المسيحيين في اي وطن من الاوطان العربية هم عنصر خلاف او عنصر ثورات، فلماذا عليهم ان يدفعوا الثمن؟ نعم نحن نتخوف ولكننا نقول إن من حق المسيحيين في أي بلد عربي أن يعيشوا بكرامة". 

 

وهاب يتراجع عن اتهاماته لبيضون والجرّاح ويعتذر منهما

النهار/تراجع رئيس "حزب التوحيد العربي" الوزير السابق وئام وهاب امس عن الاتهامات التي وجهها الى الوزير السابق محمد عبد الحميد بيضون والنائب جمال الجراح بتسلم شيكات بمبالغ مالية من الامير تركي بن عبد العزيز معتذرا منهما. وجاء في بيان أصدره: "بعدما تبين لنا ان المدعو أمير ابرهيم بيضون الذي عمل عند الامير تركي بن عبد العزيز في القاهرة والذي زودنا مجموعة من صور الشيكات الصادرة عن الامير تركي قد استحصل على شيكات صادرة عن الامير تركي وقام بادخال أسماء محل أخرى مستفيدا من قدرته على تزوير هذه الشيكات، وبعدما تبين لنا ان المدعو بيضون استعمل هذه الاسماء على الشيكات التي حصل عليها أثناء عمله من دون ان تكون صحيحة وخصوصا اسمي الوزير السابق محمد عبد الحميد بيضون والنائب جمال الجراح، قرر رئيس الحزب تقديم شكوى بحق المدعو أمير ابرهيم بيضون مع الاعتذار من الأسماء التي وردت بشكل غير صحيح على أوراق شيكات غير عائدة الى أصحابها. مع العلم بأننا قبل اعلاننا عن هذه الشيكات كنا قد تأكدنا ان بيضون عمل لدى الامير تركي في القاهرة مما جعلنا نصدق هذه الواقعة. وكما كانت لدينا الجرأة لاعلان الأمر، لدينا الجرأة لنقول إن هذا الشاب قام بعملية تزوير لأسباب نجهلها".

 

إجماع إسرائيلي على ضرورة بقاء نظام الأسد في سورية

 تل أبيب - وكالات: تراقب الدوائر السياسية الاسرائيلية ما يجري في سورية بحذر بالغ, إذ يسود الاعتقاد لدى الأكثرية ان بقاء نظام بشار الاسد يصب في صالح الامن القومي الاسرائيلي, وان الاطاحة به قد تشكل تهديداً غير مسبوق على استقرار جبهة اسرائيل الشمالية, التي تعتبرها حكومات تل ابيب المتعاقبة من اكثر الجبهات الهادئة منذ حرب اكتوبر العام 1973, فيما يرى فريق آخر من الأكاديميين الاسرائيليين, ان التعويل على بقاء الاسد للحفاظ على هدوء جبهة اسرائيل الشمالية ليس مضموناً, سيما ان الأخير يستغل هذا الهدوء غطاء لتمرير برنامجه النووي, الذي سبق وقصفته اسرائيل في منطقة دير الزور بحسب تقارير غربية, معتبرين أن فرص سيطرة الاخوان المسلمين على سورية ما بعد الاسد ضئيلة للغاية.

وبحسب صحيفة "يديعوت احرونوت", رأى المستشرق الاسرائيلي خبير الشؤون السورية موشي ماعوز ان "الحلبة السياسية في اسرائيل باتت على قناعة بنظرية: من تعرفه افضل من غيره", سيما ان هناك فرصة للتوصل الى تسوية مع الأسد, على خلفية ميوله العلمانية. واعتبر ان السيناريو الاكثر سوءاً, الذي قد تؤول اليه الامور بعد سقوط نظام الاسد, هو بزوغ نجم جماعة الاخوان المسلمين السورية, واحتلالها للمقاعد الامامية في النظام الجديد, الامر الذي يحول دون التوصل الى تسوية سلمية بين دمشق وتل ابيب, مشيراً إلى ضرورة بقاء الأسد للحيلولة دون زعزعة استقرار امن الدولة العبرية. من جهته, قال البروفيسور غوشوع لنديس الخبير العالمي في الشأن السوري, ورئيس تحرير مدونة "syriacomment.com", "انه من خلال وجهة النظر الاسرائيلية, يعتبر بشار الاسد ثروة ثمينة لاسرائيل". وأوضح لنديس الذي أقام لسنوات طويلة في سورية, ويعلم جيداً واقعها السياسي, ان سقوط نظام بشار يعد خسارة فادحة للدولة العبرية, مشيراً إلى أن "اندلاع حرب أهلية في سورية سيفتح الباب امام نمو مليشيا راديكالية او تنظيم اسلامي مقابل نظام ديمقراطي ضعيف".

 

أحداثٌ تمحو نظامَ قرنٍ كامل 

الثوراتُ العربيةُ نُقطة تقاطعِ المشروعِ الأميركي مع شعوبِ المنطقة

سجعان القزي *

نشاهد اليومَ ظهورَ شرقِ أوسطٍ جديد. الشعوبُ العربيةُ فقدَت صبرَها، الأنظمةُ وظيفتَـها، الأديانُ الثلاثةُ تعايشَها والمذاهبُ الإسلاميةُ هُدنتَها. مجموعةُ صراعاتٍ عُضال أنهكَت المجتمعاتِ العربيةَ الحالية ونَخَرت عِظامَ البنيةِ القائمة. الكياناتُ تصدَّعت والقادةُ فَسَدوا. أمهل الشعبُ الأنظمةَ نحوَ مئةِ عامٍ لحل الصراعاتِ فتفاقمت. أنّى لهذه الأنظمةِ أن تَجِدَ الحلَّ فيما هي تَـقْـتات منها، لا بل هناك أنظمةٌ من هو أبُّ هذه الصراعات، وأخرى من هو ابـنُها.

60 سنةً عمرُ الصراعِ العربي ـ الإسرائيلي. 40 سنةً عمرُ الصراعِ بين الفِلسطينيين أنفسِهم. 36 سنةً عمرُ الصراعِ في لبنان وعليه. 32 سنةً عمرُ الصراعِ الخليجي الإيراني. 31 سنةً عمرُ الصراعِ بين إيران والعراق. 54 سنةً عمرُ الصراعِ في اليمن وبين اليمن والسعودية. 64 سنةً عمرُ الصراع بين لبنانَ وسوريا. 60 سنةً عمرُ الصراعِ في مصر. 31 سنةً عمرُ الصراع في إيران، 22 سنةً عمرُ الصراعِ في الجزائر، 61 سنةً عمرُ الصراعِ المغربي ـ الجزائري حولَ الصحراءِ الغربية، 70 سنةً عمرُ الصراعِ مع الأكراد. 62 سنةً عمرُ الصراعِ الأردني ـ الفلسطيني، و1400 سنة عمرُ أنظمةِ العنفِ العربي.

وفيما كانت الأنظمةُ والدولُ الأجنبيةُ وإسرائيل تستغِل هذا الواقع، أنتجت الصراعاتُ أزماتٍ وحروباً وفِتناً ومؤامراتٍ ومآسي من دونِ أن يُحقِّق نظامٌ واحدٌ حُلماً عربياً واحداً: لا وحدةَ ولا استقلالاً، لا حريةَ ولا ديمقراطية، لا أمنَ ولا سلاماً، لا نمواً ولا فرصَ عمل، لا كرامةَ ولا انتصاراً. الكبتُ والهزائمُ والانقسامُ والفقرُ والخوفُ والسجونُ هي مجموعُ تقديماتِ الأنظمةِ العربيةِ لشعوبها طَوالَ المئةِ سنةٍ الماضية. الأنظمةُ القوميةُ قَمعت شعوبَها بذريعةِ الوَحدة، والأنظمةُ العسكريةُ قمَعتها بذريعةِ الأمن، والأنظمةُ الأصوليةُ قمعَتها بذريعةِ الشريعة.

منعرجات مشروع التغيير

وما يجري منذ سنواتٍ في بلادِ الشرق، وتحديداً منذ سنتَي 1990/91 (حرب الخليج الأولى)، يُعيد طرحَ مجملِ المفاهيمِ والكِياناتِ والأنظمةِ التي أعقبَت الحربين الأولى (1914 / 1918)، والثانية (1939 / 1945) وما رافقها من معاهداتٍ وتسوياتٍ دوليةٍ وإقليمية. إن التفسيراتِ التي أُعطِيَت للحروبِ والأحداثِ التي وقعت في الشرق الأوسطِ وآسيا الصغرى منذ حربِ العراق سنةَ 2003، كانت متناقضةً على العموم. غَلَب عليها مفهومُ الصراعِ بين الشرقِ والغربِ وغاب عنها وجودُ صراعٍ آخرَ، وهو الأساسي، بين مُكـوِّناتِ الشرقِ نفسِه. كان يجب أن ننتَـظرَ ما يحدُث اليومَ لـنُدرِكَ التفسيرَ الواضحَ والشاملَ ونَعِيَ مفعولَ الحربِ الأميركية في العراق.

إنْ كان ما يحصُل اليومَ يُـعبِّـرُ عن نَفاذِ صبرِ الشعوبِ العربية، فإنه يَـلتقي مع شعورِ الدولِ الكبيرةِ بأن الشرقَ الأوسطَ القديمَ (الحالي)، اسُتنزِفَ واسُتنفِدَ طَوال العقودِ الماضية؛ ولا بدَّ من ابتداعِ جغرافية سياسيةٍ جديدةٍ تضمَن مصالحَ الدولِ الكبيرة (الاستراتيجية والاقتصادية) وتسمحُ لشعوبِ المَنطقةِ بتحقيقِ بعضِ طموحاتِها الذاتية (حرية وبحبوحة). مجموعةُ عواملَ متلاحقةٍ تُشجِّع العالمَ الغربيَّ على التحرّكِ في هذا الاتجاه، وهي: وجودُ ثرواتِ الطاقة، نشوء دولةِ إسرائيل، سقوطُ الاتحادِ السوفياتي، فشلُ الأنظمةِ العربيةِ ببناءِ دولٍ مؤسَّساتية، تصاعُدُ التياراتِ الإسلاميةِ المتطرفِّـة، الامتدادُ الإيراني فالتركي على حسابِ الإسلام العربي، انتشارُ دائرةِ الإرهاب، وتَـوْقُ الشعوبِ نحو الحريةِ وحقِّ تقريرِ المصير.

تتزامنُ ثوراتُ الشعوبِ العربيةِ مع مشروعِ الشرقِ الأوسطِ الجديد الذي وضَـعَته الولاياتُ المتحدةُ الأميركية بعد تشاورٍ مع مجموعاتِ تفكيرٍ عربيةٍ وأوروبيةٍِ وإسرائيلية. لكنَّ تعديلاتٍ عديدةً طرأت على هذا المشروعِ خِلافاً لمصالحِ أميركا والعربِ وإسرائيل في آن معاً. وبعدَ حربَي أفغانستان والعراق والثوراتِ العربية، بات المشروعُ بمثابةِ "مُشاعٍ" برَسمِ مَن يضعُ يدَه عليه أولاً.

بدأ المشروعُ الأميركي ـ الأوروبي مسارَه الحديث من العراق (تحرير الكويت) وإيران (الملف النووي) بغيةَ أن يصلَ إلى كلِّ المشرقِ العربي ودولِ مجلسِ التعاونِ الخليجي (حلّ النزاع العربي ـ الإسرائيلي). خطا المشروعُ الأميركي ـ الأوروبي خَطواتٍ مهمةً في مفاوضاتِ مدريد سنةَ 1991 (اعترافٌ عربيٌّ شاملٌ بإسرائيل والتزامٌ بمفاوضاتٍ سلميةٍ وتطبيعٌ تدريجي)، وفي اتفاقاتِ أوسلو سنةَ 1993 (قَبولُ إسرائيل إقامةَ سلطةٍ فِلسطينية على أراضٍ احتلتها سنةَ 1967). لكن أحداثَ 11 أيلول 2001 الإرهابيةَ في نيويورك حوّلت اتجاهَ المشروعِ نحو أفغانستان. وما أن انتهت العملياتُ العسكريةُ الكبرى في كابول، حتى ضَغطت إسرائيلُ على الولاياتِ المتحدة الأميركية، فأعادت المشروعَ إلى العراق سنةَ 2003 لإسقاط النظام، على أمل أن تكونَ إيرانُ المحطةَ التاليةَ بسببِ مَلـفِّـها النووي ودورِها الإشكاليِّ في المَنطقةِ والعالم. غير أنَّ إيران وسوريا تَسبَّبتا سنةَ 2005 بنقلِ المشروعِ نحو لبنان بعد التمديدِ لرئيسِ الجمهوريةِ، إميل لحود، خلافاً للقرار الدولي 1559، وبعد اغتيالِ رفيق الحريري. انطلقت "ثورة الأرز" فانسحبَ الجيشُ السوريُّ وأُنشئَت المحكمةُ الدوليةُ وعُزِلَ المحورُ الإيرانيّ السوريّ. وفي صيفِ 2006 وَقعت حربُ جنوبِ لبنان، فتفَاجأت إسرائيلُ بصمودِ حزب الله، لكن سوريا وإيران، رُغم انتعاشِهما المؤقت، فهِمتا الرسالةَ الأميركية ـ الإسرائيلية، فقبِلَتا القرارَ 1701، وأبدت طهران استعداداً للتعاونِ مع المنظمةِ الدولية للطاقةِ الذَريَّـة، فيما عَـيـنُ نظامِها على الوضعِ الداخلي المتحفِّز للانفجارِ بأشكالٍ شـتّى.

وإن عرّجَ المشروعُ الأميركيُّ على السودان من خلالِ استفتاءٍ شعبيٍّ أَسفرَ عن انفصالِ الجنوب، ظلَّ يَتنقّل بين العراقِ ولبنانَ وإيران وإسرائيل وفِلسطين، إلى أن اندلَعت ثوراتُ المغربِ العربيّ وتَبِعتها ثوراتُ المشرقِ العربي. وواضحٌ اليومَ أن المشروعَ الأميركيَّ يَطوف على كل المَنطقةِ مُمتَـطِياً أحصنةً عدة: الحربُ، الديبلوماسيةُ، القراراتُ الدولية، الضغوطُ الاقتصادية، الانتخاباتُ والاستفتاء، وأخيراً ـ لا آخر ـ الثورات.

لعبة الأمم وإرادة الشعوب

بين هذا المشروعِ الأميركيّ والثوراتِ العربية نقاطُ تقاطعٍ عامةً تُشكِّل قاعدةَ مصالحةٍ بين الإسلامِ والغرب. كان الغربُ استعماراً فصار إعماراً، وكان حليفَ الأنظمةِ فصار صديقَ الثورات. المشروعُ والثوراتُ يطمَحان إلى تغييرِ الأنظمةِ والمجتمعاتِ العربية والإسلامية، لكن قد يفترقان لدى البحثِ عن البدائل. وهنا تبدأ المنافسة بين لعبةِ الأمم وإرادةِ الشعوب. والمنافسة لا تعني بالضرورة طلاقاً، بل مجالاً للتفاوض والاتفاق.فها إنَّ جزءًا من أسبابِ تأخُّرِ حسمِ مصيرِ بعضِ الثوراتِ يعود إلى إجراءِ مفاوضاتٍ بحثاً عن بدلاء، لئلا تنتقلَ الدولُ العربيةُ إلى ديكتاتورياتٍ وتيوقراطياتٍ جديدةٍ وفوضى غيرِ بناءة. إنَّ مشكلةَ العالمِ العربي هي أن عربةَ التغييرِ فيه يقودها حصانان يسيرُ كلُّ واحدٍ منهما في اتجاهٍ مختلف: واحدٌ نحو المجتمعِ الديني والآخرُ نحو المجتمعِ المدني، والثاني هو الأضعف.

تسارعت الأحداثُ منذ أواسطِ شهر كانون الثاني 2011، فاندلعت ثوراتٌ في بلدانٍ عربيةٍ موزَّعةٍ بين المغربِ (تونس، الجزائر، مصر، ليبيا) والمشرقِ (سوريا، العراق، كردستان) وشبهِ الجزيرةِ العربية (اليمن، البحرين). وباستثناء مملكةِ البحرين، حيث أُخمِدَت الانتفاضة، لافتٌ أنَّ الثوراتِ لا تزال تَـقتصرُ على الجمهورياتِ دون الممالك (بَـعدُ)، عِلماً أن لا فارقاً فعلياً بين الاثنين، ذلك أنَّ الحُكمَ الوراثيَّ صار يُطـبَّـق في الجمهورياتِ العربية بشكلٍ غيرِ شرعي، بينما مبدأُ الوراثةِ في الممالكِ شرعيٌّ ويخضَعُ لأصولِ الشَوْرى والكفاءة، كما أن حريّـاتٍ معينةً مضمونةٌ في الممالكِ العربيةِ أكثرَ مما هي مُصانةٌ في هذه الجمهوريات. والطريفُ في المشهد العربيّ أنَّ ملوكَ وأمراءَ دولِ مجلسِ التعاونِ الخليجي يقترحون على رؤساء جمهورياتٍ التخلّيَ عن السلطةِ، فيما هم يَبقَوْن في السلطةِ حتى يَستدعيَهم ربُّ العالمين.

الثوراتُ الجاريةُ متفاوِتةُ الحجمِ (انتفاضات أو احتجاجات) ومتعدِّدةُ الأبعادِ (دينية أو ديمقراطية) ومختلِفةُ المصائر (وحدوية أو تقسيمية). رُغم هذه المفارقات، تظلُّ المطالبةُ بالحريّـةِ ـ لا بالديمقراطيةِ ـ الجامِعَ المرحليَّ الأساسيَّ لكل هذه الثورات، لأن القمعَ هو القاسِمُ المشترَكُ الأساسيُّ لكلِ الأنظمةِ العربيةِ رغم اختلافِ بُنيتِها الدستوريةِ والاقتصاديةِ وسياساتِها وتحالفاتِها الإقليميةِ والدولية.

إشكاليات قوى الثورة

يَشتركُ في حركةِ التغيير، في كل بلدٍ، أربعُ قِوى رئيسيةٍ مختلفةِ المواقعِ والدوافعِ والأحجام، وهي: أولاً: الرأيُ العام ويُطالب بالتغييرِ الشامل. ثانياً: الحركاتُ التقدميةُ المعارضِةُ وتََـأملُ بولادةِ حُكمٍ ديمقراطي. ثالثاً: الحركاتُ الإسلاميةُ، وأبرزُها الإخوانُ المسلمون، وتسعى لقيامِ أنظمةٍ دينية. ورابعاً: المؤسساتُ العسكريةُ والأمنيةُ وتحاولُ إبقاءَ التغييرِ داخلَ مؤسساتِ الأنظمة. ويُضاف إلى هذه القِوى جِهاتٌ فِتنويةٌ تختلفُ هُويَّـاتُها ومراميها حسْبَ خصوصيةِ كلِّ مجتمعٍ وبلد. وغالباً ما تتحرّكُ هذه الجِهاتُ بتوجيهاتٍ خارجيةٍ لضربِ نقاوةِ الثورةِ وحَـرْفِ أهدافِها.

حيث ستنجحُ الثورةُ، المرجَّحُ أن يَـبرُزَ الجيشُ في المرحلةِ الأولى، وتَحكمُ القوى الأربعةُ معاً في مرحلةٍ ثانية، إلى أنْ تَتمكّنُ الأحزابُ الدينيةُ من السيطرةِ في المرحلةِ الثالثة. أما المرحلةُ الأخيرةُ فستشهَدُ صِراعاً جديداً وعنيفاً وعُنفياً بين الحركاتِ الأصوليةِ والقِوى الديمقراطيةِ والمؤسسات العسكريةِ، ولا أحدَ يستطيعُ منذ اليوم التنبؤَ بهويَّـةِ المنتصِر، وإن كانت المعطياتُ الحاليةُ تُعطي أسبقـيَّـةً للحركاتِ الدينية، خصوصاً إذا عَرَفت هذه الحركاتُ أن تخرجَ من ظلامـيَّـتِها والسيرَ في نهجٍ منفتحٍ ومعتدلٍ يعترفُ بالتعدديةِ والمساواةِ في المواطنية، عِلماً أن مصيرَ كلِّ ثورةٍ مختلفٌ عن الأخرى.

إنَّ نَموذجَ العَلاقات بين الولاياتِ المتحدةِ الأميركية والحزبِ الإسلامي في تركيا ("العدالة والتنمية") موجودٌ في خلفيةِ الحِراكِ العربيِّ الحالي. فالحركاتُ الإسلاميةُ الأصوليةُ العربية تأملُ بانفتاحِ واشنطن عليها، وهذه تَـأمَلُ باعتدالِ تلك الحركات. إن البراغماتـيَّـةَ هي سِمةُ سياسةِ واشنطن، فقُبيلَ أحداثِ 11 أيلول 2001، لم تكن الإدارةُ الأميركيةُ حاسمةً في شنِّ حربٍ على أفغانستان، لا بل سَمحت لِكَـنّـةِ "ريتشارد هِلمز"، الرئيسِ السابقِ لوَكالة الاستخباراتِ الأميركية، بفتحِ مكتبِ علاقاتٍ عامةٍ في واشنطن لمصلحةِ نظامِ طالبان "السوبر ـ أصولي" توطئةً للتعاونِ معه في مواجهةِ التحالفِ بين موسكو والصين في مَنطقةِ جَنوب آسيا.

تلافياً لمثلِ هذا السيناريو، غيرِ مضمونِ النتائج، لا يجوزُ أن يبقى النظامُ العربيُّ الجديدُ ديكوراً جديداً لمعطياتٍ ثابتةٍ وعقائدَ جامدة. ولا يجوزُ للإنسانِ العربي أن يثورَ كمواطنٍ ثم يَحكمُ كإسلاميٍّ. إنها مسألةُ مِصداقية. وأيُّ إخلالٍ بها سيدفعُ العربَ غيرِ المسلمين إلى إقامة حكمٍ ذاتي غيرَ عابئين بأيِّ محظورٍ أو تُهمة.

الشعوبُ الأوروبيةُ التي انتفضَت ضِدَّ القبضةِ السوفياتيةِ والشيوعيةِ لم تَخُن نفسَها بعد التغيير، فأقامت أنظمةً ديمقراطيةً ونَشَرت الحرية. لذا، تبقى الثوراتُ العربيةُ على الأنظمةِ ثوراتٍ ناقصةً ما لم تَصُبّ في بحرِ الحريةِ والديمقراطية، وما لم تُرافِقْها ثورةٌ موازيةٌ في الدينِ الإسلاميّ. الحداثةُ الإسلاميةُ شرطٌ بُنيويٌّ لنجاحِ الثوراتِ العربيةِ في تحديثِ شعوبِها سياسياً وحضارياً. ولو لم تَقُم الشعوبُ المسيحيةُ في الغرب بتطويرِ الفكرِ المسيحي وترسيمِ دورِ الكنيسةِ الدُنيوي، لما نجحت ثوراتُها السياسيةُ والاجتماعية. وليس من قبيلِ الصُدفِ أنَّ تكونَ الثوراتُ الدينيةُ والفكريةُ في أوروبا سَبقت نحوَ قرنٍ الثوراتِ السياسية.

وفي نفسِ السياق، إن مشكلةَ الدولِ العربيةِ ليست بحدودِها بل في مجتمعاتِها. فحدودُ الدولةِ اللبنانيةِ، التي تَضُمُّ 18 طائفة، صَمدت رُغم الحروبِ المتتاليةِ والاحتلالات بفضلِ مجتمعٍ لبنانيٍّ كان مُتقدِّماً وديمقراطياً ومعتدِلاً، بينما دولٌ عربيةٌ متجانِسةُ الدين، إسلامٌ بإسلام، لم تَصمُد بسببِ وضعِ مجتمعاتِها المتأخرةِ والمظلومة.

كونُ الإسلامِ الحاليِّ متعددَ المذاهبِ والعشائرِ والقبائلِ ويعيشُ صراعاتٍ دمويةً، سيؤدّي حُكمُ الأحزابِ الدينيةِ إلى تفتيتِ الكيانات القائمة. فـتُـفرَزُ الدولُ العربيةُ على أساسِ الانتماءِ المذهبي والعِرقي والقَبلي، وحسْبَ أمكنةِ وجودِ منابعِ النفطِ والغاز. هذه الأوضاعُ تؤدي إلى تثبيتِ دورِ الدولِ الأجنبيةِ تحت شعارِ نشرِ الديمقراطيةِ وتقريرِ مصيرِ الأقليات، فـيُـعاد تقسيمُ العالمِ العربي إلى دولٍ أصغر من دولِ "سايكس ـ بيكو" في المشرق، ورسائلِ "ماكْماهُون" في الجزيرةِ العربية. وغالَبُ الظنِّ أيضاً أن تُعطى "وعودُ بَلفور" جديدةٌ إلى أقلياتٍ عربية، هذه المرة، لإنشاء ولاياتٍ على غرارِ ما كان الأمرُ في ظل السلطنةِ العُثمانية. لذا بقدرِ ما أتفاءلُ بأحلامِ الثوّار، أتشاءمُ بمصيرِ الثورات.

المنظار الاستراتيجي للأحداث

تتألف شعوبُ المَنطقةِ من مئاتِ الأعراقِ المتحفِّزةِ للتورطِ في حروبٍ أهليةٍ رُغم أنها أَدرَجت نضالَها التاريخيَّ، عـبْرَ قرنٍ كامل، تحت شعاراتٍ قوميةٍ وَحدوية. اليوم، كلُّ أشكالِ الكياناتِ والأنظمةِ باتت مُمكنةَ الانتشارِ في العالم العربي: التقسيمُ في السودان، الفدراليةُ في العراق، الوَحدة في مصر، الديمقراطيةُ في تونس، والباقي آتٍ. أما لبنان فهو على مسافةٍ شبهِ متوازيةٍ من هذهِ النماذج، وسيَختارُ أحَدَها في ضوءِ تنوُّعِ مُكوِّناتِه الدينيةِ والحضارية.

تُشرِف هذه الشعوبُ الثائرةُ على أربعةِ "بِحـار": الأبيضُ المتوسط، الأحمرُ، العربيُّ ـ الفارسيّ، والعربيُّ ـ الهندي. وتَرصُد أربعةَ مضائق: قناةُ السويس، بابُ المندِب، مَضيق هرمز، وشَطُّ العرب. وتُشكِّل هذه البحارُ والمضائقُ شبكةَ العبورِ الرئيسةِ للنفطِ والغازِ والمعادنِ نحو الغربِ وأفريقيا وآسيا وأميركا.

واللافتُ أن حركةَ التغييرِ في العالمِ العربيِّ تَعقُب مجموعةَ تطوراتٍ آسيويةٍ قَـدَّمت للدولِ الصناعيةِ مصادرَ جديدةً لاستيرادِ النفطِ والغازِ من خارجِ العالم العربي. وأبرزُ هذه التطوراتِ اثنان: الأول: العملُ سنةَ 2005 بخطِّ نقلِ النفطِ الممتَدِّ بين باكو (أذربيجان) وتبيليسي (جورجيا) وكيهان (شاطئ تركي على المتوسط)، والآخر: تفعيلُ منظمةِ دولِ بحرِ البلطيق سنةَ 2009 (إيران، أذربيجان، روسيا، كازاخستان وتركمانستان).

قد يستغربُ البعضُ هذا الربطَ إلى حين إدراكِ أمرين: الأول، أن الاستراتيجيةَ الأميركـيّـةَ التي تَشمُلُ لبنانَ والشرقَ الأوسط تَرتسمُ حدودُها من جنوبِ روسيا إلى المحيطِ الهندي، ومن السويس حتى سِنْـغيانغ شمالِ غربي الصين، وهي مَنطقةٌ يعتبرها البنتاغون تَـعجّ بالأزَماتِ السياسيةِ التي تتحوّلُ حروباً. والثاني، أن واشنطن كانت تُخطِّطُ لتخفيفِ استيرادِها نَفطِ الخليجِ العربي بِدءاً من سنةِ 2011، لكنّ ضآلةَ الاحتياطِ النفطيِّ في بحرِ قزوين جعلها تُعيد النظرَ في هذا الأمر.

لذلك يُـهِمُّ الولاياتُ المتّحدةُ الأميركيةُ أن تَبقى الحالةُ الثورية العربية ـ على الأقلِّ مرحلياً ـ دونَ حدودِ دولِ مجلسِ التعاونِ الخليجي، كما يَعمل مجموعُ الدولِ الصناعيةِ الكبيرةِ على تحييدِ أحداثِ اليابسةِ عن الممرَّاتِ البحريةِ، وعلى فصْلِ ثوراتِ الشعوبِ عن مناطقِ الثروات. وإذا كان النظامُ الدوليُّ السابقُ ربطَ الثرواتِ بالأنظمةِ وتَحكَّمَ بالاثنين معاً، فالنظامُ الجديدُ، الدوليُّ/الإقليمي، سيحاول الفصلَ بين الثوراتِ والثرواتِ بانتظارِ استتبابِ الأوضاعِ الدستوريةِ والسياسيةِ والعسكريةِ والأمنيةِ في كل بلدٍ (مَـثَلُ ليبيا).

الجانب الشفاف في الثورات

رُغم ذلك، يُخطئ من يَظنُّ أن ملايين الناس تحرَّكت في العالم العربيِّ بـ "كبسةِ زرّ" من هذه الدولةِ أو تلك. إن التدخّلَ الخارجيَّ يُحدِثُ حرباً لكنه لا يَصنعُ ثورة. الدول الكبرى تُـوفِّر ظروفاً موضوعيةً لانطلاقٍ ثوراتٍ هاجعةٍ في أحشاءِ الشعوب (دورُ الحاضنة)، لكـنّـها لا تستطيعُ أن تَخلُقَ ثورةً من العدم. إنها تقومُ بعملٍ ما في نقطةٍ محدَّدةٍ (بولونيا في أوروبا الشرقية ولبنان في الشرق الأوسط)، فـتَـتَشجَّع شعوبٌ أخرى فتثور وتَـكُـرّ السُبحة. إن دورَ الدولِ الكبرى الحقيقيَ يبدأ، عادةً، قبلَ اندلاعِ الأحداثِ (تحضيرُ الظروف) وبعد انتهائِها (إجراءُ التسويات)، أما أثناءَ المرحلةِ التنفيذيةِ، فإنها تُمَـوّلُ أو تُسلِّحُ أو تساعد أطرافاً (في الحروب والثورات) بشكلٍ يُؤثر على مجرى الأحداثِ وتوازنِ القِوى.

حين تثور الشعوبُ، لا تُفكِّر بلُعبةِ الأمم، ولا بالنَفطِ والغازِ وبواطنِ الأرض، بل بالخبزِ والحريةِ، بالكرامةِ والعدالة، بمجتمعٍ جديدٍ، بغدٍ أفضل، بضمانِ مستقبلِ أولادِها. الثورةُ "سَكرةُ" الشعوبِ، وبعدَها يبدأ التفكير. لكن المهمَّ ألّا تطولَ السَكرةُ فـتَقمعُ الأنظمةُ الثورةِ، وألا تطولَ فترةُ قمعِ الأنظمةِ للثورةِ فـيَحصُلَ تَدخُّلٌ خارجيّ، فالمجتمعُ الدوليُّ المعاصر يتغاضى عن الحروبِ لا عن المجازِر.

إن التغييرَ النفسيَّ قد حصَل في العالمِ العربي، ويبقى التغييرُ السياسي. إنَّ أهمَ حدثٍ تغييريٍّ في الدولِ العربيةِ هو ثورةُ الشعوبِ على الخوف، فسقوطُ خوفِ الشعبِ أهمُّ من سقوطِ الأنظمة. لقد بَرز الشعبُ عامِلاً جديداً بين الأنظمةِ الديكتاتوريّـةِ والحركاتِ الأصوليةِ. وهو ضِدُّ الطرفين مبدئياً، ويسعى لإخراجِ مجتمعاتِـه من هذا الصراعِ الثنائيِّ السلبي ليكونَ هو الخِيارُ الأساسي في حركةِ التغيير. لذا، يُفترض بالدولِ الديمقراطيةِ في العالمِ أن تَعتمِدَ الشعبَ، كحالةٍ قائمةٍ بذاتها، وتدعمُه بديلاً تقدميّـاً في الدولِ العربيةِ وقوّةِ ضغطٍ لمنعِ شَطَطِ أنظمةِ ما بعدَ الثورة. صحيحٌ أن الشعبَ يثورُ من أجلِ القيمِ من دونِ قيادةٍ واضحةٍ، لكنَّ قِـيمُـهُ تَـفرُزُ قياداتٍ لاحقاً.

الشعب هو المحاور

غداةَ الحربين الأولى والثانيةِ تعاقدت الدولُ المنتصرةُ مع حكّامٍ محلـيّين لإنشاءِ النظامِ الحاليِّ من دونِ المرورِ بالشعوب، بحُجّـةِ أنَّ الشرقَ العربيَّ كان، آنذاك، ولاياتٍ اعتباطيةَ التقسيمِ تابعةً للإمبراطوريّـةِ العُثمانية. أما اليوم، مع وجودِ كِياناتٍ وطنيةٍ قائمة، يُفترض بالدولِ الكبرى، وبخاصةٍ الأممُ المتحدة، أن تَتعاقدَ مع الشعوبِ مباشرةً، وإن اضطُـرّت أحياناً ومرحلياً إلى الاستعانةِ بمؤسساتِ الأنظمةِ القائمة.

وفي الإطارِ نفسِه يَتوهم من يعتقد أن أميركا أو إسرائيل أو روسيا أو أيَّ دولةٍ في العالمِ تستطيع وقفَ الأحداثِ في أيِّ بلدٍ عربي إذا تجاوبَ النظامُ القائمُ مع مَطلبٍ أميركيٍّ أو إسرائيليّ. إن الخلافَ اليومَ ليس بين الدولِ الكبرى وأنظمةِ المَنطقةِ فقط، بل بين هذه الأنظمةِ وشعوبِها. والدليلُ أن الثورةَ مستمرةٌ في دولٍ عربيةٍ أَزارَ رؤساؤُها الكنيست الإسرائيليّ مثلَ أنور السادات، أم أعلنوا الحربَ على إسرائيل مثلَ "لا أحد". وأساساً، لم يعد أيُّ نظامٍ عربيٍّ اليومَ قادِراً أن يَصنع سلاماً مع إسرائيل أو أن يُحاربها، كما لم يَعد أيُّ نظامٍ محاوِراً موثوقاً مع المجتمع الدولي. نحن نعيش مرحلةً انتقاليةً طويلةَ الأمدِ بين أنظمةٍ قيدَ السقوط وأخرى قيدَ الإعداد.

وما يُثبتُ هذه النظريةَ، الإرباكُ والانقسامُ والحَـيْرةُ التي وَقعت بها الدولُ الكبيرةُ في تقريرِ طريقةِ التعاملِ مع أحداثِ العالمِ العربي وحدودِ تدخُّلِها العسكري. صحيحٌ أنَّ هذه الأحداثَ متوقَعةٌ في منطقِ التاريخ، لكنَّ توقيتَ انفجارِها هو رَهنُ حدثٍ آنيٍّ في بيئة ناضجة للانتفاض (إشعالُ الشابِّ التونسي، محمد البو عزيزي النارَ بنفسِه في 17 كانون الأول 2010).

إن التدخّلَ الأساسيَّ الذي أقدمت عليه أميركا وأوروبا في الدولِ العربيةِ، هو أنها قَـدّمت للشعوبِ العربيةِ تكنولوجيا المعلوماتية لا السلاح، ونَموذجَ مجتمعٍ مُختلِفٍ عن النَموذجِ الأحاديِّ المُغلَقِ الذي تعيشه. إن الشعوبَ العربية التي أخذت على أنظمتِها في العقودِ السابقةِ تحالفَها مع الولاياتِ المتحدة، أقصى أحلامِها الآن أنْ تَتشبَّـهَ بالمجتمعِ الأميركي. وإنجازُ الغربِ أنه استأجَر لوحةً إعلانيةً على طريقِ الشرقِ الأوسطِ السريع وعَرضَ عليها مفاتنَ الحريةِ والديمقراطية والرَخاء. شاهدت الشعوبُ العربيةُ الإعلان، استَوقَفها، قارَنتهُ بشِعاراتِ أنظمتها، ففضَّلته عليها واقـتَبستْه ونَزَلت إلى الساحات. عفويةُ هذه الثوراتِ لا تَحجُب دعمَ قِوى خارجيةٍ لها، والدعمُ الخارجيُ لها لا يَنتقصُ من شرعيّتِها ووطنيتِها.

الولاياتُ المتحدةُ الأميركيةُ، التي طالما اتهمناها بالغَباءِ وبالانقيادِ وراءَ منطقِ الكومبيوتر في وضعِ استراتيجيتِها من دون اعتبارِ العاملِ الانسانيِّ ووقائعِ الأرض، نَجحت في تظهيرِ ديناميكيةِ التغييرِ والثورةِ في بلدان العالمِ العربي. لا بل بَذلَت جُهداً لتصحيحِ أخطاءٍ عديدة سابقة: انسحَبت من العراق، دَفعت إسرائيلَ إلى قَبولِ مبدأِ قيامِ دولةٍ فلسطينية، شاركت في سَحبِ الجيشِ السوريَّ من لبنان، دَعمت حركاتِ التحرير في عددٍ من الدول العربيةِ والإسلامية. لقد تسرَّع الذين نَعوا الاستراتيجيةَ الأميركيةَ في الشرقِ الأوسطِ حين تعقّدَ الدورُ الأميركيُّ في العراق. ولا نتسرعُ بالمقابلِ إلى رثاءِ الثوراتِ العربيةِ وهي تَـتَـعـثَّر في بعضِ البلدان. إن الصمودَ يَستجلبُ، مع الوقت، الدعمَ أكثرَ من الانتصار.

ومن المفارقاتِ أن تكونَ أميركا هي "حاضنةُ" تحرّرِ الشعوبِ العربيةِ وانتقالِها إلى الديمقراطية. فحيثُ تَدخّلت أميركا تَـغـيّرت الأنظمةُ التعسّفيةُ، وحيثُ لم تَتدخّل جِدّياً تَباطأت الثوراتُ وغَرِقت في رِمال حروبٍ أهلية. وأَجزُم أن أميركا ـ ودول أوروبا استطراداً ـ لم تَتوقَّف منذ أوائلِ التسعينات عن حثِّ أصدقائِها وحلفائِها، قادةِ الدولِ العربية، على الانفتاحِ والتطورِ وإجراءِ إصلاحاتٍ وانتخاباتٍ شعبية.

والاصلاحاتُ المحدودةُ في المملكةِ العربيةِ السعوديةِ ودولِ الخليجِ ومِصرَ والمغربِ العربيِّ ما تَمـَّت إلا تحتَ ضغطِ واشنطن وأوروبا مباشَرة. وما دامت مؤسسةُ "ويكيليكس" تنشر محاضرَ لقاءاتِ الديبلوماسيين الأميركيين مع المسؤولين العرب، فلماذا لا تَنشُر محاضرَ الاجتماعاتِ حولَ الإصلاح؟

من الثورة إلى السلطة

هذه المسيرةُ ستستغرق عقوداً لأن التغييرَ يَمرُّ في عدةِ مراحل، أسهلُها إسقاطُ النظامِ القائمِ وأصعبُها الاتفاقُ على النظامِ البديلِ الدائم. وبين المرحلتين تَقعُ كلُّ أنواعِ الأحداث، إذ ينتقلُ الثائرون من مرحلةِ الشعاراتِ إلى مرحلةِ المشاريع، ومن مشاعرِ الرومانسيةِ وغِوى الأحلامِ إلى منطقِ الواقعيةِ وافتراقِ المصالح. وتَخال الشعوبُ أحياناً أنها بَلغت مُرادَها فـتَزهو، وتَشُعر أحياناً أخرى أنها خَسِرت رِهانَها فـتُحبَط. لكن سِرعان ما يستأنف التغييرُ مسيرتَـه، و"من يَصمدْ إلى النهايةِ يَخلُص".

إن الثابتَ الوحيدَ في هذا العالمِ هو التغيير. وما يطيلُ عمليةَ التغييرِ في الشرقِ هو أن الشعوبَ، وإن اقتدى بعضُها بالبعضِ الآخر، فإنها لا تتعلّم من تجاربِ بعضِها.

ليست الثوراتُ خَطاً مستقيماً ولا نظاماً بديلاً. إنها حالاتٌ عكِرةٌ وهوجاءُ، تحتاج إلى غَربلةٍ وتنقيةٍ وإلى إخضاعِ مسيرتِها، لاحقاً، للعقلِ والحِكمة. الثوراتُ تُسقط نظاماً فاسداً لكنها لا تَصنعُ دائماً حُكماً عادلاً.

والخِشيةُ الكبرى لديَّ ألّا تَفرُزَ الثوراتُ العربيةُ، في المدى المنظورِ، تغييراً نوعياً نحو الأفضل، في حين أنَّ التغييرَ في الغربِ هو نوعيٌّ وتقدميٌّ، ويَحدُث من دونِ اللجوءِ إلى ثوراتٍ دمويةٍ باستثناء حربِ البوسنة. في الأنظمةِ الديمقراطيةِ تحصُل ثورةٌ كلَّ يومٍ من خلالِ التشريعِ وتحديثِ القوانين. أما في الدولِ التوتاليتاريّـةِ، فالثورةُ، وإن حَصلت، فلا تَرفِد حتماً في الديمقراطية والإصلاح.

لقد سَبق أن احتوَت الدولُ الكبرى ثوراتِ الشعوبِ وأقامت يعضَ الكياناتِ والأنظمةِ المعاكِسةِ لهوى الثوراتِ وحقِّ الشعوبِ في تقريرِ المصير.

ألم تَـتَحوَّل ثوراتِ القوميةِ العربيةِ في القرنِ الماضي إلى أنظمةٍ تابعةٍ للبريطانيين والفرنسيين والإيطاليين بعد الحربِ العالميةِ الأولى، وللولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي بعد الحربِ العالمية الثانية؟ وما يُعزِّز خِشيتي هو أنَّ كلَّ تطورٍ في العالمِ العربيِّ يظلّ محكوماً بدورِ إسرائيل، بالنفوذِ الأميركي، بالثروةِ النفطية، بهيمنةِ الشريعة الإسلامية، بالانقساماتِ المذهبية، وبذهنيةِ النخب السياسيةِ الجديدة.

وكَشفت المعطياتُ تِباعاً وجودَ حلْقةٍ خفـيّـةٍ تربُط بين كل هذه العناصرِ وتَـلـتَـفُّ على عُـنُـقِ الشعوبِ الحالمةِ بالثوراتِ والتقدّم. إذا لم تحمِ الشعوبُ العربيةُ ثوراتِها، ستستَغلها أميركا وأوروبا وإسرائيل لترسمَ خريطةَ نفوذِها الجديد. مَنْ يزرعُ الشجرةَ ليس هو من يَقطفُ ثمارَها دائماً؟

* نائب رئيس حزب "الكتائب اللبنانية"

المصدر : المسيرة